آيات من القرآن الكريم

يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹ

إليه من التوحيد، وأعلن أن الله ربه وربهم، وأمرهم بإخلاص العبادة لله، والتوحيد والعبادة صراط مستقيم، وما سواه معوّج لا يؤدي إلى الحق.
وإذا كان هذا قول عيسى عليه السلام، فكيف يجوز أن يكون إلها أو ابن إله؟
٩- اختلفت أحزاب أهل الكتاب من اليهود والنصارى أو الفرق المتحزبة بعد عيسى من النصارى وهم الملكانية واليعقوبية والنسطورية، اختلفوا في عيسى، فقالت النسطورية: هو ابن الله، وقالت اليعاقبة: هو الله، وقالت الملكية: ثالث ثلاثة أحدهم الله، فويل للذين كفروا وأشركوا عذاب يوم مؤلم وهو يوم القيامة.
١٠- لا ينتظر الأحزاب إلا مجيء القيامة فجأة، وهم لا يفطنون بمجيئها، ولا يشعرون بحدوثها. وفائدة قوله: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بعد قوله:
بَغْتَةً بيان أنهم لا يعرفون وجودها بسبب من الأسباب التي يشاهدونها.
ألوان نعيم المتقين أهل الجنة
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٦٧ الى ٧٣]
الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (٦٧) يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١)
وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (٧٣)

صفحة رقم 180

الإعراب:
الَّذِينَ آمَنُوا صفة ل عِبادِ.
وَكانُوا مُسْلِمِينَ حال من واو الَّذِينَ آمَنُوا.
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ أَنْتُمْ: مبتدأ، وخبره: تُحْبَرُونَ.
تِلْكَ الْجَنَّةُ مبتدأ وخبر.
البلاغة:
بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ بعد الكلمة الأخيرة ما يسمى بحذف الإيجاز، أي أكواب من ذهب، وحذف لدلالة ما قبله عليه.
وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ عام بعد خاص هو قوله: يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ.
المفردات اللغوية:
الْأَخِلَّاءُ الأحباء في الدنيا، جمع خليل: وهو الصاحب والصديق يَوْمَئِذٍ يوم القيامة بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ أي يتعادون يومئذ، لأن مودتهم في الدنيا كانت قائمة على المعصية إِلَّا الْمُتَّقِينَ المتحابين في الله على طاعته فإنهم أصدقاء، لأن الصداقة إذا كانت مبنية على تقوى الله بقيت نافعة إلى الأبد.
يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ هذا ما ينادى به المتقون المتحابون في الله يومئذ الَّذِينَ آمَنُوا صفة أو نعت لكلمة يا عِبادِ. بِآياتِنا القرآن وَكانُوا مُسْلِمِينَ مخلصين، وهذه العبارة آكد من سابقتها، لأنها عبرت عن الإخلاص وَأَزْواجُكُمْ نساؤكم أو زوجاتكم المؤمنات تُحْبَرُونَ تسرّون وتكرمون، يقال: حبره الله: سرّه، والحبور يدل على ظهور أثر السرور على الوجه نضارة وحسنا.
بِصِحافٍ جمع صحفة: وهي كالقصعة: إناء يوضع فيه الأكل يكفي خمسة.
وَأَكْوابٍ جمع كوب: وهو إناء لا عروة له يشرب منه الشارب وَفِيها في الجنة ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ تلذذا وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ بمشاهدته وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ الخلود ينبئ بمعنى الاستقرار والأمان، فإن كل نعيم زائل إلا نعيم الجنة أُورِثْتُمُوها شبّه جزاء العمل بالميراث، لأنه يخلفه ويأتي بعده مِنْها تَأْكُلُونَ تأكلون بعضها لكثرتها ودوام نوعها، فكل ما يؤكل يخلف بدله.

صفحة رقم 181

سبب النزول: نزول الآية (٦٧) :
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ..: حكى النقّاش أن هذه الآية نزلت في أميّة بن خلف الجمحي وعقبة بن أبي معيط، كانا خليلين، وكان عقبة يجالس النبي صلّى الله عليه وسلّم. فقالت قريش: قد صبأ عقبة بن أبي معيط، فقال له أمية: وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمدا، ولم تتفل في وجهه، ففعل عقبة ذلك، فنذر النبي صلّى الله عليه وسلّم قتله، فقتله يوم بدر صبرا «١»، وقتل أمية في المعركة، وفيهم نزلت هذه الآية.
المناسبة:
بعد التهديد بمجيء القيامة بغتة، ذكر الله تعالى عقيبه بعض أحوال القيامة، ووصف هنا ألوان نعيم أهل الجنة، ثم أتبعه ببيان أوصاف عذاب أهل النار، فذكر هنا تعادي الأخلاء إلا المتقين، واطمئنان المؤمنين في نعيم الجنة في سرور دائم وتمتعهم بأصناف الترف جزاء عملهم الصالح في الدنيا.
التفسير والبيان:
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ أي الأصدقاء في الدنيا المتحابون فيها يعادي بعضهم بعضا يوم القيامة إلا المتقين فإن صداقاتهم تستمر في الآخرة، والمعنى: أن كل صداقة وصحابة لغير الله تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله عز وجل، فإنه دائم بدوامه، وهذا كما قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ، وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة ٢/ ٢٥٤] وكما قال إبراهيم عليه السلام لقومه:

(١) الصبر: نصب الإنسان للقتل.

صفحة رقم 182

إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ، وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، وَمَأْواكُمُ النَّارُ، وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ [العنكبوت ٢٩/ ٢٥].
ثم وصف الله تعالى أنواع نعيم المتقين، فقال:
يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ أي يقال لهؤلاء المتقين المتحابين في الله: لا تخافوا من العقاب في الآخرة، ولا تحزنوا على ما فاتكم من نعيم الدنيا، فإن نعيم الآخرة هو الباقي، والدنيا فانية.
روى الحافظ ابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال:
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أن رجلين تحابا في الله، أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب، لجمع الله تعالى يوم القيامة بينهما، يقول: هذا الذي أحببته فيّ».
وبعد أن نفى تعالى عنهم المخاوف والأحزان، خصص ذلك بالمؤمنين المسلمين بقوله:
الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ أي إن القول المتقدم ليس لجميع الناس، بل للمؤمنين بالقرآن، المنقادين لأحكام الله، المخلصين له العبادة والطاعة، أي آمنت قلوبهم، وانقادت جوارحهم لشرع الله، قال المعتمر بن سليمان عن أبيه: إذا كان يوم القيامة، فإن الناس حين يبعثون لا يبقى أحد منهم إلا فزع، فينادي مناد: يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ فيرجوها الناس كلهم، فيتبعها: الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ فييأس الناس منها غير المؤمنين.
ثم بشرهم صراحة بالجنة قائلا:
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ أي يقال لهم: ادخلوا الجنة أنتم ونساؤكم المؤمنات تكرمون وتنعمون وتسعدون غاية الإكرام والسعادة.

صفحة رقم 183

وألوان النعيم هي:
يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ، وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ، وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ، وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ أي لكم في الجنة أنواع مختلفة من المطاعم والمشارب، يقدم فيها الطعام والشراب بآنية الذهب، والكوب: كوز لا عروة له. ولكم فيها من ألوان الأطعمة والأشربة وغيرها من الألبسة والمسموعات كل ما تطلبه النفوس وتهواه كائنا ما كان، وكل ما يمتع الأعين من المستلذات والمشاهد والمناظر الخلابة، وأسماها النظر إلى وجه الله الكريم من غير حصر ولا كيف، وأنتم فيها ماكثون على الدوام، لا تموتون ولا تخرجون منها، ولا تبغون عنها تحولا.
وسبب هذا الجزاء عملهم الصالح، فقال تعالى:
وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي إن تلك الجنة بما فيها من ألوان النعيم صارت إليكم كما يصير الميراث إلى الوارث، بسبب ما كنتم تعملونه في الدنيا من الأعمال الصالحة.
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كل أهل النار يرى منزله من الجنة حسرة، فيكون له، فيقول: لو أن الله هداني لكنت من المتقين، وكل أهل الجنة يرى منزله من النار، فيقول: وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، فيكون له شكرا» ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار، فالكافر يرث المؤمن منزله من النار، والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنة، وذلك قوله تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ».
وبعد ذكر الطعام والشراب ذكر بعده الفاكهة لإتمام النعمة، فقال تعالى:
لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ، مِنْها تَأْكُلُونَ أي لكم في الجنة غير الطعام

صفحة رقم 184

والشراب فاكهة كثيرة الأنواع والأصناف، تأكلون منها مهما اخترتم وأردتم، كلما قطفتم ثمرة جددت لكم ثمرة أخرى.
فقه الحياة أو الأحكام:
تضمنت الآيات الأحكام التالية من أحكام يوم القيامة:
١- الأصحاب والأصدقاء في الدنيا يكونون يوم القيامة أعداء، يعادي بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا إلا المتقين، فإنهم أصدقاء متحابون في الدنيا والآخرة.
وهذا دليل على أن الخلّة أو الصحبة إذا كانت على المعصية والكفر، صارت عداوة يوم القيامة، أما الموحدون الذين يخالل بعضهم بعضا على الإيمان والتقوى، فإن خلتهم لا تصير عداوة.
٢- عباد الله المؤمنون المطيعون المتقون آمنون في الآخرة من الخوف، متخلصون من الحزن، قد أزال الله عنهم الخوف والحزن كما وعدهم، وأشعرهم بالفرح من نواح أربع هي:
أ- خاطبهم تعالى بنفسه من غير واسطة، بقوله: يا عِبادِ...
ب- وصفهم تعالى بالعبودية، وهذا تشريف عظيم، كما شرف محمدا صلّى الله عليه وسلّم ليلة المعراج، فقال:- سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ... [الإسراء ١٧/ ١].
ج- أزال عنهم الخوف يوم القيامة بالكلية، وهذا من أعظم النعم.
د- نفى عنهم الحزن عما فاتهم من نعيم الدنيا الماضية «١».
٣- يكرم الله المؤمنين إكراما على سبيل المبالغة، فيدخلهم الجنة هم

(١) تفسير الرازي: ٢٧/ ٢٢٥.

صفحة رقم 185

وأزواجهم المؤمنات المسلمات في الدنيا، بعد أن أمّنهم من الخوف والحزن. وهذا يعني أن حسابهم يمر على أسهل الوجوه وأحسنها.
٤- تقدّم الأطعمة والأشربة لأهل الجنة فيها بآنية الذهب. أما في الدنيا فيحرم استعمال أواني الذهب والفضة،
جاء في الصحيحين عن حذيفة أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تلبسوا الحرير ولا الدّيباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة».
وروى الأئمة من حديث أم سلمة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الذي يشرب في آنية الذهب والفضة، إنما يجرجر في بطنه نار جهنم»
وهذان الحديثان يقتضيان التحريم، بلا خلاف في ذلك.
والنهي عن الأكل والشرب يدل على تحريم الاستعمال والانتفاع بمختلف الأوجه، لأنه نوع من المتاع، فلم يجز، ومن استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه.
أما الإناء المضبب بالذهب أو الفضة أو المشتمل على حلقة منهما، كالمرآة ذات الحلقة الفضية، فلا يشرب فيه، ولا ينظر في المرآة.
وإذا لم يجز استعمال الإناء لم يجز اقتناؤه، لأن ما لا يجوز استعماله لا يجوز اقتناؤه كالصنم والطّنبور «١».
٥- في الجنة كل ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، وأهلها باقون دائمون فيها،
روى الترمذي عن سليمان بن بريدة عن أبيه: «أن رجلا سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، هل في الجنة من خيل؟ قال: إن الله أدخلك الجنة، فلا تشاء أن تحمل على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت.

(١) الطنبور: من آلات الطرب، ذو عنق طويل، وستة أوتار من نحاس.

صفحة رقم 186
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية