آيات من القرآن الكريم

وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ
ﭓﭔ ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑ

ثمّ وصفت لهم أهوال يوم القيامة وما فيه من الحساب والعقاب وطعام الزّقوم في نار جهنم وغير ذلك مما يرهب ويرعب، ويثير المخاوف الشّديدة في النّفوس.
وختمت السّورة بنعت وبيان مصير الأبرار ومصير الفجّار، لترغيب الفريق الأول وتبشيره بالعاقبة الحميدة، وترهيب الفريق الثاني وإنذاره بالنّكال والعذاب الشّديد.
فضلها:
ذكر المفسّرون أحاديث في فضل سورة الدّخان، لكنها لا تخلو من ضعف «١»، منها ما رواه الدّارميّ في مسنده عن أبي رافع قال: «من قرأ الدّخان في ليلة الجمعة، أصبح مغفورا له، وزوّج من الحور العين»
ورواه الثّعلبي مرفوعا عن أبي هريرة أنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «من قرأ الدّخان في ليلة الجمعة أصبح مغفورا له»
وفي لفظ آخر للتّرمذي: «من قرأ حم الدّخان في ليلة، أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك»
، وعن أبي أمامة قال: سمعت النّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: «من قرأ حم الدّخان ليلة الجمعة أو يوم الجمعة، بنى اللَّه له بيتا في الجنة».
إنزال القرآن في ليلة القدر المباركة وصفات منزله
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ١ الى ٩]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤)
أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (٩)
(١) وهكذا أغلب الأحاديث الواردة في فضائل السّور ضعيفة لا يصح الاعتماد عليها، لذا استبعدت ذكر هذه الأحاديث، وأوردت بعضها هنا للتّنبيه والبيان. [.....]

صفحة رقم 204

الإعراب:
أَمْراً مِنْ عِنْدِنا أَمْراً: إما منصوب على الحال بمعنى آمرين، أو منصوب على المصدريّة، أو منصوب بفعل مقدّر، أي أعني أمرا، وهو قول أبي العباس المبرّد.
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ رَحْمَةً: إما منصوب على أنه مفعول لأجله، أي للرّحمة، وحذف مفعول مُرْسِلِينَ، أو لأنه مفعول مُرْسِلِينَ والمراد بالرّحمة حينئذ النّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، لقوله تعالى:
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء ٢١/ ١٠٧]، أو منصوب على البدل من قوله:
أَمْراً، أو منصوب على المصدر، أو منصوب على الحال، وهو قول أبي الحسن الأخفش.
رَبِّ السَّماواتِ بالجرّ: بدل من رَبِّكَ، وبالرّفع: خبر آخر، أو صفة، أو استئناف على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو ربّ السموات.
البلاغة:
حَكِيمٍ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ من صيغ المبالغة على وزن فعيل.
يُحْيِي وَيُمِيتُ بينهما طباق.
إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ حثّ وتحريض على الإيمان والتفكّر والتّبصر.
المفردات اللغوية:
حم الحروف المقطعة للدلالة على إعجاز القرآن، والتّنبيه على خطورة ما يلقى من أحكام في هذه السّورة، كما تقدّم. وَالْكِتابِ الْمُبِينِ هذا قسم بالقرآن، أي والقرآن ذي البيان الواضح لكل حاجات الإنسان في الدّين والدنيا.
لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ هي ليلة القدر، ابتدئ فيها إنزال القرآن، أو أنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا من اللوح المحفوظ، وبركتها لأن نزول القرآن سبب للمنافع الدّينية والدّنيوية. مُنْذِرِينَ مخوّفين به، وهو استئناف يتبيّن فيه المقتضي للإنزال.

صفحة رقم 205

فِيها في ليلة القدر. يُفْرَقُ يفصّل ويبيّن. كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ محكم لا لبس فيه، من الأمور المحكمة التّشريعية، والأرزاق والآجال وغيرها على مدار السّنة إلى تلك الليلة.
أَمْراً مِنْ عِنْدِنا أي أعني بهذا الأمر أمرا حاصلا من عندنا على مقتضى حكمتنا، وهو مزيد تفخيم للأمر. مُرْسِلِينَ الرّسل: محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم ومن قبله عليهم السّلام. رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ رأفة بالمرسل إليهم. السَّمِيعُ لأقوالهم. الْعَلِيمُ بأفعالهم وأحوالهم، وهو وما بعده بيان أنّ الرّبوبية لا تحقّ إلا لمن هذه صفاته، مما ينفي ربوبية غيره. إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أي إن كنتم من أهل الإيقان في العلوم وفي أنه تعالى ربّ السموات والأرض، أو كنتم تطلبون اليقين وتريدونه.
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إذ لا خالق سواه. يُحْيِي وَيُمِيتُ كما تشاهدون. بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ من البعث، وهو ردّ لكونهم موقنين. يَلْعَبُونَ يعبثون استهزاء بالنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، لذلك قال:
اللهم أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف».
التفسير والبيان:
حم، وَالْكِتابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ أقسم اللَّه سبحانه بالقرآن العظيم الذي هو الكتاب الموضّح لكلّ ما يحتاجه الإنسان من أمور الدّين والدّنيا، على أنه أنزل القرآن في ليلة كثيرة الخيرات التي هي ليلة القدر، كما جاء مبيّنا في آية أخرى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر ٩٧/ ١]، من ليالي شهر رمضان الذي نزل فيه القرآن، كما قال تعالى:
شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ [البقرة ٢/ ١٨٥]، أي أنه بدئ بإنزاله في ليلة القدر من ليالي رمضان، واستمرّ نزوله منجّما ثلاثا وعشرين سنة، أو أنزل القرآن كلّه في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدّنيا.
إنّا كنّا بهذا القرآن منذرين الناس من العذاب الأليم في الآخرة إذا اقترفوا الشّرك والمعاصي، ومعلّمين النّاس ما ينفعهم ويضرّهم شرعا لتقوم حجّة اللَّه على عباده.

صفحة رقم 206

قال ابن كثير: ومن قال: إنها ليلة النّصف من شعبان- كما روي عن عكرمة- فقد أبعد النّجعة- أي الطلب- فإن نصّ القرآن أنها في رمضان «١» وقال القرطبي بعد حكاية قول عكرمة: إنها ليلة النّصف من شعبان: والأول- أي الرأي القائل بأنها ليلة القدر- أصح، لقوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ «٢».
وسبب بدء نزوله في ليلة القدر ما قال تعالى:
فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أي في ليلة القدر يفصّل ويبيّن الأمر المحكم، فيكتب فيها ما يكون في السّنة من الآجال والأرزاق، من خير وشرّ، وحياة وموت، وغير ذلك، أو ما يكون من أمور محكمة لا تبديل فيها ولا تغيير، بتشريع الأحكام الصالحة لهداية البشر في الدنيا، والسعادة في الآخرة، فالحكيم:
معناه ذو الحكمة. وإنما أنزل القرآن في هذه الليلة خصوصا، لأن إنزال القرآن أشرف الأمور الحكمية، وهذه الليلة يفرق فيها كل أمر ذي حكمة.
والغاية من إنزال القرآن ما قال سبحانه:
أَمْراً مِنْ عِنْدِنا، إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ، رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أي أنزل اللَّه القرآن من لدنه متضمنا وحيه وشرعه، وقد فعلنا ذلك الإنذار، وأرسلنا الرسول وجميع الأنبياء إلى الناس لتلاوة آيات اللَّه البيّنات، رحمة ورأفة منا بهم، لبيان ما ينفعهم وما يضرّهم، ولئلا يكون للناس حجّة بعد إرسال الرّسل، فرسالة الرّسل هي الرّحمة المهداة الدّائمة إلى البشر، وتتمثل الآن بالثّابت القطعي النّزول منها، وهو القرآن ورسالة النّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال أبو حيان في تفسير إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ. لما ذكر إنزال القرآن ذكر المرسل، أي مرسلين

(١) تفسير ابن كثير: ٤/ ١٣٧
(٢) تفسير القرطبي: ١٦/ ١٢٦

صفحة رقم 207

الأنبياء بالكتب للعباد، فالجملة المؤكّدة مستأنفة، وقيل: يجوز أن يكون بدلا من: إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ «١».
وإنما فعل اللَّه ذلك، لأنه السّميع لأقوال البشر، العليم بأحوالهم وبما يصلحهم، فأرسل الرّحمة إليهم رعاية لحاجتهم.
والدّليل على السّمع والعلم وإنزال القرآن ما قاله تعالى:
رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أي إن اللَّه السّميع العليم الذي أنزل القرآن هو ربّ السموات والأرض وما بينهما من سائر المخلوقات، وخالقها ومالكها وما فيها، إن كنتم تريدون معرفة ذلك عن يقين تام لا شكّ فيه، قال أبو مسلم: معنى قوله: إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ إن كنتم تطلبون اليقين وتريدونه، فاعرفوا أن الأمر كما قلنا.
ثم ذكر اللَّه تعالى صفات أخرى هي الوحدانية والقدرة فقال:
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ، رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ أي بعد إثبات الرّبوبية لله أثبت الوحدانية، فهو الإله الواحد الذي لا إله غيره، وأثبت القدرة فهو المحيي والمميت، يحيي ما يشاء، ويميت ما يشاء، ثم أكّد الرّبوبية على البشر بالذّات، فهو ربّكم أيها المخاطبون وربّ آبائكم وأجدادكم الأولين، ومدبّر شؤونهم، فهو المستحق للعبادة، دون غيره من الآلهة المزعومة، ثم ذكر حقيقة المشركين، فقال:
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ أي بل هؤلاء المشركون في شكّ من أمر البعث والتّوحيد والإقرار الذي صدر منهم بأن اللَّه هو خالقهم، وهم في الواقع عابثون لا هون لاعبون، لا جدّية عندهم في الاعتقاد الصحيح، والسّلوك المطابق له.

(١) البحر المحيط: ٨/ ٣٣.

صفحة رقم 208

فقه الحياة أو الأحكام:
دلّت الآيات على ما يأتي:
أولا- عظّم اللَّه تعالى القرآن في هذه الآيات بأمور هي:
١- أقسم به، واللَّه لا يقسم إلا بشيء عظيم، ولله أن يقسم بما يشاء على ما يشاء في أي وقت يشاء.
٢- أقسم به على أنه أنزل في ليلة مباركة هي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. قال قتادة وابن زيد: أنزل اللَّه القرآن كله في ليلة القدر من أم الكتاب إلى بيت العزّة في سماء الدنيا، ثم أنزله اللَّه على نبيّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الليالي والأيام في ثلاث وعشرين سنة. ذكر الطبري عن قتادة أنه قال: نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، والتوراة لستّ ليال منه، والزّبور لاثنتي عشرة مضت، والإنجيل لثمان عشرة منه، والفرقان لأربع وعشرين مضت.
٣- وصف اللَّه القرآن بكونه كتابا مبينا.
٤- وصف اللَّه ليلة إنزال القرآن بأنه يفرق فيها كل أمر حكيم، قال ابن عباس وغيره: يحكم اللَّه أمر الدنيا إلى قابل في ليلة القدر ما كان من حياة أو موت أو رزق. وقال ابن عمر: إلا الشّقاء والسّعادة، فإنهما لا يتغيّران.
٥- الغاية من القرآن إنذار البشر وتخويفهم العذاب ليصلح حالهم في الدنيا.
٦- إن إنزال القرآن كان بأمر اللَّه ومن عنده.
٧- كان إنزاله رحمة من اللَّه بعباده.
٨- كان إنزاله محققا لمصالح الناس وحاجاتهم، لأن اللَّه هو السّميع العليم،

صفحة رقم 209
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية