
تفسير سورة «ق»
وهي مكّيّة بإجماع
[سورة ق (٥٠) : الآيات ١ الى ١٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (٤)بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩)
وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤)
قوله عز وجل: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ قال مجاهد، والضَّحَّاك، وابن زيد، وعِكْرَمَةُ:
ق اسم الجبل المحيط بالدنيا، وهو فيما يزعمون أَنَّهُ من/ زمردة خضراء، منها خُضْرَةُ السماء وخضرة البحر «١»، وقيل في تفسيره غير هذا، والْمَجِيدِ: الكريم في أوصافه الذي جمع كُلَّ مَعْلاَةٍ، وق مُقْسَمٌ به وبالقرآن قال الزَّجَّاجُ «٢» : وجواب القسم محذوف تقديره: ق والقرآن المجيد لتبعثن، قال ع «٣» : وهذا قول حسن، وأحسن منه أَنْ يكون الجواب هو الذي يقع عنه الإضراب ببل، كأَنَّه قال: والقرآنِ المجيد ما رَدُّوا أمرك بحجة، ون ٩ حو هذا، مِمَّا لا بُدَّ لك من تقديره بعد الذي قَدَّره الزَّجَّاجُ، وباقي الآية بَيِّنٌ ممّا تقدم في «ص» و «يونس» وغيرهما، ثم أخبر تعالى رَدًّا على قولهم بأَنَّهُ سبحانه يعلم ما تأكل الأرضُ من ابن آدم، وما تُبْقِي منه، وأَنَّ ذلك في كتاب، والحفيظ: الجامع الذي لم يَفُتْهُ شيء وفي الحديث الصحيح: «إنَّ الأَرْضَ تَأَكُلُ ابْنَ آدَمَ إلاَّ عَجْبَ الذَّنَبِ» وهو عظم
(٢) ينظر: «معاني القرآن» (٥/ ٤١).
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ١٥٥).

كالخَرْدَلَةِ، فمِنْهُ يُرَكَّبُ ابن آدم «١»، قال ع «٢» : وحِفْظُ ما تنقص الأرض إنَّما هو ليعودَ بعينه يومَ القيامة، وهذا هو الحَقُّ قال ابن عباس والجمهور: المعنى: ما تنقص من لحومهم وأبشارهم وعظامهم «٣»، وقال السُّدِّيُّ: مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ أي: ما يحصل في بطنها من موتاهم «٤»، وهذا قول حسن مضمنه الوعيد، والمريج: معناه المختلط قاله ابن زيد «٥»، أي: بعضُهم يقول: ساحر، وبعضهم يقول: كاهن، وبعضهم يقول: شاعر، إلى غير ذلك من تخليطهم، قال ع «٦» : والمريج: المضطرب أيضاً، وهو قريب من الأَول ومنه مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ، ومن الأَوَّلِ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ [الفرقان: ٥٣].
ثم دَلَّ تعالى على العبرة بقوله: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ/... الآية، وَزَيَّنَّاها أي: بالنجوم، والفروج: الفطور والشقوقُ خلالها وأثناءها قاله مجاهد وغيره «٧».
ت: وقال الثعلبي بأثر كلام للكسائي: يقول: كيف بنيناها بلا عَمَدٍ، وَزَيَّنَّاها بالنجوم، وما فيها فتوق؟ وَالْأَرْضَ مَدَدْناها أي: بسطناها على وجه الماء، انتهى، والرواسي: الجبال، والزوج: النوع، والبهيج: الحَسَنُ المنظر قاله ابن عباس وغيره «٨»، والمنيب: الراجع إلى الحَقِّ عن فكرة ونظر قال قتادة «٩» : هو المُقْبِلُ إلى اللَّه تعالى،
جامع الجنائز (٤٨).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ١٥٦).
(٣) أخرجه الطبري (١١/ ٤٠٧) برقم: (٣١٨٠٠)، وذكره ابن عطية (٥/ ١٥٧)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٢٢)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١١٦)، وعزاه لابن جرير عن ابن عبّاس.
(٤) أخرجه الطبري (١١/ ٤٠٧) برقم: (٣١٨٠٣) عن قتادة، وذكره البغوي (٤/ ٢٢٠)، وذكره ابن عطية (٥/ ١٥٧).
(٥) أخرجه الطبري (١١/ ٤٠٨) برقم: (٣١٨١٣)، وابن عطية (٥/ ١٥٧). [.....]
(٦) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ١٥٧).
(٧) أخرجه الطبري (١١/ ٤٠٩) برقم: (٣١٨١٤)، وذكره ابن عطية (٥/ ١٥٧)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٢٢)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١١٦)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد.
(٨) أخرجه الطبري (١١/ ٤٠٩) برقم: (٣١٨١٦)، وذكره ابن عطية (٥/ ١٥٧)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١١٦)، وعزاه للطستي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما.
(٩) أخرجه الطبري (١١/ ٤١٠) برقم: (٣١٨١٩)، وذكره ابن عطية (٥/ ١٥٧)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١١٦)، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير.