آيات من القرآن الكريم

إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ

يا أيها الناس: الله خلقكم من تراب وماء وكنتم من ذكر وأنثى، فالأصل واحد والخالق واحد ففيم تتفاضلون؟ وبأى شيء تفتخرون؟
وهذه هي الديمقراطية الصحيحة، وهكذا تحطيم الفروق والطبقات، أما الديمقراطية الكاذبة التي ما زالت تفرق بين الأجناس والألوان كما نرى في أمريكا الآن وجنوب أفريقيا فشيء لا يقره الدين الإسلامى الذي أصبح- وللأسف- مضغة في أفواه جنود أمريكا وأعوانها من مبشرين وملاحدة.
الله خلقكم من آدم وحواء ليس غير، وجعلكم شعوبا وقبائل، وميزكم أشكالا وأجناسا ليكون ذلك أدعى إلى التعارف، ففي التنويع تقريب للضبط وعون على المعرفة، فكيف انقلب هذا وأصبح مدعاة للمفاخرة الكاذبة، ووسيلة للتدابر والتناكر والتقاطع؟
وإذا كان لا بد من أن يفضل بعضكم بعضا فاعلموا أن التسابق يجب أن يكون بالأعمال الشخصية، وليس هناك أفضل من تقوى الله عملا، فبذلك فليفرح المؤمنون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ولا فضل لعربي على أعجمى إلا بالتقوى، والتقوى أمر عام جماعها الخوف من الله والعمل على ما يرضيه، وهذا باب واسع يشمل خيرى الدنيا والآخرة، فليست التقوى محصورة في أضيق حدودها، بل هي جماع كل خير، وأساس كل فضل، والله- سبحانه- هو العليم بها، والخبير بعباده، وسيجازى كلا على عمله الظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم.
الإيمان الصحيح [سورة الحجرات (٤٩) : الآيات ١٤ الى ١٨]
قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨)

صفحة رقم 511

المفردات:
آمَنَّا الأمن: طمأنينة النفس وزوال الخوف، وقد أخذ منه الإيمان وهو التصديق والإذعان بالحق مع الأمن، والإسلام والاستسلام والانقياد الظاهري وترك التمرد والعناد، وقد يكون معه إخلاص وقد لا يكون، وفي عرف الشرع استعملهما مترادفين تارة، أى: بمعنى واحد ومختلفين مرة أخرى كما في هذه الآية، وكما في حديث جبريل حين سأل النبي عن الإيمان
فقال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالبعث بعد الموت وبالحساب وبالقدر خيره وشرّه»
ولما سأله عن الإسلام
قال: «أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصّلاة وتؤدّى الزّكاة وتصوم رمضان».
لا يَلِتْكُمْ لاته يليته عن كذا: صرفه عنه، ونقصه حقه، ولا يلتكم من أعمالكم أى ينقصكم من أعمالكم شيئا. يَرْتابُوا رابه: أوقعه في الشك والتهمة، وارتاب: وقع في الشك، ومنه قيل: ريب المنون للشك فيه من جهة وقته.
يَمُنُّونَ المن: تعداد النعم اعتدادا بها وإظهارا لفضل صاحبها، وأصله من المن:
وهو القطع، كأن المان قطع نظره عن الجزاء أو قطع حاجة المنعم عليه.

صفحة رقم 512

روى أن هذه الآية نزلت في بنى أسد بن خزيمة كانوا يقيمون في جوار المدينة فأصابهم سنة مجدبة فقدموا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وأظهروا الإسلام، وصاروا يقولون للنبي صلّى الله عليه وسلم: جئناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما تقاتلك بنو فلان ويقولون: آمنا فاستحققنا الكرامة، وهم يريدون بذلك أعراض الدنيا، وكانوا يمنون على النبي بإسلامهم ويستجدون به
، وعلى ذلك فليس المراد كل الأعراب بل هم قوم مخصوصون منهم.
المعنى:
قالت الأعراب- وهم بنو أسد وإن كان اللفظ يتناول كل من أراد بدينه وإسلامه وتقواه عرضا من أعراض الدنيا- قالت الأعراب: آمنا بالله ورسوله، وهم في الواقع لم يؤمنوا إيمانا كاملا خالصا لوجه الله، ولذا يقول الله: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وهذا تكذيب لهم في دعواهم الإيمان، فإن الإيمان تصديق وإذعان، وامتلاء القلب بنور اليقين، وأولئك قوم ألجأتهم ظروفهم إلى ادعاء ذلك، ولذا يقول الله ما معناه: ما كان يصح أن تقولوا: آمنا. ولكن قولوا: أسلمنا وانقدنا ظاهريا فقط للنجو من القتل والأسر وننعم بالفيء عند المسلمين، فلا تكذبوا على علام الغيوب فإنه يعلم السر وأخفى.
ثم عاد القرآن فجبر خاطرهم ونفى عنهم الإيمان مع ترقب حصوله لهم فقال: ولما يدخل الإيمان قلوبكم، أى: إلى الآن لم يدخل، ولكنه سيدخل فيها إن شاء الله وهذا تشجيع لهم على العمل والدخول حقّا في صفوف المؤمنين فقال: وإن تطيعوا الله ورسوله لا ينقصكم من أعمالكم شيئا بل يوفيكم جزاءها كاملا غير منقوص فهيا اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، إن الله غفور للمؤمنين رحيم بهم.
وبعد هذا ألسنا في حاجة إلى بيان الإيمان حقا، وإلى تعرف المؤمنين وصفاتهم حتى نكون على بينة من أمرهم؟ نعم يقول الله شارحا الإيمان ومبينا صفات المؤمنين: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ... (الآية). وقد ذكر الله صفات لهم عدة في هذه الآية وفي غيرها..
١- المؤمنون هم الذين آمنوا بالله على أنه واهب الوجود، والقادر على كل موجود، والعالم بالسر وأخفى، والمحيط بخفايا النفوس والعليم بذات الصدور، وهو

