
قال الحسن وقتادة: البلاء المبين النعمة الظاهرة على نحو ما جاء فى قوله: «وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً» وقوله: «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً».
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٣٤ الى ٣٧]
إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧)
تفسير المفردات
بمنشرين: أي بمبعوثين، يقال نشر الله الموتى وأنشرهم إذا أحياهم، وتبّع: واحد التبابعة، وهم ملوك اليمن، وهذا اللقب أشبه بفرعون لدى قدماء المصريين، وهم طبقتان:
الطبقة الأولى ملوك سبإ وريدان من سنة ١١٥ قبل الميلاد إلى ٢٧٥ بعده. والطبقة الثانية ملوك سبإ وريدان وحضرموت والشّحر من سنة ٢٧٥ بعد الميلاد إلى سنة ٥٢٥، وأولهم شمر برعش، وآخرهم ذو نواس ثم ذو جدن، ومنهم ذو القرنين أو إفريقش، ويسمى الصعب. وبعده عمرو زوج بلقيس ثم أبو بكر ابنه ثم ذو نواس، والذين اشتهروا من هؤلاء الملوك ثلاثة شمر برعش وذو القرنين وأسعد أبو كرب.
المعنى الجملي
عود على بدء- كان الكلام أولا فى كفار قريش، إذ قال فيهم: بل هم فى شك يلعبون، أي إنهم فى شك من البعث والقيامة، ثم بين كيف أصروا على كفرهم، ثم ذكر أن قوم فرعون كانوا فى إصرارهم على الكفر كهؤلاء، وقد أهلكهم الله وأنجى بنى إسرائيل، ثم رجع إلى الحديث الأول، وهو إنكارهم للبعث وقولهم إنه لا حياة بعد هذه الحياة، فإن كنتم صادقين فاسألوا ربكم يعجل لنا إحياء من

مات حتى يكون ذلك دليلا على صدق دعواكم النبوّة والبعث فى القيامة، ثم توعدهم بأنه سيستنّ بهم سنة من قبلهم من المكذبين، فقد أهلك من هم أقوى منهم بطشا وأكثر جندا، وهم قوم تبع ملوك اليمن من قحطان، فحذار أن تصرّوا على الكفر حتى لا يحيق بكم بأس ربكم.
الإيضاح
(إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ. إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) أي إن هؤلاء المشركين من أهل مكة يقولون: ما ثمّ إلا هذه الحياة الدنيا، ولا حياة بعد الممات، ولا بعث ولا نشور.
ثم خاطبوا من وعدوهم بالنشور، وهم النبي وأصحابه وقالوا لهم:
(فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي إن كان البعث حقا كما تقولون، فعجلوا لنا بإحياء آبائنا الماضين الذين ذهبوا فلم يرجعوا إن كنتم صادقين فيما تدّعون.
وهذه حجة داحضة، فإن المعاد يوم القيامة بعد انقضاء الدار الدنيا حين يعيد الله العالمين خلقا جديدا، ومن ثم لم يتعرض الكتاب الكريم لردّ ما قالوا، بل قال لهم مهددا متوعدا منذرا بأسه الذي لا يرد:
(أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) أي إن نظراءهم المشركين المنكرين للبعث كقوم تبع أهلكهم الله وخرّب ديارهم وشرّدهم فى البلاد شذر مذر، وقد كانوا أقوى منهم جندا وأكثر عددا، وكانت لهم دولة وصولة، وهؤلاء ليسوا فى شىء من ذلك- وكذلك فعل بمن قبلهم كعاد وثمود إذ كانوا فى خسران مبين بكفرهم وإنكارهم للبعث والنشور، فليحذر هؤلاء أن يحل بهم مثل ما حل بأولئك «سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا».