
بالموت وعنده قدح فيه ماء وهو يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول اللهم أعني على سكرات الموت. وجاء في بعض الآثار ما أخرجه ابن سعد عن عروة قال: لما مات الوليد بكت أم سلمة فقالت:
يا عين فابكي للوليد بن الوليد بن المغيرة | كان الوليد أبو الوليد فتى العشيرة |
أعاذل ما يغني الحذار عن الفتى | إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر |
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه | ثمال اليتامى عصمة للأرامل |
قال تعالى «وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ» برة كانت أو فاجرة «مَعَها سائِقٌ» ملك يسوقها إلى الحشر الذي يقف الناس فيه للحساب «وَشَهِيدٌ ٢١» ملك آخر يشهد عليها بما عملت في الدنيا ويقال له «لَقَدْ كُنْتَ» أيها الإنسان في دنياك وبرزخك مدة طويلة «فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا» اليوم العظيم وقد كنت تنكره وتجحده وتكذب رسلنا الذين أنذروكه «فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ» الذي كان على بصرك والرين الذي كان على بصيرتك، وأزحناه عنك الآن لتنظره عيانا، وأمطنا ما كان على سمعك من الثقل لتسمعه جهرا حقيقة وأجلينا الصدأ الذي على قلبك لتعيه يقينا صفحة رقم 262

«فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ٢٢» قوي جدا يرى ما كان محجوبا عنه في الدنيا بسبب غفلتك عن النظر إلى قدرتنا والسماع لأوامرنا والتفكر في مصيرك ومصنوعاتنا «وَقالَ قَرِينُهُ» الملك الموكل به الشهيد عليه الكاتب لأعماله «هذا ما» أي الديوان الذي «لَدَيَّ» عن سجل أعمالك «عَتِيدٌ» مهيأ ظاهر حاضر فينظر فيه فإذا هو والعياذ بالله جامع لكل شيء، وهو الكتاب المنوه به في الآية ١٤ من الإسراء الآتية، فيقول الله حينذاك، وهو أعلم بما فيه قبل إظهاره لأنه مدون في لوحه للسائل وللمشاهد اللذين جاءا به «أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ٢٤ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ» في الدنيا «مُعْتَدٍ» على نفسه وعلى غيره، يمنع خيره، ويوقع شره وضره «مُرِيبٍ ٢٥» شاك في التوحيد وفي هذا اليوم وهو «الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ» من أصنام وغيرها «فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ ٢٦» الكائن في الطبقة السفلى من طبقات النار أعاذنا الله منها «قالَ قَرِينُهُ» شيطانه الذي قيض له السوء المنوه به في الآية ٣٠ من سورة الزخرف في ج ٢ والوارد ذكره في قوله صلّى الله عليه وسلم ما من أحد الا وقد وكل به قرينه من الجن قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني الا بخير هذا وإن بعض المفسرين فسر القرين الأول بالشيطان، وبما أن الجمهور على خلافهم فسرناه بالملك لأن سياق الآية بدل عليه، ويأبى الآخر، فانظر ماذا ترى. ولفظ القرين من النوع المبهم أحد أقسام البديع في الكلام، ولهذا فإنه يفسر بنسبة المقام كما جرينا عليه «رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ» أي ما أجبرته على الطغيان ولا أوقعته فيه، وهذا بعد أن سئل وقال أطغاني الشيطان، فيدافع الشيطان عن نفسه معتذرا ثم يقول «وَلكِنْ كانَ» هو يا رب غارقا «فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ٢٧» عن الحق وسبله، إذ اختار بطوعه ورضاه الضلال على الهدى وأكب على الردى، فيقول الكافر يا رب كذب هو الذي سوّل لي الشر وحسّن لي القبيح فأراد الشيطان أن يكذبه ثانيا فقطع الله. عليه كلامه «قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ» الآن اسكتوا لأني أرسلت إليكم رسلا «وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ٢٨» على ألسنتهم وبالكتب
صفحة رقم 263
التي أنزلتها عليهم، وقد أنذروكم وحذّروكم هول هذا اليوم وبينوا لكم منافع الإيمان ومضار الكفر فلم تفعلوا فلا فائدة من خصامكم الآن وقد قضي الأمر عليكم بالعذاب «ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ» فلا تطمعوا أن أغيره لأنه حق عليكم «وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٢٩» لأني لا أعذب أحدا بغير ذنب، وأنا العلام بما وقع منكم قبلا راجع تفسير الآية ٢٢ من سورة ابراهيم في ج ٢ والآية ٣٠ من سورة المرسلات المارة تقف على مواقف القيامة، واذكر يا محمد لقومك «يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ» إيفاء بوعده لها في سابق علمه وانجازا لقوله: «لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ» الآية ١١٩ من سورة هود في ج ٢ قال ابن عباس فلما سيق أعداء الله إليها لا يلقى فيها فوج إلا ذهب فيها ولا يملأها شيء فتقول مخاطبة ربها عز علاه، ألست قد أقسمت لتملأني؟ قال فيضع قدمه عليها فيقول هل امتلأت، فتقول قط قط أي حسبي حسبي قد اكتفيت. وفيها ثلاث لغات بإسكان الطاء وكسرها وتنوينها، أي قد امتلأت وليس في مزيد وكانت تقول قبل هذا زدني فيزيدها «وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ٣٠» ولا يقال أن النار معنى وان كانت جسما فلا يأتي منها النطق، ولانها ليست صالحة للخطاب لأن الله الذي أنطق كل شيء في الدنيا وأنطق جوارح الإنسان بما صنعت، والحيوان بما اعتدى، والجماد بما وقع منه وعليه، قادر على إنطاق النار وجعلها صالحة للخطاب بإبداع سر من أسراره فيها، وقد خاطبها الله في غير هذا الموضع في الآية ٧٩ من سورة
الأنبياء وخاطب الجبال في الآية ١٠ من سورة سبأ وخاطب النحل في الآية ٦٩ من سورة النحل وخاطب السماء والأرض في الآية ١١ من سورة السجدة في ج ٢ وأمثاله كثير في القرآن العظيم كما نبين كلا في محله ان شاء الله.
مطلب في آيات الصفات وما يجب فيها:
ولنورد ما يتعلق في هذه الآيات من الأحاديث: روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع ربّ العرش، وفي رواية رب العزة، فيها قدمه فينزوي بعضها إلى