آيات من القرآن الكريم

وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ

(ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) أي فاطمئنوا وقرّوا عينا، فهذا يوم الخلود الذي لا موت بعده، ولا ظعن ولا رحيل.
ثم زاد فى البشرى فقال:
(لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) أي لهم إجابة لسؤالهم كل ما يشتهون، ثم نزيدهم فوق ما سألوا مما لم تره أعينهم ولم يدر بخلدهم.
ونحو الآية قوله: «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ».
[سورة ق (٥٠) : الآيات ٣٦ الى ٤٥]
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (٤٠)
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (٤٤) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (٤٥)
تفسير المفردات
القرن: الجيل من الناس، بطشا: أي قوة، فنقبوا فى البلاد: أي ساروا فيها يبتغون الأرزاق والمكاسب، ويقال لمن طوّف فى الأرض نقّب فيها، قال امرؤ القيس:

صفحة رقم 167

محيص: أي مهرب، لذكرى: أي لعبرة، قلب: أي لبّ يعى به، أو ألقى السمع:
أي أصغى إلى ما يتلى عليه من الوحى، شهيد: أي حاضر فهو من الشهود بمعنى الحضور، والمراد به الفطن، إذ غيره كأنه غائب، لغوب: أي تعب، سبح بحمد ربك: أي نزهه عن كل نقص، أدبار السجود: أي أعقاب الصلوات، واحدها دبر (بضم فسكون وبضمتين) واستمع أي لما أخبرك به من أهوال يوم القيامة، يوم ينادى المنادى:
أي يخرجون من القبور يوم ينادى المنادى، من مكان قريب: أي بحيث لا يخفى الصوت على أحد،
والمنادى هو جبريل عليه السلام، على ما ورد فى الآثار، يقول: أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، واللحوم المتمزّقة، والشعور المتفرقة، إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء.
والصيحة: النفخة الثانية. بالحق: أي بالبعث والجزاء، يوم الخروج: أي من القبور، تشقق: أي تتصدع، بجبار: أي بمسيطر ومسلط، إنما أنت داع ومنذر.
المعنى الجملي
بعد أن أنذرهم بما بين أيديهم من اليوم العظيم والعذاب الأليم- أنذرهم بما يعجل لهم فى الدنيا من ضروب العذاب، سنة الله فيمن تقدمهم من المكذبين قبلهم ممن ساروا فى البلاد طولا وعرضا وكانوا ذوى قوة وأيد، ولم يغن ذلك عنهم من الله شيئا، ووسط بين ذلك ذكر المتقين وما يلاقونه من النعيم، ليكون أمرهم بين الخوف والطمع، ومن ثم ذكر حال الكفور المعاند، وحال الشكور العابد، ثم ذكر أن هذا عظة وذكرى لكل ذى لبّ واع سميع لما يلقى إليه، ثم أعاد الدليل مرة أخرى على إمكان البعث، فأبان أنه قد خلق السموات والأرض فى ستة أطوار مختلفة وما أصابه تعب ولا لغوب كما قال: «أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ؟» ثم أمره بالصبر على ما يقولون، وتنزيه الله عن كلّ نقص آناء الليل وأطراف النهار، فها هو ذا قد اقترب يوم البعث والنشور، وسمع صوت الداعي لذلك بعد النفخ فى الصور، وتشققت الأرض سراعا وخرج الناس من

صفحة رقم 168

القبور، وما ذلك بالصعب على رب العالمين، خالق السموات والأرضين، وإنا لنعلم ما يقول المشركون فى البعث والنشور، فدعهم فى غيّهم يعمهون، فما أنت عليهم بجبار تلزمهم الإيمان بهذا اليوم، وما فيه من هول، إن أنت إلا نذير، ولا يؤمن بك إلا من يخاف عقابى، وشديد وعيدي، ولا تنفع العظة إلا ذوى الأحلام الراجحة، والقلوب الواعية.
الإيضاح
(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ؟) أي وكثير من الأمم التي قبلك أهلكناهم وكانوا أشد من قومك بطشا، وأكثر منهم قوة، كعاد وثمود وتبّع، فتقلبوا فى البلاد وسلكوا كل طريق ابتغاء للرزق، ولم يجدوا لهم من أمر الله مهربا ولا ملجأ حين حمّ القضاء، وهكذا حالكم، فحذار أن يصيبكم مثل ما أصابهم من العذاب العاجل فى الدنيا، والآجل يوم القيامة.
وبعد أن ذكر فى هذه السورة وما قبلها بارع الحكم ونفائس المعارف الإلهية جملة وتفصيلا، فمن أدب للأمة مع نبيها، إلى أدب للأمة بعضها مع بعض، إلى حفظ للسلام بين الناس والصلح بينهم، وصيانة اللسان من الهزؤ والسخرية والهمز واللمز، ثم إلى النظر فى ملكوت السموات والأرض، وبذا يحل التواصل محل التقاطع، ويتعلم الجهال، ويجتمع الشمل، ويخيم الأمن فى ربوع البلاد، أبان أن تلك الزواجر لا ينتفع بها إلا ذوو الألباب فقال:
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) أي إن فيما تقدم لتذكرة وعبرة لمن كان له قلب واع يتدبر به الحقائق، ويعى ما يقال له.
ثم أعقب ذلك بذكر ما هو كالدليل على ما سلف فقال:
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) أي قسما بربك إنا خلقنا السموات والأرض وملأناهما بالعجائب فى ستة أطوار مختلفة

صفحة رقم 169

وما مسنا تعب ولا إعياء، ولا تزال عجائبنا تترى كل يوم، فانظروا إليها، وناملوا فى محاسنها، فهى لا تحصى، ولا يبلغها الاستقصاء، وكذّبوا اليهود الذين قالوا: إن الله خلق السموات والأرض فى ستة أيام أوّلها الأحد وآخرها الجمعة واستراح يوم السبت واستلقى على العرش، فنحن لا يمسنا لغوب ولا إعياء.
ونحو الآية قوله: «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى، بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
(فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) أي فاصبر على ما يقوله المشركون فى شأن البعث من الأباطيل التي لا مستند لها إلا الاستبعاد، فإن من خلق الخلق فى تلك المدة اليسيرة بلا إعياء- قادر على بعثهم وجزائهم على ما قدموا من الحسنات والسيئات.
(وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ، وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) أي ونزه ربك عن العجز عن كل ممكن كالبعث ونحوه، حامدا له أنعمه عليك، وقت الفجر ووقت العصر وبعض الليل، وفى أعقاب الصلوات.
وقال ابن عباس: الصلاة قبل طلوع الشمس صلاة الفجر، وقبل الغروب الظهر والعصر، ومن الليل العشاءان، وأدبار السجود النوافل بعد الفرائض.
روى البخاري عن ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يسبح فى أدبار الصلوات كلها، يعنى قوله: «وَأَدْبارَ السُّجُودِ»
وفى حديث مسلم تحديد التسبيح بثلاث وثلاثين، والتحميد بثلاث وثلاثين، والتكبير بثلاث وثلاثين، وتمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شىء قدير، دبر كل صلاة.
(وَاسْتَمِعْ) أيها الرسول لما أخبرك به من أهوال يوم القيامة، وفى إبهام أمره، تعظيم لشأنه.
ثم بين ذلك الخبر وزمانه بقوله:
(يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) أي يوم ينادى المنادى من موضع قريب

صفحة رقم 170

فيصل نداؤه إلى كل الخلائق على السوية، ويقول: هلموا إلى الحساب، فيخرجون من قبورهم ويقبلون. كأنهم جراد منتشر.
ثم زاد الأمر تفصيلا فقال:
(يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ) أي يوم يسمعون النفخة الثانية منذرة بالبعث والجزاء على ما قدموا من الأعمال.
ثم ذكر ما يقال لهم حينئذ فقال:
(ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) أي هذا اليوم هو يوم الخروج من القبور.
ثم لخص ما تقدم من أول السورة إلى هنا فقال:
(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ) أي إنا نحن نحيى فى الدنيا ونميت فيها حين انقضاء الآجال، وإلينا الرجوع للحساب والجزاء فى الآخرة.
(يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) أي إلينا المصير فى ذلك اليوم الذي تتصدع فيه الأرض فتخرج الموتى من صدوعها مسرعة، وذلك جمع هين علينا، لا عسر فيه ولا مشقة.
ثم سلى رسوله وهدد المشركين بقوله:
(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) أي نحن أعلم بما يقولون من فريتهم على ربهم وتكذيبهم بآياته، وإنكارهم قدرته على البعث بعد الموت.
(وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) أي وما أنت بمسلّط عليهم تقسرهم على الإيمان وتسيرهم على ما تهوى وتريد، إنما أنت نذير، وما عليك إلا التبليغ وعلينا الحساب.
ثم أكد أنه مذكّر لا مسيطر وأن التذكير لا ينفع إلا من خشى ربه فقال:
(فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) أي فذكر أيها الرسول بهذا القرآن الذي أنزلته عليك من يخاف وعيدي الذي أوعدته من عصانى وخالف أمرى، أي بلغ رسالة ربك، وما يتذكر بها إلا من يخاف وعيد الله وشديد عذابه.

صفحة رقم 171

ونحو الآية قوله: «فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ» وقوله:
«لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ. وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ».
وكان قتادة يقول: اللهم اجعلنا ممن يخاف وعيدك، ويرجو موعودك، يا برّ يا رحيم.
موجز لما تضمنته السورة الكريمة من الموضوعات
(١) إنكار المشركين للنبوة والبعث.
(٢) الحث على النظر فى السماء وزينتها وبهجة بنائها، وفى الأرض وجبالها الشامخات، وزروعها النضرات، وأمطارها الثجّاجات.
(٣) العبرة بالدول الهالكات كعاد وثمود وأصحاب الأيكة وقوم تبّع وما استحقوا من وعيد وعذاب.
(٤) تقريع الإنسان على أعماله، وأنه مسئول عن دخائل نفسه، فى مجلس أنسه، وعند إخوته، وفى خلوته، وأنه محوط بالكرام الكاتبين، يحصون أعماله، ويرقبون أحواله حتى إذا جاءت سكرته، وحانت منيته، حوسب على كل قول وكل عمل، وشهدت عليه الشهود وكشفت له الحجب.
(٥) إنه ما خلق السموات والأرض وما بينهما باطلا.
(٦) إن القرآن عظة وذكرى لمن كان له قلب واع يستمع ما يلقى إليه.
(٧) تسلية رسوله على ما يقول المشركون من إنكار البعث وتهديدهم على ذلك (٨) أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالتسبيح آناء الليل وأطراف النهار.
(٩) أمر الرسول بالتذكير بالقرآن من يخاف وعيد الله ويخشى عقابه.

صفحة رقم 172
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
فقد نقّبت فى الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب