
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ١٠ الى ١٢]
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (١٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (١١) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢)وقوله عز وجل: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ: توقيف لقريش، وتوبيخٌ والَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يريدُ: ثمودَ وقَوْمَ شُعَيْبٍ وغيرهم، والدمار: الإفساد، وهَدْمُ البناء، وإذهابُ العُمْرَانِ، والضميرُ في قوله: أَمْثالُها يَصِحُّ أَنْ يعودَ على العَاقِبَةِ، ويَصِحُّ أَنْ يعود على الفَعْلَةِ التي يتضمَّنها قوله: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.
وقوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا... الآية، المَوْلَى: الناصِرُ المُوَالِي، قال قتادة: نزلَتْ هذه/ الآيةُ يَوْمَ أُحُدٍ «١»، ومنها انتزع النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم رَدَّهُ على أبي سُفْيَانَ حينَ قال: «قُولُوا: اللَّهُ مَوْلاَنَا، وَلاَ مولى لَكُمْ» «٢».
وقوله سبحانه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ أي: أكلاً مجرَّداً عن الفِكْرِ والنظر، وهذا كما تقول: الجاهلُ يعيشُ كما تعيشُ البهيمةُ، والمعنى: يعيشُ عَدِيمَ الفَهْمِ والنَّظَرِ في العَوَاقِبِ.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ١٣ الى ١٥]
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٤) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥)
وقوله سبحانه: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ يعني: مَكَّة الَّتِي أَخْرَجَتْكَ معناه: وَقْتَ الهِجْرَةِ، ويقال: إنَّ هذه الآيةَ نزلت إثر خروج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من مكّة،
(١) ذكره ابن عطية (٥/ ١١٣).
(٢) تقدم.

وقيل غَيْرُ هذا «١».
وقوله سبحانه: أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ... الآية، توقيفٌ وتقريرٌ، وهي معادلةٌ بين هذين الفريقين، واللفظ عامّ لأهل هاتين الصفتين غابر الدّهر، وعَلى بَيِّنَةٍ أي: على يقين وطريق واضحةٍ وعقيدة نَيِّرَةٍ بَيِّنَةٍ.
وقوله سبحانه: مَثَلُ الْجَنَّةِ... الآية، قال النَّضْرُ بن شُمَيْلٍ وغيره مَثَلُ معناه:
صفةٌ كأَنَّهُ قال: صفة الجنة: ما تسمَعُونَ فيها كذا وكذا.
وقوله: فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ معناه: غيرُ مُتَغَيِّرٍ قاله ابن عباس وقتادة «٢»، وسواءٌ أنتن أو لم يُنْتِنْ.
وقوله في اللبن: لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ: نَفْيٌ لجميعِ وجوهِ الفَسَادِ فيه.
وقوله: لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ جمعتْ طِيبَ الطَّعْمِ وَزَوالَ الآفاتِ من الصُّدَاعِ وغيره، وتصفيةُ العَسَلِ مُذْهِبَةٌ لمومه وَضَرَره.
ت: ورُوِّينَا في «كتاب التِّرْمِذِيِّ» عن حَكِيمِ بن مُعَاوِيَةَ عنِ أبيه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنَّ في الجَنَّةِ بَحْرَ المَاءِ، وَبَحْرَ الْعَسَلِ، وَبَحْرَ اللَّبَنِ، وَبَحْرَ الخَمْرِ، ثُمَّ تَشَقَّقُ الأَنْهَارُ بَعْدُ» «٣» قال أبو عيسى: هذا حديث حسنٌ صحيحٌ، انتهى.
وقوله: وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ أي: من هذه الأنواع/ لكنها بعيدة الشبه تلك لا عَيْبَ فيها ولا تَعَبَ.
وقوله: وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ معناه: وتنعيمٌ أعطته المغفرةُ وَسَّبَّبَتْهُ، وإلاَّ فالمغفرة إنَّما هي قبل دخول الجنّة.
(٢) أخرجه الطبري (١١/ ٣١٣- ٣١٤) برقم: (٣١٣٧٣- ٣١٣٤٧) بمثله ومعناه، وذكره ابن عطية (٥/ ١١٤)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٥)، وعزاه إلى ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة بمعناه.
(٣) أخرجه الترمذي (٤/ ٦٩٩) كتاب «صفة الجنة» باب: ما جاء في صفة أنها الجنة (٢٥٧١)، وأحمد (٥/ ٥)، والبيهقي في «البعث والنشور» (٢٦٤)، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٥)، وعزاه إلى ابن المنذر، وابن مردويه.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.