آيات من القرآن الكريم

فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ
ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ

ويحتمل: أصحاب مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا... (٨٥) الثناء الحسن في الدنيا؛ حيث ذكرهم في القرآن؛ فيذكرون إلى يوم القيامة، ويثنى عليهم، وفي الآخرة: الجنة ونعيمها.
(وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ).
المحسن: كأنه هو الذي يتقي المعاصي، ويأتي بالخيرات والحسنات جميعًا، يعمل عملين جميعًا.
والتقي: هو الذي يتقي المعاصي والمكاره خاصة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (٨٦)
قَالَ بَعْضُهُمْ: " الجحيم ": هو اسم معظم النار.
وقال غيرهم: هو اسم درك من دركات النار؛ وكذلك " السعير ".
* * *
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ)
الآية ترد على المتقشفة؛ لأنه نهانا ألا نأكل طيبات ما أحل اللَّه لنا، وهم يحرمون ذلك، وقال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) ثم لا فرق بين تحريم ما أحل اللَّه لنا من الطيبات، وتحليل ما حرم الله علينا من الخبائث، ثم يلزمهم أن يحرموا على أنفسهم التناول من الخبز والماء، وهما من أطيب الطيبات؛ ألا ترى أن المرء قد يمل ويسأم من غيرهما من الطيبات إذا كثر ذلك، ولا يمل ألبتَّة من الخبز والماء؛ دل أنهما من أطيب الطيبات، إلا أن يمتنعوا من التناول من غيرهما؛ إيثارًا منهم غيرهم على أنفسهم؛ لما يلحق القوم من المئونة في غيرهما من الطيبات ولا يلحق في الخبز والماء؛ لأنهما موجودان، يجدهما كل أحد ولا يجد غيرهما من الطيبات، إلا من تصل مؤنة عظيمة، فإن كان تركهم التناول منها لهذا الوجه، فإنه لا بأس.

صفحة رقم 575

وبعد: فإن اللَّه - تعالى - جعل الأطعمة والأشربة والفواكه للبشر في الوقت والحال التي تطيب أنفسهم بها وتلذ؛ لأنه لم يحل لهم في أول خروجها من الأرض والنخيل، إنما أحل لهم بعد نضجها وينعها واتخاذها خبزًا، وبلوغها في الطيب نهايته، وجعل للبهائم ذلك في أول ما يخرج، فإذا كان البشر خصوا بذلك لم يجب أن يحرم ذلك، ويبطل ذلك التخصيص والتفضيل، واللَّه أعلم.
فَإِنْ قِيلَ: إنما لم يتناول منها لما يعجز عن شكر اللَّه؛ لذلك يقتصر على ما يُقيم الرمقَ منه.
قيل له: فيجب ألا يتزوج من النساء إلا أدونهن جمالا وأكبرهن سنًّا؛ لأنها تصونه عن الفجور، فإن لم يكن في تزويج العجائز والقبائح وترك الشبان الحسان زهادة، فليس في أكل خبز الشعير وترك المحور والميدة زهادة، ولكن لما خاف أن يدخله الرغبة في طيب الطعام في شبهة مكسبه، فواجب عليه ألا يدخل في ذلك المكسب، وينزه نفسه عنه، ويقتصر على القوت الذي لا بد له منه.
وقيل: الآية نزلت في أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - منهم: عمر وعلي وابن مسعود وعثمان ابن مظعون والمقداد وسالم، رضوان اللَّه عليهم أجمعين. وهَؤُلَاءِ حرموا على أنفسهم الطعام والنساء، وهموا أن يقطعوا مذاكيرهم، وأن يلبسوا المسوح ويدخلوا

صفحة رقم 576
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
عدد الأجزاء
1