صفحة رقم 513

صاحب الفضل، وصاحب الطول، ولا حول لأحد عنده ولا قوة، إليه يرجع الأمر كله وكل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون.
٢- وآمنوا برسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم على أنه خاتم الرسل وإمامهم، وأنه المبلغ عن ربه كل شيء، وأنه عبد الله ورسوله إلى الناس جميعا، وأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى علمه شديد القوى.
٣- ثم لم يرتابوا في شيء بل كان إيمانهم عن عقيدة ثابتة، ويقين كامل لا تزعزعه العواصف، ولا تدفعه الرياح، آمنوا بالله ورسوله لأنه حق وواجب بقطع النظر عن أى شيء آخر لم يكن إيمانهم لغرض، فإن أعطوا منه رضوا، وإن لم يعطوا منه إذا هم يسخطون، ومن هنا كان نفى الريب والشك درجة عليا تناسب ذكر (ثم) معه.
٤- الجهاد في سبيل الله بالأموال والأنفس محك الإيمان ودليله، وعنوانه وأساسه، فليس الإيمان دعوى تردد باللسان، ولا خداع بالكلام، وإنما هو جهاد للنفس وللعدو ولأعداء الإسلام، ودعوته جهاد في سبيل الله فقط ولإعلاء كلمة الله فقط لا لدنيا يصيبها أو لغرض يحققه، ولقد سئل صلّى الله عليه وسلّم عن الرجل يقاتل شجاعة. ويقاتل حمية، ويقاتل رياء: أى ذلك في سبيل الله؟
فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»
ومعنى كون كلمة الله هي العليا أن يكون الناس أحرارا في أن يدينوا بدين الله وأن يدعوا إلى سبيل الله، لا يمنعهم من ذلك مانع.
أولئك الموصوفون بما ذكرهم الصادقون في إيمانهم ودعواهم لا هؤلاء الأعراب من بنى أسد.
روى أنه لما نزلت تلك الآية التي تقضى بتكذيبهم جاءوا وحلفوا أنهم مؤمنون وصادقون فنزلت هذه الآية أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ
لتكذيبهم وتسفيه عقولهم إذ هم يخاطبون الرسول الذي يستقى علمه من علام الغيوب العليم بذات الصدور فكيف تنطلى الأكاذيب عليه، وهو يعلم كل ما في السموات، وما في الأرض، وهو بكل شيء عليم.
يمنون عليك أيها الرسول أن أسلموا، سمى الله ما أظهروه إسلاما، ونفى أن يكون إيمانا كما زعموا، قل لهم يا محمد: لا تمنوا على إسلامكم، وفي إضافة الإسلام لهم معنى

صفحة رقم 514

دقيق، أى: الذي تظهرونه ينبغي ألا يسمى إسلاما إلا عندكم فقط إذ هو استسلام منشؤه الرهبة والخوف لا التصديق الخالص، بل الله يمن عليكم أن دلكم على الإيمان الصحيح وأرشدكم إليه، وإن كنتم لم تنتفعوا بالإرشاد، ولم تصلوا إلى المراد، فالهداية هنا بمعنى الدلالة فقط وصلت أم لم تصل، إن كنتم صادقين فاعترفوا بذلك كله فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
تلك أحكام اللطيف الخبير، وإرشادات العليم البصير الذي يعلم غيب السموات والأرض وهو بصير بما تعملون، وسيجازيكم عليه، وهذا ختام للسورة رائع.

صفحة رقم 515
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية