
وقيل: معنى من خلفه في زمانه قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ أي قل: إن العذاب الذي قلتم ائتنا به ليس لي علم متى يكون، وإنما يعلمه الله، وما عليّ إلا أن أبلغكم ما أرسلت به فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ العارض السحاب الذي يعرض في أفق السماء، والضمير في رأوه يعود على ما تعدنا أو على المرئي المبهم الذي فسره قوله عارضا قال الزمخشري: وهذا أعرب وأفصح، وروي أنهم كانوا قد قحطوا مدّة، فلما رأوا هذا العارض ظنوا أنه مطر ففرحوا به فقال لهم هود عليه السلام: بل هو ما استعجلتم به من العذاب وقوله: ريح بدل من ما استعجلتم أو خبر ابتداء مضمر تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها «١» عموم يراد به الخصوص وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ هذا خطاب لقريش على وجه التهديد أي مكنا عادا فيما لم نمكنكم فيه من القوة والأموال وغير ذلك، ثم أهلكنا لما كفروا وإن هنا نافية بمعنى ما، وعدل عن ما كراهية لاجتماعها مع التي قبلها، وقيل: إن شرطية، وجوابها محذوف تقديره: إن مكنّاكم فيه طغيتم، قال ابن عطية: وهذا تنطع في التأويل وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى يعني بلاد عاد وثمود وسبأ وغيرها، والمراد إهلاك أهلها فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الآية عرض معناه النفي أي لم تنصرهم آلهتهم التي عبدوا من دون الله قُرْباناً أي تقربوا بهم إلى الله وقالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وانتصاب قربانا على الحال، ولا يصح أن يكون قربانا مفعولا ثانيا لاتخذوا وآلهة بدل منه لفساد المعنى، قاله الزمخشري، وقد أجازه ابن عطية بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ أي تلفوا لهم «٢» وغابوا عن نصرهم حين احتاجوا إليهم.
وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ أي أملناهم نحوك، والنفر دون العشرة، وروي أن الجن كانوا سبعة وكانوا كلهم ذكرانا، لأن النفر الرجال دون النساء، وكانوا من أهل نصيبين، وقيل من أهل الجزيرة «٣»، واختلف هل رآهم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قيل: إنه لم يرهم، ولم
(٢). كذا في المطبوعة ولعل ثمة خطأ وصحته: خذلوهم. أو ما أشبه والله أعلم.
(٣). هي الجزيرة الفراتية وتقع في الزاوية الشرقية الشمالية من بلاد الشام على الحدود التركية الحالية.

يعلم باستماعهم حتى أعلمه الله بذلك، وقيل: بل علم بهم واستعد لهم واجتمع معهم، وقد ورد في ذلك عن عبد الله بن مسعود أحاديث مضطربة، وسبب استماع الجن أنهم لما طردوا من استراق السمع من السماء برجم النجوم قالوا: ما هذا إلا لأمر حدث، فطافوا بالأرض ينظرون ما أوجب ذلك، حتى سمعوا قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة الفجر في سوق عكاظ، فاستمعوا إليه وآمنوا به أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى في هذا دلالة على أنهم كانوا على دين اليهود، وقيل: كانوا لم يعلموا ببعث عيسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ ذكر في البقرة [٨٩] داعِيَ اللَّهِ هو رسول الله ﷺ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ من هنا للتبعيض على الأصح، أي يغفر لكم الذنوب التي فعلتم قبل الإسلام، وأما التي بعد الإسلام فهي في مشيئة الله، وقيل: معنى التبعيض أن المظالم لا تغفر وقيل: إن من زائدة وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ أي من النار، واختلف الناس هل للجن ثواب زائد على النجاة من النار، أم ليس لهم ثواب إلا النجاة خاصة وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ الآية: يحتمل أن يكون من كلام الجن، أو من كلام الله تعالى، ومعنى ليس بمعجز أي لا يفوت أَوَلَمْ يَرَوْا الآية: احتجاج على بعث الأجساد بخلق السموات والأرض وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ يقال: عييت بالأمر إذا لم تعرفه، فالمعنى أنه تعالى علم كيف خلق السموات والأرض، وأحكم خلقتها، فلا شك أنه قادر على إحياء الموتى بِقادِرٍ في موضع رفع لأنه خبر أن، وإنما دخلت الباء لاشتمال النفي في أول الآية على أن وخبرها بَلى جواب لما تقدم، أي هو قادر على أن يحي الموتى فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أي اصبر على تكذيب قومك وأولوا العزم هم، نوح وإبراهيم وعيسى وموسى، وقيل: هم الثمانية عشر المذكورون في سورة الأنعام لقوله: فبهداهم اقتده، وقيل: كل من لقي من أمته شدة، وقيل: الرسل كلهم أولوا عزم، فمن الرسل على هذا لبيان الجنس وعلى الأقوال المتقدمة للتبعيض وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ أي لا تستعجل نزول العذاب بهم، فإنهم صائرون إليه فإنهم إذا هلكوا كأنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار لاستقصار أعمارهم بَلاغٌ خبر ابتداء مضمر تقديره: هذا الذي وعظتم به بلاغ بمعنى: كفاية في الموعظة، أو بلاغ من الرسول عليه الصلاة والسلام، أي بلغ هذه المواعظ والبراهين.
صفحة رقم 279