سبحانه-.
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ يعنى بالحديبية هذه الجملة متصلة بقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ الاية تأكيد لها وما بينهما معترضات وبهذه الاية سميت البيعة بيعة الرضوان والغرض من هذه الاية مدح المؤمنين والثناء عليهم ومما سبق- حثهم على إيفاء ما بايعوا عليه وفى الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال كنا يوم الحديبية الفا واربعمائة فقال لنا رسول الله ﷺ أنتم خير اهل الأرض- وروى مسلم عن امر بشر مرفوعا ولا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة- فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ من الصدق والوفاء فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ يعنى القى عليهم الطمأنينة بالحضور عند ذكر الله تعالى والرضا بما امر الله تعالى فوق الرضا بما تشتهيه نفوسهم وَأَثابَهُمْ فَتْحاً يعنى فتح خيبر قَرِيباً قيل اقام النبي ﷺ بالمدينة بعد الرجوع من الحديبية عشر ليال كذا عند ابن عاند عن ابن عباس وعند سليمان التيمي خمسة عشر وذكر ابن عقبة عن ابن شهاب اقام بالمدينة عشرين ليلة فى حديث المسور ومروان عند ابن اسحق انه عليه السلام قدم المدينة فى ذى الحجة فاقام بها حتى سار الى خيبر فى المحرم وكان فتح خيبر فى سفر سنة سبع كذا فى المغازي للواقدى قال الحافظ انه الراجح نقل الحاكم عن الواقدي-.
وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها روى البخاري عن عائشة رض قالت لما فتحت خيبر قلنا الان نشبع من التمر وعن ابن عمر قال ما شبعنا من التمر حتى فتحت خيبر قال الحافظ محمد بن يوسف الصالحي ان خيبر اسم ولاية مشتملة على حصون ومزارع ونخل كثيرة على ثلثة ايام من الحديبية على يسار حاج الشام وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها وهى الفتوح التي يفتح لهم الى يوم القيامة فيه تسلية للمؤمنين انصرافهم من مكة بصلح فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ يعنى فتح خيبر وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ قال البغوي وذلك ان النبي - ﷺ - لما حاصر خيبر همت قبائل من بنى اسد وغطفان ان يغيروا على اعيال المسلمين وذراريهم بالمدينة فكف الله أيديهم بإلقاء الرعب فى قلوبهم وقال ابن اسحق كانت غطفان مظاهرين يهود خيبر على رسول الله - ﷺ - فبلغنى ان غطفان لما سمعوا بمنزل رسول الله ﷺ من خيبر خرجوا ليظاهروا يهود عليه فلما ساروا سمعوا خلفهم فى أموالهم وأهليهم حسا ظنوا ان القوم قد خالفوا إليهم فرجعوا على أعقابهم فاقاموا فى أهليهم وأموالهم وخلوا بين رسول الله - ﷺ - وبين خيبر وروى ابن قانع والبغوي وابو نعيم
فى العرفة عن سعيد بن شتيم عن أبيه رض انه كان فى جيش عيينة بن حصين فى خيل غطفان لما جاء يمر خيبر قال فسمعنا صوتا فى عسكر عيينة ايها الناس أهليكم خولفتم فيه قال فرجعوا لا يتناظرون فلم تر لذلك بنا وما تراه كان الا من قبل السماء وقيل كف الناس عنكم يعنى باهل مكة بالصلح وَلِتَكُونَ عطف على محذوفه لتكف او فجعل او لتاخذوا تقديره لتسلموا او تغنمو لتكون او علة لمحذوف تقديره وفعل ذلك لتكون الكفة او الغنيمة آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ على صدقك فيما وعدتهم من فتح مكة وغير ذلك وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً هو الثقة لفضل الله والتوكل عليه او المعنى يثيتكم على الإسلام ويزيدكم بصيرة ويقينا- قصة غزوة خيبر انه ﷺ استخلف على المدينة سباع بن عرفطة كذا روى احمد وابن خزيمة والحاكم عن ابى هريرة ولما تجهز النبي ﷺ والناس شق على يهود المدينة ولم يبق أحد من يهود المدينة له على أحد من المسلمين حق الا لزمه روى احمد والطبراني عن ابى جدر وانه كان لابى شحم اليهودي عليه خمسة دراهم فلزمه فقال أجلني فانى أرجو ان اقدم عليك فاقضيك حقك قد وعد الله نبيه ان يغنم خيبر فقال ابو شحم أتحسب ان قتال خيبر مثل قتال ما تلقون من الاعراب والتوراة فيها عشرة آلاف مقاتل وترافعا الى رسول الله - ﷺ - فقال عليه السلام أعطه حقه فخرجت فبعث ثوبى بثلاثة دراهم الحديث ولما وصل رسول الله - ﷺ - الى الصهاء وهى ادنى خيبر دعانا لازواد فلم يوت الا السويق فثرى فاكل وأكلنا معه ثم قام الى المغرب فمضمض ثم صلى ولم يتوضأ رواه البخاري والبيهقي قال محمد بن عمر وثم سار النبي ﷺ حتى اتى الى المنزلة التي وهى يسوق لخيبر صارت فى سهم زيد بن ثابت فعرس رسول الله ﷺ بها ساعة من الليل وكانت يهود لا يظنون قبل ذلك ان رسول الله ﷺ يغزوهم لمنعتهم وسلاحهم وعدوهم فلما أحسوا الخروج النبي - ﷺ - كانوا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفا ثم يقولون محمد تغيرونا هيهات هيهات وكان ذلك شانهم- فلما نزل رسول الله ﷺ بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ولم يصح لهم ديك حتى طلعت الشمس فاصبحوا وافئدتهم تحقق وفتحوا حصونهم- وفى الصحيحين سار رسول الله ﷺ الى خيبر فانتهى إليها ليلا وكان عليه السلام إذا طرق قوما لم يغتر عليهم حتى يصبح فاذا سمع اذانا امسك وإذا لم يسمع أغار حتى يصبح فصلنا الصبح عند خيبر بغلس فلم يسمع اذانا فلما أصبح ركب وركب المسلمون وخرج اهل قرية الى مزارعهم بمكاتلهم ومساحيهم فلما رأو رسول الله - ﷺ - قالوا محمد والخميس فادبروا هاربين فقال
صفحة رقم 24
رسول الله ﷺ ورفع يديه الله اكبر خربت خيبر انا إذا أنزلنا بساحة قوم فساع صباح المنذرين وابتدأ باهل نطاة وصف رسول الله - ﷺ - ووعظهم
ونهاهم عن القتال حتى يأذن لهم فعمد رجل من أشجع على يهودى وحمل عليه اليهودي فقتله فقال الناس استشهد فلان فقال رسول الله - ﷺ - بعد ما نهيت من القتال قالوا نعم فامر رسول الله - ﷺ - مناديا فنادى فى الناس لا تحل الجنة لعاص- وروى الطبراني عن جابر ان رسول الله - ﷺ - قال يومئذ لا تتمنوا لقاء العدو واسئلوا الله العافية فانكم لا تدرون ما تبتلون به فاذا لقيتم فقولوا اللهم ربنا وربهم نواصينا ونواصيهم بيدك وانما تقتلهم أنت ثم الزموا الأرض جلوسا فاذا عشوكم فانهضوا وكبروا الحديث- قال ابن اسحق ومحمد بن عمرو بن سعيد فرق رسول الله - ﷺ - الرايات واذن للناس فى قتال وحثهم على الصبر وأول حصن حاصره من النطاة ناعم وقاتل أشد القتال وقاتله اهل نطاة أشد القتال فلما امسى تحول له الى الرجيح فكان رسول الله - ﷺ - يغدوا على راياتهم حتى فتح الله الحصن عليهم روى البيهقي وابو نعيم ومحمد بن عمران المسلمين لما قدموا خيبر قدموا على ثمرة خضراء وهى ديئية وختمة فاكلوا منها فاخذهم الحمى فشكوا الى رسول الله - ﷺ - فقال فرسوا الماء فى الشنان فاذا كان بين الاذانين يعنى من الصبح فاحدروا الماء واذكروا اسم لله فكانما نشطوا من العقل وبعد فتح ناعم حاصر وأحصن الصعب بن معاذ- روى محمد بن عمر عن ابى أيسر كعب بن عمر انهم حاصروه ثلثة ايام وكان حصنا منيعا- روى ابن اسحق عن رجل من اسلم ومحمد بن عمر عن معتب الأسلمي قال أصابتنا معشر اسلم مجاعة حتى قدمنا خيبروا قمنا عشرة ايام على حصن النطاة لا يفتح شيئا فيها طعام فارسلوا اسماء بن حارشة الى رسول الله - ﷺ - فقال ان اسلم يقرأ عليك السلام ويقول انا قد جهدنا من الجوع والضعف فادع الله لنا فقال رسول الله - ﷺ - ما بيدي ما أقوتهم به قد علمت حالهم ثم قال اللهم فافتح عليهم الأعظم حصنا فيها أكثره ودكاو دفع اللواء الى حباب بن المنذر وندب الناس فما رجعنا حتى فتح الله حصن الصعب بن معاذ وما بخيبر حصن اكثر طعاما وودكا منه بزر لحباب يوشع اليهودي فقتله حباب ثم برزله الزيال فبادره عمارة بن عقبة الغفاري فقال الناس بطل جهاده فقال عليه الصلاة والسلام ما بأس به يوجر ويحمد- روى محمد بن عمرو عن جابر انهم وجدوا فى حصن الصعب من الطعام ما يكونوا يظنون من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والودك ونادى منادى رسول الله ﷺ كلوا وامقلوا ولا تحملوا يعنى لا تخرجوا به الى بلادكم- روى البيهقي عن محمد بن عمرو قال لما تحولت اليهود من حصن الناعم وحصن الصعب بن معاذ الى قلة الزبير يعنى حصن
الزبير بن العوام رض الذي صار فى سهمه بعد وهو حصن على راس قلة فاقام محاصرهم ثلثة ايام فجاء اليهودي يدعى غزال فقال يا أبا قاسم توصننى على ان ادلك على ما تستريح به من اهل ونخرج الى الشق فان اهل الشق قد هلكوا رعبا منك فامنه رسول الله - ﷺ - على اهله وماله فقال اليهودي انك لو أقمت شهرا ما بالولهم ذبول تحت الأرض يخرجون بالليل فيشربون منها تم يرجعون الى قلعتهم فيمنعون منك فان قطعت عنهم شربهم اصحروا لك فسار رسول الله - ﷺ - الى ذبولهم فقطعها فلما قطع عليهم مشاربهم خرجوا وقاتلوا أشد القتال وقتل من المسلمين يومئذ نفر وأصيب من اليهود ذلك اليوم عشرة وافتحه رسول الله - ﷺ - وكان هذا آخر صون النطاة فلما فرغ من النطاة تحول الى الشق وأول حصن بدأ به منها حصن على قلعة يقال لها سموان فقاتل عليها اهل الحصن قتالا شديدا خرج رجل من اليهود يقال له غزول فقتله حباب بن المنذر فخرج رجل اخر من يهود فقتله أبوه دجانة وأخذ درعه وسيفه وجاء به الى رسول الله - ﷺ - فنقله رسول الله - ﷺ - ذلك واحجم اليهود عن البراز فكبر المسلمون ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه يقدمهم ابو دجانة فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما فهرب من كان فيه من المقاتلة حتى صاروا الى حصن النزل بالشق وجعل يأتي من بقي من خل النطاة الى حصن النزال فغلقوه وامتنعوا فيه أشد الامتناع وزجف رسول الله - ﷺ - فى أصحابه فقاتلهم وكانوا أشد اهل الشق رميا للمسلمين بالنبل والحجارة
ورسول الله - ﷺ - معهم حتى أصاب النبل ثياب النبي ﷺ وعلقت به فاخذ رسول الله - ﷺ - النبل فجمعها ثم أخذ لهم كفا من حصى فحصب به حصنهم فرجف الحصن بهم ثم ساخ فى الأرض حتى المسلمون فاخذوا اهله أخذا ولما فتح رسول الله - ﷺ - حصون النطاة والشق انهزم من سلم منهم الى حصون الكثيبة وأعظم حصونها القموص وكان حصنا منيعا ذكر ابن ابى عقبة ان رسول الله - ﷺ - حاصره قريبا من عشرين ليلة وكانت أرضا وخمسة روى الشيخان عن سهل بن سعد والبخاري وابو نعيم عن سلمة بن الأكوع وابو نعيم عن عمرو ابن عباس وسعد بن ابى وقاص الخدري وعمران بن حصين وجابر بن عبد الله ومسلم والبيهقي عن ابى هريرة واحمد وابو يعلى والبيهقي عن على وابو نعيم والبيهقي عن بريدة قال بريدة كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يأخذه الشقيقة فيمكث اليوم واليومين ولا يخرج فلما نزل خيبرا أخذته الشقيقة فلم يخرج الى الناس فارسل أبا بكر فاخذ راية رسول الله ﷺ فقاتل قتالا شديدا ثم نهض فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الاول ثم رجع ولم يكن فتح وفى حديث على
ان الغلبة كانت لليهود فى اليومين فاخبر رسول الله ﷺ بذلك فقال لاعطين الراية غدا رجلا يفتح الله عليه ليس بفرار يحب الله ورسوله ويأخذها عنوة وقال بريدة فتباطينا نفسا ان يفتح غدا ويأت الناس ليلتهم أيهم يعطى فلما أصبح غد وأعلى رسول الله - ﷺ - كلهم يرجوا ان يعطيها قال ابو هريرة قال عمر فما أحببت الامارة قط حتى كان يومئذ فلما أصبح رسول الله ﷺ وصلى صلوة الغداة ثم دعا باللواء وقام قائما قال ابن شهاب فوعظ الناس ثم قال اين على رض قالوا تشتكى عينه فارسلوا اليه قال سمة فجئت به أقوده فقال له رسول الله - ﷺ - مالك قال زمدت حتى لا ابصر ما قدامى قال ادن منى وفى حديث على عند الحاكم فوضع راسى فى حجره ثم بزق فى يده فدلك بها عينى قالوا فبرء كان لم يكن به وجع قط فما وجمعهما حتى مضى لسبيله ودعا له وأعطاه الراية قال يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا قال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم الى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليه من حق الله وحق رسوله فو الله لان يهدى الله بك رجلا واحدا خير من ان يكون لك حمر النعم فخرج على حتى ركزها تحت الحصن فاطلع يهودى من راس الحصن فقال من أنت قال على قال اليهودي غلبتم والذي انزل التوراة على موسى فما رجع حتى فتح الله على يديه- روى محمد بن عمرو عن جابر قال أول من خرج من حصون خيبر مبارزا الحارث أخو مرحب فقتله على رضى الله عنه ورجع اصحاب الحارث الى الحصن وبرز عامر وكان رجلا طويلا جسيما فقال النبي - ﷺ - طلع عامرا ترونه خمسة اذرع وهو يدعو الى البراز فخرج اليه على بن ابى طالب فقتله ثم برز ياسر فبرز له على بن ابى طالب فقال له الزبير بن العوام أقسمت عليك الا خطية بينى وبينه ففعل فقالت صفية لما خرج اليه الزبير قلت يا رسول الله يقتل ابني فقال رسول الله - ﷺ - بل ابنك يقتله إنشاء الله تعالى فقتله الزبير فقال عليه السلام فداك عم وقال لكل نبى حوارى وحوارى الزبير وفى حديث سلمة بن الأكوع خرج مرحب يرتجز فقتله على- وروى احمد عن على قال لما قتلت مرحبا جئت برأسه الى رسول الله - ﷺ - - وروى البيهقي ومحمد بن عمرو عن جابر بن عبد الله ان محمد بن مسلمة قتل مرحبا والصحيح ما فى صحيح مسلم ان عليا قاتله وروى ابن اسحق عن ابى رافع مولى رسول الله - ﷺ - قال خرجنا مع على رض حين بعثه رسول الله - ﷺ - فلما دنى من الحصن خرج اليه اهله فقاتلهم فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده فتناول على رض بابا كان عند الحصن فترس به من نفسه فلم يزل بيده وهو يقاتل حتى فتح الله ثم ألقاه من يده حين فرغ فلقد رايتنى فى نفر سبعة إناثا منهم نجهد على ان نقلب ذلك الباب فلم نقليه- وروى البيهقي
من طريقين عن المطلب بن زياد عن ليث بن سليم عن ابى جعفر محمد ابن على عن ابائه قال حدثنى جابر بن عبد الله ان عليا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد عليه المسلمون
فافتتحوها وانه جرب ذلك فلم يحمله أربعون رجل ورجاله ثقات الا ليث بن سليم هو ضعيف قال البيهقي وروى من وجه اخر ضعيف عن جابر قال اجتمع عليه سبعون رجلا وكان جهدهم ان أعاد والباب- وقال الصالحي قال ورواه الحاكم والله اعلم وأصاب من العموص حصن ابى الحقيق سبايا منهم صفية بنت حيى بن اخطب جاء بلال بها وبأخرى معها فمر بهما على قتلى يهود فلما راتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على راسها فلما راها رسول الله - ﷺ - قال اعزبوا هذه الشيطانة وامر بصفية فخرجت خلفه والقى عليها ردائه فعرف المسلمون ان رسول الله - ﷺ - اصطفاها لنفسه وقال رسول الله - ﷺ - لبلال لما راى من تلك اليهودية ما راى انزعت منك الرحمة يا بلال جئت ثمه بامرأتين على قتلى رجالهما وكانت صفية قد رأت فى المنام وهى عروس بكنانة بن الربيع بن ابى الحقيق ان قمر أوقع فى حجرها فعرضت روياها على زوجها فقال يا هذا الا انك تتمنين ملك الحجاز محمدا فلطم وجهها لطمة اخضرت عينها فيها فاتى رسول الله - ﷺ - بها وبها اثر منها فسالها فاخبرته هذا الخبر وفى رواية جاء دحية فقال يا نبى الله أعطيني جارية من السبي فقال اذهب فخذ جارية فاخذ صفية بنت حيى فجاء رجل الى النبي ﷺ فقال يا نبى الله أعطيت دحية بنت حيى سيدة قريضة والنضير لا تصلح الا لك قال ادعوه بها فجاء بها فلما نظر إليها النبي - ﷺ - قال خذ جارية من السبي غيرها قال فاعتقها النبي - ﷺ - وتزوجها حتى إذا كان الطريق جهزها له أم سلمة فاهدتها له من الليل فاصبح النبي - ﷺ - عروسا فقال من كان عنده شىء فليجىء به وبسط نطعا فجعل الرجل يجىء بالتمر وجعل الاخر يجىء بالسمن قال واحسبه قد ذكر السويق فحاسو حيسا وكان وليمة رسول الله - ﷺ - قال ثابت يا أبا حمزة ما أصدقها قال نفسها أعتقها وتزوجها وفى الصحيحين عن عبد الله بن ابى اوفى قال أصابتنا مجاعة ليالى خيبر فلما كان يوم خيبر وقعنا فى الحمر الانسية فاننحرناها فلما غلت القدور نادى منادى رسول الله - ﷺ - ان القوا القدور ولا تأكلوا لحوم الحمر شيئا- وعن ابن عباس قال نهى رسول الله - ﷺ - عن بيع المغانم حتى تقسم وعن الحبالى ان توطأ حتى يضعن ما فى بطونهن قال أتسقي زرع غيرك وعن لحوم الحمر الاهلية وعن لحم كل ذى ناب من السباع رواه الدارقطني روى محمد بن عمر وعدة الحمر التي ذبحوها كانت عشرين او ثلثين- قال ابن اسحق كان رسول الله - ﷺ - يأخذ الأموال مالا مالا ويفتحها حصنا حصنا حتى انتهوا الى الحصنين الوطيح والسلالم وكانا اخر حصون خيبر فتحا فجعل اليهود لا يطلعون من حصنهم حتى هم رسول الله - ﷺ - ان ينصب عليهم المنجنيق حين راى انه لا يبرز منهم أحد ولا أيقنوا بالهلكة وقد حصرهم رسول الله - ﷺ - اربعة عشر يوما سألوا رسول الله ﷺ الصلح وأرسل كنانة بن ابى الحقيق رجلا من اليهود ويقال له شماخ
صفحة رقم 28
فصالح رسول الله - ﷺ - على حقن دماء من فى حصونهم من المقاتلة وترك الذرية لهم ويخرجون من خيبر وارضها بذراريهم ويخلون بين رسول الله - ﷺ - وبين ما كان لهم من مال وارض وعلى الصفراء والبيضاء والكراع والحلقة وعلى التبر الا ثوبا على ظهر انسان فقال رسول الله - ﷺ - برأت ذمة الله وذمة رسوله ان تكتمون شيئا فصالحوه على ذلك فقبضها رسول الله - ﷺ - الاول فالاول وجد من ذينك الحصنين مائة درع واربعمائة سيف وخمسمائة قوس عربية بجعابها ووجد فى الكثيبة خمسمائة قوس بجعابها روى ابن سعد والبيهقي عن ابن عمر وابن سعد عن ابن عباس فذكر الصلح كما ذكرنا ان لا يكتموه شيئا فان فعلوا فلا ذمة لهم قال ابن عباس فاتى بكنانة بن ابى الحقيق لزوج صفية والربيع اخوه وابن عمه قال رسول الله - ﷺ - ما فعل مسك حيى الذي جاء به النضير وكان مسكا مملوا من الحلي قالا أذهبه النفقات
والحروب فقال العهد قريب والمال اكثر من ذلك فقال بهما رسول الله - ﷺ - انكما ان كتمتمانى شيئا فان اطلعت عليه استحللت به دمائكما وذراريكما قال نعم قال عروة ومحمد بن عمر فيما روى البيهقي عنهما فاخبر الله تعالى نبيه بموضع الكنز وقال عليه الصلاة والسلام لكنانة انك مفتر بامر السماء فدعا رجلا من الأنصار وقال اذهب الى فراخ كذا وكذا فانظر نخلة عن يمينك ونخلة عن شمالك فائتى بما فيها فجاء بالآنية والأموال فقومت بعشرة آلاف دينار فضرب أعناقهما وسبى أهلهما بالنكث الذي نكثاه روى البخاري عن ابن عمر والبيهقي عنه وعن عروة وعن موسى بن عقبة ان خيبر لما فتحها رسول الله ﷺ قالوا دعنايا محمد نكون فى هذا الأرض نضلحها ونقوم عليها ولم يكن لرسول الله ﷺ ولا لاصحابه غلمان وكانوا لا يفرغون ان يقوموا عليها فاعطاهم رسول الله - ﷺ - على ان لهم الشطر من كل زرع ونخل وشىء ما بدأ لرسول الله - ﷺ - فى لفظ نقركم على ذلك ما شئنا فى لفظ ما اقركم الله وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كل عام فيخرجها عليهم ثم يقمنهم الشطر فشكوا الى رسول الله - ﷺ - ابن رواحة وأرادوا ان يرشوا ابن رواحة فقال يا اعداء الله أتطمعوني السحت والله لقد جئتكم من عند أحب الناس الى ولانتم ابغض الى من عدتكم من القردة والخنازير ولا يحملنى بغضي إياكم وحبى إياه على ان اعدل عليكم فقالوا بهذا اقامت السموات والأرض فاقاموا بأرضهم على ذلك فلما كان زمن عمر رض غشوا المسلمين والقوا عبد الله بن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه ويقال بل سحروه بالليل وهو نائم على فراشه فكوع حين أصبح كانه فى وثاق وجاء أصحابه فاصلحوا من يديه فقام عمر خطيبا فى الناس فقال ان رسول الله - ﷺ - عامل يهود خيبر على أموالهم وقال نقركم ما اقركم الله وان عبد الله بن عمر خرج الى ماله هناك فعدى عليه من الليل ففدعت يداه وليس لنا هناك عدو غيرهم وهم تهمنا وقد رأيت اجلائهم فمن كان له همّ بخيبر فليحضر حتى يقسمها فلما اجمع على ذلك قال رئيسهم وهو أحد بنى
ابى الحقيق لا تخرجنا دعنا نكون فيها كما أقرنا ابو القاسم وابو بكر فقال عمر رض لرئيسهم أتراه سقط عنه قول رسول الله - ﷺ - كيف بك إذا خرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة فقاتلك هزيلة من ابى القاسم قال كذبت واجلاهم عمر روى الشيخان عن انس واحد وابن سعد وابو نعيم عن ابن عباس وغيرهم عن جابر وابى سعيد وابى هريرة والزهري ان زينب بنت الحارث امرأة لسلام بن مسكم ابنة أخي مرحب أهدت لصفية شاة مسمومة مصلية وقد قالت اى عضو الشاة أحب الى رسول الله - ﷺ - فقيل لها الذراع فاكثرت فيها من السم ثم سمت سائر الشاة فدخل رسول الله ﷺ على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور فقدمت الشاة المصلية فتناول النبي ﷺ الذراع فانتهس منها فلاكها وتناول بشر بن البراء عظما فانتهس منه قال ابن اسحق اما بشر فساغها واما رسول الله - ﷺ - فلفظها وقال ابن شهاب فلما اشترط رسول الله - ﷺ - لقمة اشترط بشر فقال رسول الله - ﷺ - ارفعوا ايديكم فان كتف هذه الشاة تخبرني انى بقيت فيها فقال بشر بن البراء والذي أكرمك لقد وجدت كذلك فى أكلتي فما منعنى ان الفظها الا انى أعظمت ان بفضك طعاما فلها سحت ما فى فيك لم أكن لأرغب بنفسي عن نفسك ورجوت ان لا تكون اشترطها وفيها بغى فلم يقم بشر من مقامه حتى عادلونه كالطيلسان ومات واحتجم رسول الله - ﷺ - كامله يومئذ حجمه ابو هند وبقي رسول الله - ﷺ - حتى كان وجعه الذي توفى فيه فقال مازلت أحد من الاكلة التي أكلت من الشاة المسمومة يوم خيبر حتى كان هذا أوان قطع أبهري فتوفى رسول الله - ﷺ - شهيدا فارسل رسول الله - ﷺ - الى اليهودية أسممت هذه الشاة فقالت من أخبرك قال أخبرتني هذا الذي فى يدى وهى الذراع قالت نعم قال ما حملك على ما صنعت قالت بلغت من قومى ما لم يخفك عليك فقلت ان كان ملكا استرضا منه وان كان
نبيا فسيخبر فتجاوز عنها وروى عبد الرزاق فى مصنفه عن معمر عن الزهري انها أسلمت وتركها رسول الله - ﷺ - وجزم بإسلامها سليمان التيمي ولفظ بعد قولها وان كنت كاذبا أرحت الناس منك وقد استبان بي انك صادق وانا أشهدك ومن حضرك انى على دينك وان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله قال فانصرف رسول الله - ﷺ - عنها حين أسلمت ووقع عند البزاز من حديث ابى سعيد ان رسول الله ﷺ بعد سواله للمرأة اليهودية واعترافها بسط يده الى الشاة وقال لاصحابه كلوا بسم الله قال فاكلنا وذكرنا اسم الله فلم يضر أحدا منا قال الحافظ حماد الدين فيه نكارة وغرابة شديدة وذكر محمد بن عمران رسول الله - ﷺ - امر بلحم الشاة فاحرق وعن جابر ان رسول الله - ﷺ - لما مات بشر بن البراء امر باليهودية فقتلت رواه ابو داود وعن محمد بن عمر بأسانيد له فدفعها الى اولياء بشر بن البراء فقتلوها قال البيهقي يحتمل انه تركها اولا وقال السهيلي تركها لانه كان لا ينتقم لنفسه ثم قتلها ببشر قصاصا قال الحافظ تركها لكونها أسلمت
وانما اخّر قتلها حتى مات بشر لان بموته يتحقق وجوب القصاص- قصة قدوم جعفر- عن ابى موسى الأشعري قال لما بلغنا مخرج النبي - ﷺ - يعنى من مكة ونحن باليمن خرجنا مهاجرين اليه فالقتنا سفينتنا بالحبشة فوافقنا جعفر بن ابى طالب رض فقال جعفر ان رسول الله - ﷺ - بعثنا وأمرنا بالإقامة فاقيموا معنا فاقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا رسول الله - ﷺ - حين فتح خيبر فاسهم لنا وما قسم لاحد غاب عن فتح خيبر شيئا الا لمن شهد معه الا اصحاب سفينتنا ولما قدم جعفر قال رسول الله - ﷺ - والله لا أدرى بايهما افرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ولما نظر جعفر الى رسول الله - ﷺ - خجل وقال رسول الله - ﷺ - لاصحاب جعفر لكم هجرتان وقيل رسول الله - ﷺ - جعفر بين عينة رواه البيهقي قصة قدوم ابى هريرة والادسيين وعن ابى هريرة قدمت المدينة ونحن ثمانون بيتا من دوس ثم جئنا خيبر وقد فتح رسول الله - ﷺ - النطاة وهو محاصر لكثيبة فاقمنا حتى فتح الله علينا فكلم المسلمين فاشركنا فى سهمانهم رواه احمد والبخاري فى التاريخ والحاكم والبيهقي وابن خزيمة والطحاوي- قصة فدك- فلما سمع اهل فدك بما صنع رسول الله - ﷺ - بخيبر بعثوا الى رسول الله - ﷺ - يسألونه الصلح ان يسيرهم ويحقن لهم دفائهم ويخلو الأموال ففعل على انا إذا شئنا أخرجناكم فصالحه اهل فدك على مثل ذلك فكانت خيبر للمسلمين وكانت فداء خالصة لرسول الله ﷺ لانهم لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب فاجلاهم عمر لما اجلى يهود خيبر- قسمة خيبر- ولما كان فتح الوطيع والسلالم بالصلح فكان هذا لنوائب المسلمين واعطفى منه رسول الله - ﷺ - الأشعري بين الدوسيين اصحاب السفينتين وهو المراد من قول موسى بن عقبة ان بعض خيبر كان صلحا وكان مشاورة رسول الله - ﷺ - اهل الحديبية فى اعطائهم ليس استنزالهم عن شىء من حقهم وانما هى المشورة العامة وشاورهم فى الأمر قال ابن اسحق وكانت المقاسم على اموال خيبر على الشق والنطاة والكثيبة وكانت الكثيبة خمس الله سهم النبي - ﷺ - وذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وطعم ازواج النبي - ﷺ - وطعم رجال مشوا بين رسول الله - ﷺ - وبين اهل فدك بالصلح منهم محيصة بن مسعود أعطاه ثلثين وسقا من شعير وثلثين وسقا من تمر وكانت النطاة والشق فى أسهم الغزاة جزاها رسول الله - ﷺ - ثمانية عشر سهما نطاة من ذلك خمسة أسهم والشق ثلثة عشر سهما قسمت على اهل الحديبية من شهد خيبر منهم ومن غاب عنها ولم يغب عنها الا جابر بن عبد الله بن حرام قسم له كسهم من حضر كانوا الفا واربعمائة رجلا ومائتى فرس كان لفرس سهما ولفارسه سهم وكان لكل رجل سهم وكان سهم رسول الله - ﷺ - كسهم أحدهم وكان لكل سهم من سهام خيبر ثمانية عشر راسا جمع الى راس مائة سهم كان على بن
صفحة رقم 31