آيات من القرآن الكريم

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ

﴿وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (١٦) ﴾.
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُولَى التَّوْحِيدَ لَهُ وَإِخْلَاصَ الْعِبَادَةِ وَالِاسْتِقَامَةِ إِلَيْهِ، عَطَفَ بِالْوَصِيَّةِ بِالْوَالِدَيْنِ، كَمَا هُوَ مَقْرُونٌ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٢٣] وَقَالَ: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [لُقْمَانَ: ١٤]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ. وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾ أَيْ: أَمَرْنَاهُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا وَالْحُنُوِّ عَلَيْهِمَا.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي سِمَاك بْنُ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُصْعب بْنَ سَعْدٍ (١) يُحَدِّثُ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَعْدٍ لِسَعْدٍ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَةِ الْوَالِدَيْنِ، فَلَا آكُلُ طَعَامًا، وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى تَكْفُرَ بِاللَّهِ. فَامْتَنَعَتْ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، حَتَّى جَعَلُوا يَفْتَحُونَ فَاهَا بِالْعَصَا، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ الآية [العنكبوت: ٨].

(١) في أ: "حرب".

صفحة رقم 279

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِإِسْنَادِهِ، نَحْوَهُ وَأَطْوَلَ مِنْهُ (١).
﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا﴾ أَيْ: قَاسَتْ بِسَبَبِهِ فِي حَالِ حَمْلِهِ مَشَقَّةً وَتَعَبًا، مِنْ وِحَام وَغَشَيَانٍ وَثِقَلٍ وَكَرْبٍ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَنَالُ الْحَوَامِلُ مِنَ التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ، ﴿وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ أَيْ: بِمَشَقَّةٍ أَيْضًا مِنَ الطَّلْقِ وَشِدَّتِهِ، ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾
وَقَدِ اسْتَدَلَّ عَلِيٌّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِهَذِهِ الْآيَةِ مَعَ الَّتِي فِي لُقْمَانَ: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ [لُقْمَانَ: ١٤]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٣٣]، عَلَى أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَهُوَ اسْتِنْبَاطٌ قَوِيٌّ صَحِيحٌ. وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ عُثْمَانُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنَ يَسَارٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْط، عَنْ بَعْجَةَ (٢) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ قَالَ: تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنَّا امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنة، فَوَلَدَتْ لَهُ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَانْطَلَقَ زَوْجُهَا إِلَى عُثْمَانَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا قَامَتْ لِتَلَبِسَ ثِيَابَهَا بَكَتْ أُخْتُهَا، فَقَالَتْ: مَا يُبْكِيكِ؟! فَوَاللَّهِ مَا الْتَبَسَ بِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ غَيْرَهُ قَطُّ، فَيَقْضِي اللَّهُ فِيَّ مَا شَاءَ. فَلَمَّا أُتِيَ بِهَا عُثْمَانُ أَمَرَ بِرَجْمِهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَأَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا تَصْنَعُ؟ قَالَ: وَلَدَتْ تَمَامًا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهُ [عَلِيٌّ] (٣) أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ وَقَالَ: ﴿ [يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ] حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ (٤)، فَلَمْ نَجِدْهُ بَقَّى إِلَّا سِتَّةَ أَشْهُرٍ، قَالَ: فَقَالَ عُثْمَانُ: وَاللَّهِ مَا فَطِنْتُ لِهَذَا، عَلَيَّ بِالْمَرْأَةِ فَوَجَدُوهَا قَدْ فُرِغَ مِنْهَا، قَالَ: فَقَالَ بَعْجَةُ: فَوَاللَّهِ مَا الْغُرَابُ بِالْغُرَابِ، وَلَا الْبَيْضَةُ بِالْبَيْضَةِ بِأَشْبَهَ مِنْهُ بِأَبِيهِ. فَلَمَّا رَآهُ أَبُوهُ قَالَ: ابْنِي إِنِّي وَاللَّهِ لَا أَشُكُّ فِيهِ، قَالَ: وَأَبْلَاهُ (٥) اللَّهُ بِهَذِهِ الْقُرْحَةِ قُرْحَةِ الْأَكَلَةِ، فَمَا زَالَتْ تَأْكُلُهُ حَتَّى مَاتَ (٦).
رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَقَدْ أَوْرَدْنَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ [الزُّخْرُفِ: ٨١].
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا فَرْوَة بْنُ أَبِي المَغْرَاء، حَدَّثَنَا عَلِيِّ بْنِ مِسْهَر، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (٧) قَالَ: إِذَا وَضَعَتِ الْمَرْأَةُ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ كَفَاهُ مِنَ الرَّضَاعِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا، وَإِذَا وَضَعَتْهُ لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ كَفَاهُ مِنَ الرَّضَاعِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا، وَإِذَا وَضَعَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَحَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾
﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ أَيْ: قَوِيَ وَشَبَّ وَارْتَجَلَ ﴿وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ أَيْ: تَنَاهَى عَقْلُهُ وَكَمُلَ فَهْمُهُ وَحِلْمُهُ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا عَمَّا يَكُونُ عَلَيْهِ ابْنُ الْأَرْبَعِينَ.

(١) مسند الطيالسي برقم (٢٠٨) وصحيح مسلم يرقم (١٧٤٨) وسنن أبي داود برقم (٢٧٤٠) وسنن الترمذي برقم (٣٠٧٩) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١١٩٦) لكن النسائي لم يرو الشاهد هنا وإنما روى أوله.
(٢) في ت، أ: "معمر".
(٣) زيادة من ت، أ.
(٤) زيادة من أ.
(٥) في ت، م، أ: "وابتلاه".
(٦) ورواه ابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور للسيوطي ٠٧/٤٤١).
(٧) في ت: "عن عكرمة وروى عن ابن عباس".

صفحة رقم 280

قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قُلْتُ لِمَسْرُوقٍ: مَتَى يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِذُنُوبِهِ؟ قَالَ: إِذَا بَلَغْتَ الْأَرْبَعِينَ، فَخُذْ حِذْرَكَ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا عُبَيد اللَّهِ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَنَا عَزْرَة بْنُ قَيْسٍ الْأَزْدِيُّ -وَكَانَ قَدْ بَلَغَ مِائَةَ سَنَةٍ-حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّلُولِيُّ (١) عَنْهُ وَزَادَنِي (٢) قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ إِذَا بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً خَفَّفَ اللَّهُ حِسَابَهُ، وَإِذَا بَلَغَ (٣) سِتِّينَ سَنَةً رَزَقَهُ اللَّهُ الْإِنَابَةَ إِلَيْهِ، وَإِذَا بَلَغَ سَبْعِينَ سَنَةً أَحَبَّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَإِذَا بَلَغَ ثَمَانِينَ سَنَةً ثَبَّتَ اللَّهُ حَسَنَاتِهِ وَمَحَا سَيِّئَاتِهِ، وَإِذَا بَلَغَ تِسْعِينَ سَنَةً غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وشفَّعه اللَّهُ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، وَكُتِبَ فِي السَّمَاءِ: أَسِيرَ (٤) اللَّهِ فِي أَرْضِهِ" (٥).
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (٦) (٧).
وَقَدْ قَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَكَمِيُّ أَحَدُ أُمَرَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ بِدِمَشْقَ: تَرَكْتُ الْمَعَاصِيَ وَالذُّنُوبَ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَيَاءً مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ تَرَكْتُهَا حَيَاءً مِنَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ.
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
صَبَا مَا صَبَا حَتى عَلا الشَّيبُ رأسَهُ... فلمَّا عَلاهُ قَالَ لِلْبَاطِلِ: ابطُل (٨)
﴿قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي﴾ أَيْ: أَلْهِمْنِي ﴿أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾ أَيْ: فِي الْمُسْتَقْبَلِ، ﴿وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي﴾ أَيْ: نَسْلِي وَعَقِبِي، ﴿إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ وَهَذَا فِيهِ إِرْشَادٌ لِمَنْ بَلَغَ الْأَرْبَعِينَ أَنْ يُجَدِّدَ التَّوْبَةَ وَالْإِنَابَةَ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَيَعْزِمُ عَلَيْهَا.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا فِي التَّشَهُّدِ: "اللَّهُمَّ، أَلِّفْ بَيْنِ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سبُل (٩) السَّلَامِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُلُوبِنَا، وَأَزْوَاجِنَا، وَذُرِّيَّاتِنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَاجَعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ، مُثْنِينَ بِهَا قَابِلِيهَا، وَأَتْمِمْهَا عَلَيْنَا" (١٠).
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ أَيْ: هَؤُلَاءِ الْمُتَّصِفُونَ بِمَا ذَكَرْنَا، التَّائِبُونَ إِلَى اللَّهِ الْمُنِيبُونَ إِلَيْهِ، الْمُسْتَدْرِكُونَ مَا فَاتَ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، هُمُ الَّذِينَ يَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا، وَيَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ، فَيَغْفِرُ لَهُمُ الْكَثِيرَ مِنَ الزَّلَلِ، وَيَتَقَبَّلُ مِنْهُمُ الْيَسِيرَ مِنَ الْعَمَلِ، ﴿فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ﴾ أَيْ: هُمْ فِي جُمْلَةِ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ، وَهَذَا حُكْمُهُمْ عِنْدَ الله كما وعد

(١) في م، أ: "أبو الحسن الكوفي- عمر بن أوس".
(٢) في ت: "وروى الحافظ".
(٣) في ت، م: "رزقه".
(٤) في ت، م، أ: "أمين".
(٥) قال الهيثمي في المجمع (١٠/٢٠٥) :"رواه أبو يعلى في الكبير وفيه عزرة بن قيس الأزدي، وهو ضعيف".
(٦) في ت: "وهذا الحديث في مسند الإمام أحمد".
(٧) رواه الإمام أحمد مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، المسند (٣/٢١٨).
(٨) في ت، م، أ: "أبعد".
(٩) في ت: "سبيل".
(١٠) سنن أبي داود برقم (٩٦٩).

صفحة رقم 281

اللَّهُ مَنْ تَابَ إِلَيْهِ وَأَنَابَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾
قَالَ (١) ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا المُعْتَمِر بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ الغطْرِيف، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (٢)، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الرُّوحِ الْأَمِينِ، عَلَيْهِ (٣) السَّلَامُ، قَالَ: "يُؤْتَى (٤) بِحَسَنَاتِ الْعَبْدِ وَسَيِّئَاتِهِ (٥)، فَيَقْتَصُّ (٦) بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، فَإِنْ بَقِيَتْ حَسَنَةٌ وَسَّعَ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ" قَالَ: فدخلتُ عَلَى يَزْدَادَ فَحُدّث بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ ذَهَبَتِ الْحَسَنَةُ؟ قَالَ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾ (٧).
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيِّ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ -وَزَادَ عَنِ الرُّوحِ الْأَمِينِ. قَالَ: قَالَ الرَّبُّ، جَلَّ جَلَالُهُ:

يُؤْتَى بِحَسَنَاتِ الْعَبْدِ وَسَيِّئَاتِهِ فَذَكَرَهُ، وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وإسنادٌ جَيِّدٌ لَا بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَد، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكَلَّائِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ (٨) جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشية، عَنْ يُوسُفَ بْنِ سَعْدٍ (٩)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ: وَنَزَلَ فِي دَارِي حَيْثُ ظَهَرَ عَلِيٌّ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَقَالَ لِي يَوْمًا: لَقَدْ شهدتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيًّا، وَعِنْدَهُ عمارا وَصَعْصَعَةُ وَالْأَشْتَرُ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، فَذَكَرُوا عُثْمَانَ فَنَالُوا مِنْهُ، وَكَانَ عَلِيٌّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَلَى السَّرِيرِ، وَمَعَهُ عُودٌ فِي يَدِهِ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: إِنَّ عِنْدَكُمْ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: كَانَ عُثْمَانُ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾ قَالَ: وَاللَّهِ عُثْمَانُ وَأَصْحَابُ عُثْمَانَ -قَالَهَا ثَلَاثًا-قَالَ يُوسُفُ: فَقُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ: آللَّهِ لَسَمِعْتَ هَذَا مِنْ عَلِيٍّ؟ قَالَ: آللَّهِ لَسَمِعْتُ هذا من علي، رضي الله عنه.
(١) في ت: "وروى".
(٢) في ت: "ابن عباس رضي الله عنه".
(٣) في م: "عليهما".
(٤) في ت: "تؤتى".
(٥) في أ: "وسيئاته يوم القيامة".
(٦) في أ: "فيقبض".
(٧) تفسير الطبري (٢٦/١٢) ورواه أبو نعيم في الحلية (٣/٩١) من طريق معتمر بن سليمان به، وقال أبو نعيم: "هذا حديث غريب من حديث جابر، والغطويف تفرد به عنه الحكم بن أبان العدني".
(٨) في أ: "بشير".
(٩) في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده".

صفحة رقم 282
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
سامي سلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1420
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية