آيات من القرآن الكريم

إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ

قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (١٢) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (١٣) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (١٤) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (١٥).
ثم ذكر عاقبة المؤمنين من الاتباع لأمره والتصديق لرسله وهو قوله - تعالى -: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)، وبين ما لأُولَئِكَ الذين اختاروا من الكفر به والتكذيب لرسله في العاقبة، حيث قال: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) أي: مأوى لهم بما اختاروا، واللَّه أعلم.
وذلك أن أهل الإيمان والتوحيد نظروا في جميع أحوالهم وأمورهم إلى ما فيه أمر اللَّه - تعالى - وما يعقب لهم نفعًا في العاقبة، لم ينظروا إلى ما فيه قضاء شهواتهم ومناهم؛ بل اختاروا أمر اللَّه على جميع ما ذكرنا، وأُولَئِكَ الكفرة، لم ينظروا إلى ما فيه أمر اللَّه، ولا يوجب لهم في العاقبة من النفع؛ بل اختاروا لشهواتهم ومناهم، وما فيه هواهم على ما فيه أمر اللَّه ونهيه، فجعل للمؤمنين في الآخرة قضاء شهواتهم التي تركوا قضاءها في الدنيا، وكفوا أنفسهم عن مناها مكان ذلك في الجنة والبساتين التي وعد لهم في الآخرة، وجعل لأُولَئِكَ الكفرة في الآخرة مكان ما قضوا في الدنيا من شهواتهم، وإعطاء أنفسهم مناها النار، وما ينقصهم ما أعطوا أنفسهم في الدنيا.
ثم قوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ) يحتمل تشبيه أُولَئِكَ الكفرة بالأنعام في الأكل وجهين:
أحدهما: يخبر أنهم يأكلون، وهمتهم في الأكل ليست إلا الشبع، وامتلاء البطن، وقضاء الشهوة، لا ينظرون إلى ما أمر اللَّه به ونهاهم عنه، كالأنعام التي ذكر همتها ليست في الأكل إلا الشبع، وامتلاء البطن، واقتضاء الشهوة، واللَّه أعلم.
والثاني: يخبر عنهم أنهم لا ينظرون في أكلهم وشربهم إلى عاقبة، ولا إلى وقت ثانٍ؛ بل نظرهم إلى الحال التي هم فيها، كالأنعام التي ذكر أنها تأكل ولا تنظر، ولا تدّخر شيثًا لوقت ثانٍ، ولا تترك شيئًا ما دامت تشتهي، فعلى ذلك أُولَئِكَ الكفرة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (١٣) كانت سنة اللَّه - تعالى - في الذين كانوا من قبل أنه إذا أخرج الرسل - عليهم

صفحة رقم 269
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية