آيات من القرآن الكريم

الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ
ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹ

الصراط المستقيم وهو عبادة الرب جل وعلا وحده. وقوله سبحانه وتعالى: فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ أَيِ اخْتَلَفَتِ الْفِرَقُ وَصَارُوا شِيَعًا فِيهِ، مِنْهُمْ مَنْ يُقِرُّ بِأَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَهُوَ الْحَقُّ وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ وُلَدُ اللَّهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ اللَّهِ. تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا ولهذا قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٦٦ الى ٧٣]
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٦٦) الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (٦٧) يا عِبادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠)
يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (٧٣)
يَقُولُ تَعَالَى: هَلْ يَنْتَظِرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْمُكَذِّبُونَ لِلرُّسُلِ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَيْ فَإِنَّهَا كَائِنَةٌ لَا مَحَالَةَ وَوَاقِعَةٌ، وَهَؤُلَاءِ غَافِلُونَ عَنْهَا غير مستعدين فَإِذَا جَاءَتْ إِنَّمَا تَجِيءُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِهَا فَحِينَئِذٍ يَنْدَمُونَ كُلَّ النَّدَمِ حَيْثُ لَا ينفعهم ولا يدفع عنهم، وقوله تَعَالَى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ أَيْ كُلُّ صَدَاقَةٍ وَصَحَابَةٍ لِغَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّهَا تَنْقَلِبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدَاوَةً، إِلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ دَائِمٌ بِدَوَامِهِ، وهذا كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام لِقَوْمِهِ: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ [الْعَنْكَبُوتِ: ٢٥].
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ قَالَ: خَلِيلَانِ مُؤْمِنَانِ وَخَلِيلَانِ كَافِرَانِ، فَتُوُفِّيَ أَحَدُ الْمُؤْمِنَيْنِ وَبُشِّرَ بِالْجَنَّةِ، فَذَكَرَ خَلِيلَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ فُلَانًا خَلِيلِي كَانَ يَأْمُرُنِي بِطَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ وَيَأْمُرُنِي بِالْخَيْرِ وَيَنْهَانِي عَنِ الشَّرِّ، وَيُنْبِئُنِي أَنِّي مُلَاقِيكَ، اللَّهُمَّ فَلَا تُضِلَّهُ بَعْدِي حتى تريه مثلما أَرَيْتَنِي، وَتَرْضَى عَنْهُ كَمَا رَضِيتَ عَنِّي، فَيُقَالُ له اذهب فلو تعلم ماله عِنْدِي لَضَحِكْتَ كَثِيرًا وَبَكَيْتَ قَلِيلًا قَالَ: ثُمَّ يَمُوتُ الْآخَرُ فَتَجْتَمِعُ أَرْوَاحُهُمَا فَيُقَالُ: لِيُثْنِ أَحَدُكُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: نِعْمَ الْأَخُ وَنِعْمَ الصَّاحِبُ وَنِعْمَ الْخَلِيلُ.
وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْكَافِرَيْنِ وَبُشِّرَ بِالنَّارِ ذَكَرَ خَلِيلَهُ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّ خَلِيلِي فُلَانًا كَانَ يَأْمُرُنِي بِمَعْصِيَتِكَ وَمَعْصِيَةِ رَسُولِكَ. وَيَأْمُرُنِي بِالشَّرِّ وَيَنْهَانِي عَنِ الْخَيْرِ، وَيُخْبِرُنِي أَنِّي غَيْرُ مُلَاقِيكَ.
اللَّهُمَّ فَلَا تَهْدِهِ بَعْدِي حَتَّى تُرِيَهُ مِثْلَ مَا أَرَيْتَنِي وَتَسْخَطَ عَلَيْهِ كَمَا سَخِطْتَ عَلَيَّ. قَالَ: فَيَمُوتُ الْكَافِرُ الْآخَرُ فَيُجْمَعُ بَيْنَ أَرْوَاحِهِمَا فَيُقَالُ: لِيُثْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: بِئْسَ الْأَخُ وَبِئْسَ الصَّاحِبُ وَبِئْسَ الْخَلِيلُ! رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَقَالَ ابن عباس

صفحة رقم 218

رضي الله عنهما وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: صَارَتْ كُلُّ خِلَّةٍ عَدَاوَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا الْمُتَّقِينَ.
وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ هِشَامِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْخَضِرِ بِالرِّقَّةِ عَنْ مُعَافًى، حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ أَحَدُهُمَا بِالْمُشْرِقِ وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ لَجَمَعَ اللَّهُ تعالى بَيْنَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ هَذَا الَّذِي أَحْبَبْتَهُ فيّ».
وقوله تبارك وتعالى: يا عِبادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ثُمَّ بَشَّرَهُمْ فَقَالَ:
الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ أَيْ آمَنَتْ قُلُوبُهُمْ وَبَوَاطِنُهُمْ وَانْقَادَتْ لِشَرْعِ اللَّهِ جَوَارِحُهُمْ وَظَوَاهِرُهُمْ، قَالَ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ النَّاسَ حِينَ يُبْعَثُونَ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْهُمْ إلا فزع فينادي مناد يا عِبادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ فَيَرْجُوهَا النَّاسُ كُلُّهُمْ، قَالَ: فَيُتْبِعُهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ قَالَ: فَيَيْأَسُ النَّاسُ مِنْهَا غَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ «١».
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَيْ يُقَالُ لَهُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ أَيْ نُظَرَاؤُكُمْ تُحْبَرُونَ أي تتنعمون وتسعدون وقد تقدم فِي سُورَةِ الرُّومِ. يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ أَيْ زَبَادِيِّ آنِيَةِ الطَّعَامِ وَأَكْوابٍ وَهِيَ آنِيَةُ الشَّرَابِ أَيْ مِنْ ذَهَبٍ لَا خَرَاطِيمَ لها ولا عرى وفيها ما تشتهي الْأَنْفُسُ وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ أي طيب الطعام وَالرِّيحِ وَحُسْنَ الْمَنْظَرِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا معمر، أخبرني إسماعيل بن أبي سعيد قال: إن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً وَأَسْفَلَهُمْ دَرَجَةً لَرَجُلٌ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَعْدَهُ أَحَدٌ، يُفْسَحُ لَهُ فِي بَصَرِهِ مَسِيرَةَ مِائَةِ عَامٍ فِي قُصُورٍ مِنْ ذَهَبٍ وَخِيَامٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا مَعْمُورٌ يُغَدَّى عَلَيْهِ وَيُرَاحُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ صَحْفَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، لَيْسَ فِيهَا صَحْفَةٌ إِلَّا فِيهَا لَوْنٌ لَيْسَ فِي الْأُخْرَى مِثْلُهُ، شَهْوَتُهُ فِي آخِرِهَا كشهوته في أولها، ولو نَزَلَ بِهِ جَمِيعُ أَهْلِ الْأَرْضِ لَوَسِعَ عَلَيْهِمْ مِمَّا أُعْطِيَ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِمَّا أُوتِيَ شَيْئًا» «٢».
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سواد السرحي، حدثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ وَذَكَرَ الْجَنَّةَ فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَيَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمُ اللُّقْمَةَ فَيَجْعَلُهَا فِي فِيهِ، ثُمَّ يَخْطُرُ عَلَى بَالِهِ طَعَامٌ آخَرُ فَيَتَحَوَّلُ الطَّعَامُ الَّذِي فِي فِيهِ عَلَى الَّذِي اشْتَهَى» ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(١) انظر تفسير الطبري ١١/ ٢٠٩.
(٢) انظر الحديث في الدر المنثور ٥/ ٧٣٢.

صفحة رقم 219
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية