
وروى ابن وهب عن مالك أنه قال: " يموت عيسى (في المدينة) فيدفن مع النبي ﷺ ومع أبي بكر وعمر، وقد ترك موضع قبره بينهم.
قال عبد الله بن سلام: نجد في التوراة أن عيسى يدفن مع محمد ﷺ.
وكان بعض الصحابة يتوقع قرب نزوله.
وروي عن أبي هريرة أنه كان يلقى الغلام الشاب فيقول له: إن لقيت عيسى بن مريم فأَقْرَه عني السلام، وقاله أبو ذر لبعض جلسائه.
وقيل: المعنى: وإن محمداً لعلم للساعة لأنه خاتم النبيين. فيكون معناه: يُعْلِمُ بَعْثُهُ قُرْبَ قيام الساعة. وهي في قراءة أبي: " وإِنَّهُ لَذِكْرٌ للسَّاعَةِ ".
ثم قال تعالى: ﴿فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا﴾، أي: لا تشكن في قيام الساعة أيها الناس.
ثم قال: ﴿واتبعون هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾، أي: وأطيعون أيها الناس، هذا الذي جئتكم به طريق لا عوج فيه.
قوله تعالى: ﴿وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشيطان﴾ - إلى قوله -: ﴿مِّنْهَا تَأْكُلُونَ﴾، أي: ولا يمنعكم الشيطان من اتباع الحق.

﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ أي: ظاهرة العداوة.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَآءَ عيسى بالبينات قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة﴾، أي: ولما جاء عيسى) بني إسرائيل) بني إسرائيل بالآيات الواضحات. يعني: المعجزات.
وقيل: بالبينات: بالإنجيل: قاله قتادة، قال لهم قد جئتكم بالحكمة.
قال السدي: الحكمة ها هنا النبوءة.
وقيل: الحكمة، الإنجيل.
ثم قال: ﴿وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الذي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾.
قال أبو عبيدة: " بعض " بمعنى: " كل " وَرَدَّ ذلك أكثر العلماء لأن فيه التباسَ المعاني وفسادَ الأصول ونقضَ العربية.
والمعنى عند الزجاج: ولأبين لكم في الإنجيل بعض الذي تختلفون فيه. (فبين

لهم من غير الإنجيل ما احتاجوا إليه.
وقيل معناه: إنه يبين لهم بعض الذي اختلفوا فيه من أحكام التوراة على مقدار ما سألوه عنه، ويجوز أن يختلفوا في أشياء غير ذلك لم يسألوه عن بيانها.
قال مجاهد/ معناه: ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه من تبديل التوارة.
وقيل المعنى إن بني إسرائيل اختلفوا بعد موسى في أِشياء من أمر دينهم، وأشياء من أمر دنياهم/ فبين لهم عيسى بعض ما اختلفوا فيه وهو أمر دينهم خاصة، فلذلك قال: ﴿بَعْضَ الذي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾.
ثم قال: ﴿فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ﴾، أي: فاتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، وأطيعون فيما أقول لكم.

﴿إِنَّ الله هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه﴾، أي: إن الذي يستوجب الإفراد بالعبادة هو الله.
﴿هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾، أي: هذا الذي أمرتكم به هو الطريق المقوم الذي لا يوصل إلى رضى الله إلا باتباعه.
ثم قال تعالى: ﴿فاختلف الأحزاب مِن بَيْنِهِمْ﴾.
قال قتادة: الأحزاب هنا، هم الأربعة الذين أخرجهم بنو إسرائيل يقولون في عيسى.
فكر ابن حبيب أن النصارى افترقت في عيسى بعد رفعه على ثلاث فرق:
فرقة قالت: هو الله، هم اليعقوبية قال الله عنهم:

﴿لَّقَدْ كَفَرَ الذين قآلوا إِنَّ الله هُوَ المسيح ابن مَرْيَمَ﴾ [المائدة: ١٧].
وفرقة ثانية قالت: هو ابن الله، وهم النسطورية. وهم الذين قال الله فيهم: ﴿وَقَالَتِ اليهود عُزَيْرٌ ابن الله﴾ [التوبة: ٣٠].
وفرقة ثالثى قالت: هم ثلاثة: الله إله، وعيسى إله، وأمه إله وهم الملكانية. وهم الذي قال الله فيهم: ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الذين قالوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ﴾ [المائدة: ٧٣].

فالنصارى إلى اليوم على هذه إلى اليوم على هذه الثلاث فرق. وكانوا فيه - إذ كان بين أظهرهم - على فرقتين: فرقت آمنت به، وفرقة كفرت به - وهم الأكثر - ثم لما رفع اختلفوا/ فيه على هذه الأقوال الثلاثة.
وقال السدي: " الأحزاب: اليهود والنصارى ".
ومعنى من بينهم، أي: من بين من دعاهم عيسى إلى ما دعاهم إليه من اتقاء الله والعمل بطاعته.
ثم قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾، أي: فالوادي السائل من القيح والصديد في جهنم للذين كفروا بالله من عذاب يوم أليم، وهو يوم القيامة.
ثم قال تعالى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾، أي: هل ينظر هؤلاء الأحزاب المختلفون في عيسى إلا الساعة (بغتى، أي: فجأة).
" وأن " في موضع نصب بدل من " الساعة " بدل الاشتمال.
﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾، أي: لا يعلمون بمجيئها.
ثم قال تعالى: ﴿الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين﴾ أي: المتخالون على

معاصي الله في الدنيا يوم تقوم الساعة يتبرأ بعضهم إلإ الذين تخالوا فيها على تقوى الله.
قال ابن عباس: " كل خلة في الدنيا هي عداوة يوم القيامة، إلا خلى المتقين ".
وقال مجاهد، معناه: الأخلاء في الدنيا على معصية الله متعادون يوم القيامة.
ثم قال تعالى: ﴿ياعباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ وفي الكلام حذف، أي: إلا المتقين، فإنه يقال لهم يا عبادي لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون على فراق الدنيا، لأنكم قَدِمْتُمْ على ما هو أفضل منها.
وروي (أن الناس) ينادون بهذا النداء يوم القيامة فيطمع فيها من ليس من أهلها، حتى إذا سمع قوله: ﴿الذين آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ﴾ (فييئس منها عند ذلك كل أحد إلا المسلمين ومعنى " وكانوا مسلمين "، أي: وكانوا أهل خضوع لله تعالى

بقلوبهم.
وقيل: ﴿فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ﴾ [النمل: ١٣، غافر: ٨٣] الرسل واستسلام له.
وروي عن بعض التابعين أنه قال يخرجون من القبور وكلهم مدعين فيناديهم منادٍ: ﴿ياعباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ فيطمع فيها الخلق كلهم/ فيتبعها: ﴿الذين آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ﴾. فيئس منها الخلق إلا أهل الإسلام.
قال (ابن عباس): يخرجون فينطرزن إلى الأرض غير الأرض التي عهدوا، (وإلى الناس غير الناس الذين عهدوا).
وكان ابن عباس يتمثل بعد هذا القول بقول الشاعر:
فَمَا النَّاسُ بِالنَّاسِ الذِينَ عَهِدتَّهُمْ ولا الدَّارُ بِالدَّارِ الَّتِي كَنْتَ تَعْرِفُ

ثم قال تعالى: ﴿ادخلوا الجنة أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ﴾، أي: تكرمون، قاله ابن عباس.
وروي أن النبي ﷺ سئل هل تحبرون فقال: " اللَّذَّةُ والسَّماعُ بِمَا شَلءَ اللهُ (مِن ذِكْرِهِ) ".
" فالذين " يحتمل أن يكون مبتدأ " وادخلوا " الخبر على حذف القول، أي: يقال لهم: ادخلوا الجنة.
ويجوز أن يكون نعتاً " للعباد " في موضع نصب، يدل على ذلك قوله: ﴿ادخلوا الجنة﴾ وما بعده. فأتى بلفظ الخطاب.
ويدل على الوجه الأول قوله: ﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ﴾ وما بعده، فأتى بلفظ الغيبة. فالعباد مخاطبون لأن المنادى مخاطب.
" والذين " لفظهم لفظ غيبة. فكلا (الوجهين له) دليل.
ثم قال تعالى: ﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ﴾، أي: يطاف على هؤلاء الذين آمنوا في الجنة بقصاع من ذهب وأكواب من ذهب، أي: يطوف عليهم بذلك الغلمان.

والأكواب التي ليست لها آذان "، قاله السدي.
وقال قتادة: هي دون الأباريق. وقيل: الكوب الإبريق المستدير الذي لا أذن له ولا خرطوم.
والمعنى: يطاف عليهم في الجنة بصحاف الطعام وأكواب الطعام وأكواب الشراب من ذهب. فاستغنى بذكر الصحاف والأكواب عن ذكر الطعام والشراب لمعرفة السامعين بمعناه.
قال ابن جبير: إن أدنى أهل الجنة منزلة مَنْ له قصر فيه سبعون ألف خادم، في يد كل خادم صحفة سوى ما في يد صاحبتها. لو فَتَحَ بابه فضافَه أهل الدنيا لوسعهم، ر يستعين عليهم بشيء من غيره، وذلك قوله: ﴿لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا﴾ [ق: ٣٥] ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس﴾.

قال عبد الله بن عمر: (وما أحد) من أهل الجنة إلا يسعى عليه ألف غلام، (كل غلام على) عمل خلاف ما عليه صاحبه.
وقوله: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس﴾، أي: وفي الجنة ما تشتهي نفوسكم أيها المؤمنون وتلذ أعينكم. ﴿وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾، أي: ماكثون أبداً.
" وروى سفيان أن رجلاً سأل النبي ﷺ فقال يا رسول الله، إني أحب الخيل، فهل في الجنة خيل؟ فقال له: " إنْ يُدْخِلكَ اللهُ الجَنَّةَ - إِنْ شَاءَ اللهُ - فَلاَ تَشَاءُ أََنْ تَرْكَبَ فَرَساً مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ يَطيرُ بِكَ في أَيِّ الجَنَّةِ شِئْتَ إِلاَّ فَعَلْتَ. فقال الأعرابي: يا رسول الله، إني أحب الإبل، فهل في الجنة إبل؟ فقال: يَا أَعْرَابِيُّ، إِنْ يُدْخِلَكَ اللهُ الجَنَّةَ - إِنْ شَاءَ اللهُ - فَفِيها مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ لَكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ ".

وقال أبو أمامه: إن الرجل من أهل الجنة ليشتهي الطائر وهو يطير فيقع في كفه نضيحاً فيأكل منه (حيث تشتهي) نفسه / ثم يطير، ويشتهي الشراب، فيقع الإبريق في يده فيشرب منه ما يريد، ثم يرجع إلى مكانه.
وقال أبو طيبة السلمي: إن الشَّرْبَ من أهل الجنة لَتُظِلُّهُم السحاب، فقال فتقول: ما ما أمطركم؟ قال: فما يدعو داع شيئاً إلا أمطرتهم، حتى إن القائل منهم ليقول أمطرينا كواعب أتراباً.
ثم قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الجنة التي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، (أي: وتلك الجنة أورثكموها الله عن أهل النار، بما كنتم تعملون) في الدنيا من الخير.