آيات من القرآن الكريم

۞ وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ

عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ
الآية مختص بهم فاسم الإشارة عائد إلى القائلين هذه المقالات الباطلة أما من قال المراد بنزول الآية سيدنا عبد الرحمن ابن سيّدنا أبي بكر فيقولون: إن اسم الإشارة عائد إلى القرون التي قبله، فالمراد أجداده والوعيد عليهم كان له جدان ماتا في الجاهلية جدعان، وعثمان ابنا عمرو، وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا أي ولكل واحد من الفريقين درجات من الإيمان، والطاعة، والكفر، والمعصية قال ابن زيد: درج أهل الجنة يذهب علوا ودرج أهل النار ينزل هبوطا، وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وهشام، وعاصم بالياء التحتية أي وجازاهم الله بذلك ليوفيهم أجزية أعمالهم، والباقون بالنون أي ونجازيهم «لنوفيهم» جزاء أعمالهم وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٩) بنقص ثواب الأولين وزيادة عقاب الآخرين قدر الله جزاءهم على مقادير أعمالهم، فجعل الثواب درجات والعقاب دركات وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أي يوم يعذبون بالنار يقال لهم: أَذْهَبْتُمْ قرأ ابن كثير بهمزة ومدة، وابن عامر بهمزتين بلا مد، وهشام بهمزتين ومد بينهما، والباقون بهمزة محققة طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها أي قد أخذتم ما قدر لكم من الراحات في الدنيا، وتمتعتم بالّلذات، واتبعتم الشهوات، فلم يبق لكم بعد استيفاء حظكم في الدنيا شيء منها في الآخرة فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ أي بالعذاب الشديد.
وقرئ «عذاب الهوان» بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (٢٠) أي بسبب استكباركم بغير استحقاق لذلك، أو بسبب خروجكم عن طاعة الله تعالى فالترفع ذنب القلب، والفسق ذنب الجوارح
وَاذْكُرْ يا أكرم الرسل لكفار مكة أَخا عادٍ هود بن عبد الله بن رباح إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بدل اشتمال أي وقت حذرهم عقاب الله إن لم يؤمنوا بِالْأَحْقافِ أي نازلين على رمال مشرفة على البحر في أرض الشحر من بلاد اليمن، وقال ابن عباس: هو واد بين عمان ومهرة. وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أي وقد مضت الرسل من قبل هود ومن بعده، أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ وهذا تفسير للإنذار وإنما كان هذا إنذار لأن النهي عن الشيء تخويف من مضرته أي صورة إنذار هود أن قال: لا تعبدون إلخ ف «أن» مخففة من الثقيلة وباء التصوير مقدرة معها ولا ناهية. إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) أي هائل بسبب شرككم قالُوا أَجِئْتَنا يا هود لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا أي لتصرفنا عن عبادة آلهتنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من معالجة العذاب على الشرك إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) في وعدك بنزول العذاب بنا قالَ لهم هود إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ أي لا علم لي بوقت عذابكم إنما علم وقت إتيان العذاب عند الله تعالى، وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ من التحذير عن العذاب، وأما العلم بوقته فما أوحاه الله إلي، وأما الإتيان بالعذاب فليس بمقدوري، بل هو من مقدورات الله تعالى وقرأ أبو عمرو بسكون الباء وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٣) حيث تصرون على طلب العذاب فإن لم يظهر لكم كوني صادقا لم يظهر لكم كوني كاذبا، فالإقدام على طلب العذاب جهل عظيم، فَلَمَّا رَأَوْهُ أي رأوا ما

صفحة رقم 410

يوعدون به عارِضاً أي سحابا يعرض في أفق السماء، وهو بدل من الضمير العائد على ما في «بما تعدنا». مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ أي سائر إلى أوديتهم استبشروا وقالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا أي هذا المرئي سحاب يأتينا بالمطر. قال هود: ليس الأمر كذلك، بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ من العذاب رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها أي تهلك كل شيء من الناس، والحيوان، والنبات بقدرة الله تعالى لأجل تعذيبكم.
وروي أن هودا لما أحس بالريح خط على نفسه وعلى المؤمنين خطا إلى جنب عين تنبع فكانت الريح التي تصيبهم ريحا لينة هادئة طيبة، والريح التي تصيب قوم عاد
ترفعهم من الأرض وتطير بهم إلى السماء وتضربهم على الأرض، وروي أنهم رأوا ما كان في الصحراء من رحالهم ومواشيهم يطير به الريح بين السماء والأرض، فدخلوا بيوتهم، وغلقوا أبوابهم، فقلعت الريح الأبواب وصرعتهم، وأحال الله عليهم الرمال، فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام لهم أنين، ثم كشفتها الريح عنهم فاحتملتهم فطرحتهم في البحر، فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ أي فصاروا بعد الهلاك لا ترى إلّا آثار مساكنهم، وقرأ حمزة، وعاصم يرى بضم الياء التحتية ورفع «مساكنهم»، والباقون «لا ترى» بفتح تاء الخطاب، ونصب «مساكنهم» أي لا ترى أنت أيها المخاطب، وقرأ الجحدري، والأعمش، وابن أبي اسحق، والسلمي، وأبو رجاء بضم التاء الفوقية ورفع «مساكنهم». كَذلِكَ أي مثل ذلك الجزاء الهائل نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥) وهذا تخويف لكفار مكة، وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ أي ولقد قررنا عادا في أمر عظيم لم نقرركم يا أهل مكة فيه من قوة الأبدان، وطول الأعمار، وكثرة الأموال، ومع ذلك ما نجوا من عقاب الله فكيف يكون حالكم وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ أي وأعطيناهم سمعا فما استعملوه في سماع الدلائل، وأبصارا فما استعملوها في تأمل العبر وأفئدة فما استعملوها في طلب معرفة الله تعالى، بل صرفوا كل هذه القوى إلى طلب الدنيا ولذاتها فما دفع عنهم هذه القوى شيئا من عذاب الله تعالى إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ أي لأجل أنهم كانوا ينكرون دلائل الله تعالى، وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦) أي ونزل بهم العذاب الذي كانوا يطلبونه بطريق الاستهزاء، وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ يا أهل مكة مِنَ الْقُرى كحجر ثمود، وعاد أرض سذوم، وسبأ، ومدين، والأيكة، وقوم لوط، وفرعون، وأصحاب الرس وَصَرَّفْنَا الْآياتِ أي كررناها لهم لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧) أي لكي يرجعوا عن الكفر والمعاصي فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً أي فهلا خلصهم من العذاب الأصنام التي اتخذوها آلهة حال كونها متقربا بها إلى الله تعالى، بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ أي بل غابوا عنهم فنصرة آلهتهم لهم أمر ممتنع، وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨) وذلك أي امتناع نصرهم أثر كذبهم الذي هو اتخاذهم الأصنام آلهة وأثر افترائهم الكذب على الله تعالى إثبات

صفحة رقم 411
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا
تحقيق
محمد أمين الضناوي
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1417
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية