آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎ

قوله عز وجل:
[سورة ق (٥٠) : الآيات ٣٦ الى ٤٠]
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (٤٠)
كَمْ للتكثير وهي خبرية، المعنى كثيرا أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ. والقرن: الأمة من الناس الذين يمر عليهم قدر من الزمن. واختلف الناس في ذلك القدر، فقال الجمهور: مائة سنة، وقيل غير هذا، وقد تقدم القول فيه غير مرة. وشدة البطش: هي كثرة القوة والأموال والملك والصحة والأدهان إلى غير ذلك.
وقرأ جمهور من الناس: «فنقّبوا» بشد القاف المفتوحة على إسناد الفعل إلى القرون الماضية، والمعنى: ولجوا البلاد من أنقابها. وفي الحديث: «أن على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال». والمراد تطوفوا ومشوا طماعين في النجاة من الهلكة ومنه قول الشاعر [امرؤ القيس] :[الوافر]

وقد نقبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
ومنه قول الحارث بن حلزة: [الخفيف]
نقبوا في البلاد من حذر الموت وجالوا في الأرض كل مجال
وقرأ ابن يعمر وابن عباس ونصر بن سيار وأبو العالية: «فنقّبوا» بشد القاف المكسورة على الأمر لهؤلاء الحاضرين.
و: هَلْ مِنْ مَحِيصٍ توقيف وتقرير، أي لا محيص، والمحيص: المعدل موضع الحيص وهو الروغان والحياد، قال قتادة: حاص الكفرة فوجدوا أمر الله منيعا مدركا، وفي صدر البخاري فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب. وقال ابن عبد شمس في وصف ناقته: [الوافر]
إذا حاص الدليل رأيت منها جنوحا للطريق على اتساق
وقرأ أبو عمرو في رواية عبيد عنه: «فنقبوا» بفتح القاف وتخفيفها هي بمعنى التشديد، واللفظة أيضا قد تقال بمعنى البحث والطلب، تقول: نقب عن كذا أي استقصى عنه، ومنه نقيب القوم لأنه الذي يبحث عن أمورهم ويباحث عنها، وهذا عندي تشبيه بالدخول من الأنقاب.
وقوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ يعني إهلاك من مضى، والذكرى: التذكرة، والقلب: عبارة عن العقل إذ هو محله. والمعنى: لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ واع ينتفع به. وقال الشبلي معناه: قلب حاضر مع الله لا يغفل عنه طرفة عين.

صفحة رقم 167

وقوله تعالى: أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ معناه: صرف سمعه إلى هذه الأنباء الواعظة وأثبته في سماعها، فذلك إلقاء له عليها، ومنه قوله تعالى: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [طه: ٣٩] أي أثبتها عليك، وقال بعض الناس قوله تعالى: أَلْقَى السَّمْعَ، وقوله: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ [الكهف: ١١] وقوله:
سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ [الأعراف: ١٤٩] هي كلها مما قل استعمالها الآن وبعدت معانيها.
قال القاضي أبو محمد: وقول هذا القائل ضعيف، بل هي بينة المعاني، وقد تقدمت في موضعها.
وقوله تعالى: وَهُوَ شَهِيدٌ قال بعض المتأولين: معناه: وهو مشاهد مقبل على الأمر غير معرض ولا منكر في غير ما يسمع. وقال قتادة: هي إشارة إلى أهل الكتاب، فكأنه قال: إن هذه العبرة التذكرة لمن له فهم فيتدبر الأمر أو لمن سمعها من أهل الكتاب فيشهد بصحتها لعلمه بها من كتابه التوراة وسائر كتب بني إسرائيل: ف شَهِيدٌ على التأويل الأول من المشاهدة، وعلى التأويل الثاني من الشهادة.
وقرأ السدي: «ألقى السمع» قال ابن جني ألقى السمع منه حكى أبو عمرو الداني أن قراءة السدي ذكرت لعاصم فمقت السدي وقال: أليس الله يقول: يُلْقُونَ السَّمْعَ [الشعراء: ٢٢٣].
وقوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ الآية خبر مضمنه الرد على اليهود الذين قالوا إن الله خلق الأشياء كلها في ستة أيام ثم استراح يوم السبت فنزلت: وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ واللغوب: الإعياء والنصب والسأم، يقال لغب الرجل يلغب إذا أعيى.
وقرأ السلمي وطلحة: «لغوب» بفتح اللام. وتظاهرت الأحاديث بأن خلق الأشياء كان يوم الأحد وفي كتاب مسلم وفي الدلائل لثابت حديث مضمنه: أن ذلك كان يوم السبت وعلى كل قول فأجمعوا على أن آدم خلق يوم الجمعة. فمن قال إن البداءة يوم السبت جعل خلق آدم كخلق بنيه لا يعد مع الجملة الأولى وجعل اليوم الذي كملت المخلوقات عنده يوم الجمعة.
وقوله تعالى: فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ قال بعض المفسرين: أراد أهل الكتاب لقولهم، ثم استراح يوم السبت.
قال القاضي أبو محمد: وهذه المقالات من أهل الكتاب كانت بمكة قبل الهجرة.
وقال النظار من المفسرين قوله تعالى: فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ يراد به أهل الكتاب وغيرهم من الكفرة، وعم بذلك جميع الأقوال الزائغة من قريش وغيرهم، وعلى هذا التأويل يجيء قول من قال: الآية منسوخة بآية السيف. وَسَبِّحْ معناه: صل بإجماع من المتأولين وقوله: بِحَمْدِ رَبِّكَ الباء للاقتران أي سبح سبحة يكون معها حمد ومثله «تنبت بالدهن» على بعض الأقوال فيها و: قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ هي الصبح وَقَبْلَ الْغُرُوبِ هي العصر قاله قتادة وابن زيد والناس، وقال ابن عباس: قَبْلَ الْغُرُوبِ هي العصر والظهر وَمِنَ اللَّيْلِ هي صلاة العشاءين وقال ابن زيد هي العشاء فقط.
وقال مجاهد: هي صلاة الليل وقوله: وَأَدْبارَ السُّجُودِ قال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وأبو هريرة والحسن والشعبي وإبراهيم، ومجاهد والأوزاعي: هي الركعتان بعد المغرب

صفحة رقم 168
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية