آيات من القرآن الكريم

كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ
ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭ ﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓ

أدري أتبّع لعين أم لا؟»
ثم
قد روي عنه أنه قال فيما رواه أحمد عن سهل بن سعد: «لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم».
فهذا يدلك على أنه كان رجلا واحدا بعينه، وهو- واللَّه أعلم- أبو كرب الذي كسا البيت بعد ما أراد غزوه، وبعد ما غزا المدينة وأراد خرابها، ثم انصرف عنها لمّا أخبر أنها مهاجر نبي اسمه أحمد «١».
٤- لم يخلق اللَّه السموات والأرض عبثا ولهوا، وإنما خلقهما بالأمر الحق، وللحق، ولإقامة الحق وإظهاره من توحيد اللَّه والتزام طاعته، ولكن أكثر الناس وهم في الماضي مشركو مكة لا يعلمون ذلك.
٥- لم يذكر كفار مكة في نفي الحشر والنشر شبهة حتى يجاب عنها، ولكنهم أصروا على الجهل والتقليد في ذلك الإنكار، لذا اقتصر اللَّه تعالى على الوعيد والتهديد بأن يتعرضوا للهلاك مثلما أهلك قوم فرعون وقوم تبّع.
أهوال يوم القيامة التي يتعرض لها الكفار والعصاة
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٤٠ الى ٥٠]
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٠) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤١) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٤٢) إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤)
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (٤٧) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩)
إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (٥٠)

(١) تفسير القرطبي: ١٦/ ١٤٤ وما بعدها.

صفحة رقم 232

الإعراب:
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ يَوْمَ: اسم إِنَّ ومِيقاتُهُمْ: خبرها، وأَجْمَعِينَ: توكيد ضمير مِيقاتُهُمْ.
يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى... يَوْمَ: بدل منصوب من يَوْمَ الأول.
إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ مَنْ: بالنصب على الاستثناء المنقطع، وبالرفع: إما بدل من ضمير يُنْصَرُونَ أي ولا ينصر إلا من رحم اللَّه، أو بدل من مَوْلًى الأول، أي يوم لا يغني إلا من رحم اللَّه، أو مبتدأ، تقديره: إلا من رحم اللَّه فيعفى عنه.
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَالْمُهْلِ: خبر ثان، ويَغْلِي بالياء: لتذكير المهل، وهو خبر ثالث، ويقرأ بالتاء: لتأنيث الجرّة، وهو حال من المهل.
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ إِنَّكَ بالكسر: على الابتداء، وتقرأ بالفتح بتقدير حذف حرف الجر، أي ذق لأنك العزيز الكريم عند نفسك.
البلاغة:
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ تشبيه مرسل مجمل.
الرَّحِيمُ الزَّقُّومِ الْأَثِيمِ الْحَمِيمِ الْجَحِيمِ الْكَرِيمُ سجع رصين لا تكلف فيه، فيه جمال.
المفردات اللغوية:
يَوْمَ الْفَصْلِ يوم القيامة، سمي بذلك، لأنه يفصل فيه بين الناس، فيفصل المحق عن المبطل بالجزاء، ويفصل الحق عن الباطل مِيقاتُهُمْ وقت موعدهم للعذاب الدائم لا يُغْنِي لا يدفع عنه مَوْلًى ناصر بقرابة أو صداقة، ويطلق المولى في الأصل على السيد والعبد وابن العم والناصر والحليف والقريب والصديق شَيْئاً من العذاب أو الإغناء وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ يمنعون منه.
إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ بالعفو عنه وقبول الشفاعة فيه، وهم المؤمنون فإنه يشفع بعضهم لبعض بإذن اللَّه الْعَزِيزُ الغالب في انتقامه من الكفار، فلا ينصر من أراد تعذيبه الرَّحِيمُ من أراد أن يرحمه، وهم المؤمنون.
شَجَرَةَ الزَّقُّومِ هي شجرة ذات ثمر مرّ، تنبت بتهامة، شبهت بها شجرة الجحيم، وهي

صفحة رقم 233

الشجرة الملعونة التي ينبتها اللَّه تعالى في قعر جهنم الْأَثِيمِ الكثير الإثم، والمراد به الكافر لدلالة ما قبله وما بعده عليه، مثل أبي جهل وأصحابه وأمثالهم من الملاحدة ذوي الإثم الكبير في كل عصر.
كَالْمُهْلِ ما يمهل في النار حتى يذوب أو دردي الزيت الأسود، أي عكر الزيت والقطران ومذاب النحاس أو غيره من المعادن الْحَمِيمِ الماء الساخن الشديد الحرارة.
خُذُوهُ أي يقال للزبانية: خذوا الأثيم فَاعْتِلُوهُ بكسر التاء وضمها: جرّوه وسوقوه بغلظة وشدة وعنف، ومنه العتل: الجافي الغليظ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ وسط النار عَذابِ الْحَمِيمِ أي من الحميم الذي لا يفارقه العذاب، فهو أبلغ من قوله: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ لأن المراد:
يصب من فوق رؤوسهم عذاب هو الحميم، للمبالغة، ثم أضيف العذاب إلى الحميم للتخفيف، وزيدت مِنْ للدلالة على أن المصبوب بعض هذا النوع ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ أي يقال له: ذق العذاب، استهزاء به أو تقريعا على ما كان يزعمه الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ بزعمك وقولك: ما بين جبليها أعز وأكرم مني إِنَّ هذا إن هذا العذاب تَمْتَرُونَ تشكون فيه أو تمارون.
سبب النزول:
نزول الآية (٤٣) وما بعدها:
إِنَّ شَجَرَةَ: أخرج سعيد بن منصور عن أبي مالك قال: إن أبا جهل كان يأتي بالتمر والزّبد، فيقول: تزقموا، فهذا الزقوم الذي يعدكم به محمد، فنزلت: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ...
نزول الآية (٤٩) :
ذُقْ إِنَّكَ..:
أخرج الأموي في مغازيه عن عكرمة قال: «لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا جهل، فقال: إن اللَّه أمرني أن أقول لك: «أولى لك فأولى، ثم أولى لك فأولى» فنزع يده من يده، وقال: ما تستطيع لي أنت ولا صاحبك من شيء، لقد علمت أني أمنع أهل البطحاء، وأنا العزيز الكريم، فقتله اللَّه يوم بدر، وأذله وعيّره بكلمته، ونزل فيه: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ».
وأخرج ابن جرير الطبري عن قتادة نحوه.
قال أبو جهل لرسول اللَّه

صفحة رقم 234

صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما بين جبليها أعزّ ولا أمنع منى، فو اللَّه ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا، فنزلت الآية.
المناسبة:
بعد إثبات البعث والقيامة، أعقبه تعالى بذكر ما يتعرض له الكافر يوم القيامة من أهوال بفقد الأعوان والنصراء، وتجرع الزقوم، وشرب المهل عكر الزيت والقطران، وجره بشدة وعنف إلى جهنم، وصب الماء الحميم البالغ منتهى السخونة والحرارة فوق رأسه، وتقريعه والاستهزاء به فيما زعمه من عز وإكرام، جزاء الشك بيوم البعث والقيامة.
التفسير والبيان:
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ إن يوم القيامة الذي يفصل اللَّه تعالى فيه بين الخلائق، فيعذب الكافرين، ويثيب المؤمنين، هو ميعاد جميعهم ووقت حسابهم وجزائهم جميعا، يجمعهم كلهم أو لهم عن آخرهم، ليميز المحسن من المسيء، والمحق من المبطل، كقوله تعالى: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً [النبأ ٧٨/ ١٧]. وسمى يوم القيامة يَوْمَ الْفَصْلِ لأنه تعالى يفصل بين عباده في الحكم والقضاء، أو يفصل بين أهل الجنة وأهل النار، أو يفصل بين المؤمنين وبين ما يكرهون، وبين الكافرين وبين ما يشتهون، فيفصل بين الوالد وولده، والرجل وزوجته، والمرء وخليله.
يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ أي يوم لا ينفع قريب قريبا، ولا يدفع عنه شيئا من العذاب أو الإغناء، ولا هم يمنعون من عذاب اللَّه، فلا يفيد المؤمن الكافر ولا ينصر القريب قريبه، كقوله تعالى: لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ [الممتحنة ٦٠/ ٣] وقوله سبحانه:
فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ، فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَلا يَتَساءَلُونَ

صفحة رقم 235

[المؤمنون ٢٣/ ١٠١] وقوله عز وجل: وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً، يُبَصَّرُونَهُمْ [المعارج ٧٠/ ١٠- ١١] أي لا يسأل أخ له عن حاله، وهو يراه عيانا، وقوله جل وعلا: وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً [البقرة ٢/ ٤٨].
إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ أي لكن من رحمه اللَّه فإنه ينتصر وينجو، ولا يحتاج إلى ناصر غيره، إن اللَّه هو الغالب الذي لا يفلت أحد من أعدائه من عذابه، الرَّحِيمُ: ذو الرحمة الواسعة بعباده المؤمنين، وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا، ويجوز أن يكون متصلا، أي لا يغني قريب عن قريب إلا المؤمنين، فإنه يؤذن لهم في شفاعة بعضهم لبعض.
وبعد إقامة الدليل على أن القيامة حق، ووصف ذلك اليوم، أردفه تعالى بوعيد الفجار الكفار الجاحدين لقاءه، قائلا:
إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ أي إن الشجرة التي خلقها اللَّه في جهنم وهي الشجرة الملعونة، يكون ثمرها طعام أهل النار الكثيري الإثم، قولا وفعلا، فإذا جاعوا أكلوا منها، ويدخل معهم أبو جهل. والْأَثِيمِ: مبالغة الآثم.
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ أي وذلك الطعام يشبه دردي الزيت، وعكر القطران، والنحاس المذاب، يغلي في بطون الكفار كغلي الماء الشديد الحرارة، لحرارته ورداءته. شبه ما يصير في البطون منها بالمهل: وهو النحاس المذاب.
خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ يقال للملائكة الذين هم خزنة النار:
خذوا هذا الأثيم، فادفعوه وجروه إلى وسط النار بعنف وغلظة.
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ أي ثم صبوا على رأسه الماء الشديد الحرارة المتقدم الوصف، كقوله عز وجل: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ، يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ [الحج ٢٢/ ١٩- ٢٠].

صفحة رقم 236

ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ أي: وقولوا له تهكما وتقريعا وتوبيخا:
ذق العذاب أيها المتعزز المتكرم في زعمك في الدنيا.
إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ أي إن هذا العذاب هو الذي كنتم تشكون فيه، حين كنتم في الدنيا. وهو كقوله تعالى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا، هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ [الطور ٥٢/ ١٣- ١٤].
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- إن يوم القيامة هو يوم الحسم النهائي في مصير الخلائق، وهو يوم الفصل، لأن اللَّه تعالى يفصل فيه بين خلقه، فيتميز المسيء من المحسن، والمبطل من المحق، ويكون هناك فريقان: فريق في الجنة، وفريق في السعير. وهذا غاية في التحذير والوعيد.
٢- من خصائص يوم القيامة: فقد النصراء والأعوان والأقارب، فلا ينصر المؤمن الكافر لقرابته، لكن من رحمه اللَّه فإنه ينجو وينتصر بنصر اللَّه، ولا يحتاج إلى معونة المخلوقين، واللَّه سبحانه في ذلك اليوم هو المنتقم من أعدائه، الرحيم بأوليائه، كما قال: شَدِيدِ الْعِقابِ، ذِي الطَّوْلِ [غافر ٤٠/ ٢] فقرن الوعد بالوعيد.
٣- إن طعام أهل النار وهم الآثمون الفجار هو الثمر الشديد المرارة من شجرة الزقوم التي لا تقبل الاحتراق في النار، وهو لشدة حرارته ورداءته يغلي في بطون الكفار، كغلي الماء الشديد السخونة، فإذا جاع أهل النار أكلوا منها، فغلت في بطونهم كما يغلي الماء الحار.
٤- يتعرض أهل النار لأنواع كثيرة من الإهانة والذل، منها: أنهم بواسطة

صفحة رقم 237
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية