آيات من القرآن الكريم

إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ

رسول الله صلى الله عليه وسلم: الناس لآدم وحواء، طفّ الصاع لم يملؤوه، إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة إن أكرمكم عند الله أتقاكم» «١». وحديث رواه الإمام أحمد عن عقبة بن عامر قال: «قال رسول الله ﷺ إن أنسابكم هذه ليست بحسبة على أحد. كلّكم بنو آدم. طفّ الصاع لم يملؤوه. ليس لأحد على أحد فضل إلّا بدين وتقوى. وكفى بالرجل أن يكون بذيئا بخيلا فاحشا» «٢». وحديث رواه الإمام أحمد عن أبي ذرّ قال «قال النبيّ ﷺ لرجل انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى الله» «٣».
ومن الجدير بالتذكير في هذا السياق آيات في سورة (المؤمنون) تحتوي التلقين الذي احتوته الأحاديث الشريفة وهي فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣).
[سورة الحجرات (٤٩) : الآيات ١٤ الى ١٨]
قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨)
. (١) لا يلتكم: لا ينقصكم.

(١) النصوص من ابن كثير.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) المصدر نفسه.

صفحة رقم 524

تعليق على الآية قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا والآيات الثلاث التالية لها وما فيها من صور وأحكام وتلقين
عبارة الآيات واضحة، وقد روى المفسرون «١» أنها نزلت في مناسبة قدوم جماعة من أعراب بني أسد إلى المدينة في سنة جدب وإظهارهم الإسلام ومطالبتهم من النبي ﷺ أن يعطيهم من الصدقات ومنّهم عليه بدخولهم في الإسلام ومتابعتهم له عن طواعية في حين أن القبائل الأخرى عالنته العداء وحاربته.
وروح الآيات ومضمونها متسقان مع الرواية إجمالا كما هو واضح. وقد احتوت:
أولا: صورة من صور الأعراب ومدى تأثرهم بالإسلام لأول عهدهم به واتخاذهم التظاهر به وسيلة للغنم ومنّهم بما يتظاهرون به على النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ردت عليهم الآيات ردّا قويّا لاذعا وآذنتهم أن الله يعلم سرائرهم وأن الإسلام والإيمان هما لنجاتهم وأن الله الذي هداهم هو الأولى بأن يمنّ عليهم بهما.
وثانيا: تسامح الله تعالى مع مثل هؤلاء وقبول الظاهر منهم مع ذلك إذا اقترن بطاعة الله ورسوله. وتطمينهم بأن الله عز وجل في مثل هذه الحالة يجزيهم على أعمالهم دون نقص برغم علمه أن الإيمان لم يتمكن في قلوبهم وأن كل ما كان من أمرهم إعلان إسلامهم.
وثالثا: وصفا قويا رائعا وحاسما للمؤمن المخلص فيه معنى الحثّ على الاتصاف به.
ورابعا: فرقا بين معنى الإيمان ومداه ومعنى الإسلام ومداه بكون الأول لا يحتمل ترددا ولا ارتيابا ولا أمل منفعة مادية دنيوية ولا قصدا لها. ويجعل
(١) انظر الطبري والطبرسي والبغوي وابن كثير والخازن.

صفحة رقم 525

المتحقق به يقدم على الجهاد في سبيل الله بماله ونفسه وتحمل التضحيات والمشقات برضاء نفس وطمأنينة قلب. وبكون الثاني هو إظهار الانقياد للدعوة وواجباتها رغبة أو رهبة دون أن يتمكن الإيمان في قلب من يعلن إسلامه. وهذه صفة الأعراب الذين حكت الآيات قصتهم وتعبير الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ينطوي في الوقت نفسه على تنويه بالذين تمكن الإيمان في قلوبهم من أصحاب رسول الله ﷺ ووصف لهم.
ولقد كان تعبير (الإسلام) يأتي بمعنى إسلام النفس لله عز وجل وخضوع المرء وانقياده له وبالتالي بمعنى الإخلاص لله في حين أن الآيات لم تعتبر قول الأعراب أَسْلَمْنا دليلا على إخلاصهم وصحة إيمانهم. حيث يبدو من ذلك طور من أطوار استعمال هذه الكلمة في القرآن. ولقد صارت الكلمة عنوانا على الدين الذي جاء به محمد ﷺ على ما جاء في الآية الثالثة من سورة المائدة وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً. فجملة وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا في الآية الأولى من الآيات التي نحن في صددها من مدى ذلك بمعنى (قولوا اتخذنا الإسلام دينا) والله أعلم.
ولقد نبّه بعض المفسرين «١» إلى أن الآيات لا تتضمن وصف الأعراب الذين حكت أقوالهم بالنفاق. وهذا صحيح. ويستتبع هذا أن الله إنما وسع لهم رحمته وحكمته لأنهم كانوا يظنون أنهم بإظهارهم الإسلام قد فعلوا ما عليهم. وأن الآيات هي بسبيل إعلامهم حقيقة أمرهم وحقيقة الإيمان الصحيح والمتصفين به للتأديب والتنبيه والحثّ في مناسبة ما روي عنهم من منّ وتبجّح. وقد يكون هذا حال معظم الذين أسلموا من جماهير العرب الذين كانت أكثريتهم من القبائل. بل قد يكون هذا حال جماهير المسلمين في كل وقت. وهذا مؤيد في تقسيم القرآن للمؤمنين بالله فريق وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [١٠] وفَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ [٨] كما جاء في سورة الواقعة. وقد جعل لكل منهما ثوابه الأخروي بحسب ذلك على

(١) انظر تفسير ابن كثير. [.....]

صفحة رقم 526

ما جاء في نفس السورة. وجاء في وصف السابقين ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) وفي وصف أصحاب الميمنة ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠). وعلى ضوء هذا قد يصح أن يقال والله أعلم إن في الآيات خطة شرعية سياسية مستمرة المدى. وهي قبول ظواهر الناس وتوسيع الدولة الإسلامية صدرها لمن يعلن إسلامه ويظهر انقياده وطاعته ويقوم بما يترتب عليه من واجبات نحو الله والدولة والناس، واعتباره من رعاياها المسلمين بقطع النظر عما إذا كان مؤمن القلب أم لا. لأن ذلك مغيب عن غير الله عز وجل. وليس من شأن الدولة والناس أن يشقوا عن قلوب أمثاله ليتبينوا صدق إيمانه على حدّ تعبير رسول الله ﷺ في الحديث المروي عنه في سياق آية النساء هذه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا... [٩٤] حيث قال لمن قتل القائل حينما قال له إنه كان كاذبا في قوله «هلا شققت عن قلبه» «١» على ما شرحناه في سياق تفسير هذه الآية.
ويحسن أن ننبه على أمر هام في هذا الصدد وهو أن من الأعراب الذين كان النبي ﷺ يقبل منهم ظواهرهم الإسلامية بناء على تلقينات القرآن من صار مخلصا في إيمانه وعمله على ما سجلته آية سورة التوبة هذه وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩). وقد جاءت هذه الآية بعد آيتين ذكر فيهما حالة الأعراب بصورة عامة الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٩٧) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [التوبة: ٩٧- ٩٨]. حيث تبدو خلال ذلك روعة الحكمة القرآنية فيما

(١) انظر تفسير الخازن وابن كثير.

صفحة رقم 527

رسمته من خطة مثلى. وحيث يبدو أن ما جاء في الآية التي نحن في صددها هو بسبيل تسجيل الواقع حين نزولها.
هذا، ومع ما يبدو من كون الآيات فصلا مستقلا احتوى موضوعا خاصا فإن ما فيها من النهي عن المنّ بالإسلام وما ينطوي عليه من نهي عن زهو المرء بما ليس فيه في غير حقّ ومحل. ومن تقرير لصفة المؤمن الصادق وإخلاصه يجعل بينها وبين الفصول السابقة من السورة التي احتوت فصولا تأديبية متنوعة ومتساوقة صلة ما. لأن فيها معنى من معاني التعليم والتأديب والتهذيب الخلقي والنفسي للمسلمين عامة في كل وقت مثلها. وإذا كانت نزلت لحدتها وفي ظرف غير ظرف نزول فصول السورة فالراجح أن هذه الصلة هي سبب وضعها في ترتيبها. والله أعلم. ومن المحتمل مع ذلك أن يكون الحادث الذي نزلت في مناسبته سابقا لنزول السورة فاقتضت حكمة التنزيل أن يشار إليه في فصل من فصول السورة التأديبية والتعليمية. وإذا صحّ هذا الاحتمال فيكون هذا الفصل أيضا قد نزل مع الفصول السابقة التي يمكن أن تكون نزلت دفعة واحدة أو متتابعة، والله تعالى أعلم.

صفحة رقم 528
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية