
قوله: ﴿وأقسطوا إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين﴾.
[أي: أعدلوا في حكمكم بينهم إن الله يحب المقسطين] العادلين في أحكامهم.
يقال قسط الرجل: إذا جار، وأقسط إذا عدل.
قال: ﴿إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ﴾.
أي: إنما المؤمنون إخوة في الدين فأصْلِحوا بينهم إذا اقتتِلوا بأن تحملهم على حكم كتاب الله تعالى.
﴿ واتقوا الله﴾ أي: وخافوه في حكمكم فلا تحيفوا.
﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ أي: افعلوا ذلك ليرحمكم ربكم.
قال: ﴿يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عسى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ﴾.
أي: لا يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين لعل (المستهزئ منه خير من الهازئ)، وكذلك النساء.
" وقوم " في كلام العرب يقع للمذكرين خاصة، ويجوز أن يكون فيهم نساء على المجاز.

وقال بعض أهل اللغة: إنما قيل لجماعة المذكرين قوم لأنه أريد جمع قائم فهذا أصله ثم استعمل في كل جماعة وإن لم يكونوا قائمين.
فقوم عنده جمع قائم " كَزائِرٍ وزُوَر، وصَائِم وصَوْم، ونَائِم ونَوم ".
وقيل: سميت الجماعة قوماً لأنهم يقومون مع داعيهم في النوائب والشدائد ومثل ذلك قولهم لقوم الرجل نفره، فهو جمع نافِر؛ لأنهم ينفرون معه إذا استنفرهم، قال مجاهد: لا يسخر قوم من قوم هو سخرية الغني بالفقير لفقره، ولعل الفقير أفضل عند الله من الغني.
وقال ابن زيد: معناه لا يسخر من ستر الله على ذنوبه ممن (كشف الله سبحانه) في الدنيا ستره، لعل ما أظهر الله تعالى على هذا في الدنيا خير له في الآخرة من أن يسترها عليه في الدنيا، فلست أيها الهازئ على يقين أنك أفضل منه بستر الله تعالى عليك في الدنيا هذا معنى قوله.

ويروى أن هذه الآية نزلت في عكرمة بن أبي جهل بن هشام قدم المدينة مسلماً فكان يمر بالمؤمنين فيقولون: هذا ابن فرعون هذه الأمة، فشكا ذلك إلى النبي ﷺ فنهاهم أن يقولوا ذلك /، ونزلت الآية عامة فيه وفي غيره.
ثم قال: ﴿وَلاَ تلمزوا أَنفُسَكُمْ﴾ / أي: لا يطعن بعضكم على بعض.
وقال: أنفسكم لأن المؤمنين كرجل واحد.
قال النبي ﷺ: " إنما المؤمنون كالجسد الواحد غذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالحمى والسهر ".
يقال: " لَمَزهُ يَلْمِزُهُ وَيَلْمِزُهُ لُمزاً إِذَا عَابَهُ وَتَنَقَّمَهُ ".
قال علي بن سليمان: اللمز الطعن على الإنسان بالحضرة، والهمز في الغيبة.
قال المبرد: اللمز يكون باللسان، والعين (تعيبه وتجدد) إليه النظر وتشير إليه بالاستنقاص، والهمز لا يكون إلا باللسان في الحضرة والغيبة وأكثر ما يكون في

الغيبة، وقال النبز: اللقب الثابت، والمنابزة: الإشاعة والإذاعة.
قال الطبري: النبز واللقب واحد.
قال الضحاك: نزلت هذه الآية في بني سلمة قدم النبي ﷺ المدينة وما منهم رجل إلا وله إسمان وثلاثة، فكان إذا دعي الرجل بالاسم قالوا إنه يغضب من هذا، فنزلت ﴿وَلاَ تَنَابَزُواْ بالألقاب﴾.
وقيل معناه: قول الرجل للرجل يا فاسق يا زاني، يا كافر يا منافق قاله عكرمة ومجاهد وقتادة وابن زيد.