آيات من القرآن الكريم

۞ وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ
ﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ

قال الله: ﴿فاستخف قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ﴾، أي: فاستخف فرعون عقول قومه من القبط بقوله فقبلوا منه فأطاعوه على الكفر وتكذيب موسى.
﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾، أي: خارجين عن طاعة الله سبحانه بكفرهم وتكذيبهم لموسى وتركهم قبول ما جاء هم به.
قوله تعالى: ﴿فَلَمَّآ آسَفُونَا انتقمنا مِنْهُمْ﴾ - إلى قوله -: ﴿صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ أي: فلما أغضبونا حلت بهم العقوبة فأغرقوا في البحر / أجمعين.
قال مجاهد وقتادة والسدي وابن زيد: آسفونا: أغضبونا.
وعن ابن عباس: " آسفونا: أسخطونا ". وعنه: أغضبونا.
حلت بهم العقوبة فأغرقوا في البحر / أجمعين.
قال مجاهد وقتادة والسدي وابن زيد: آسفونا: أغضبونا.
وعن ابن عباس: " آسفونا: أسخطونا ". وعنه: أغضبونا.
ثم قال تعالى: ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ﴾. السَّلَف، جمع سَالِف، كخَادِم

صفحة رقم 6679

وَخَدَم، وتَابع وَتَبَع، وَغَائِب وغيب. والعرب تقول: هؤلاء سلفنا.
وقرأ الكسائي وحمزة: " سُلُفًا " بضمتين وهو جمع سليف حكاه الفراء.
وقرأ حميد الأعرج: " سُلَفاً " بضم السين وفتح اللام، وجمع سلفة، والسلفة: الفرقة المتقدمة.
والمعنى: فجعلنا هؤلاء الذين أغرقنا مقدمة يتقدمون إلى النار كما سنفعل بكفار قومك يا محمد.

صفحة رقم 6680

وقيل: المعنى: فجعلنا قوم فرعون سلفا لكفار قومك يا محمد يتقدمونهم إلى النار: قاله مجاهد.
وقوله: ﴿وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ﴾، أي: عبرة وعظة لمن يأتي بعدهم.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾، أي: ولما شبه الله تعالى عيسى في إحداثه إياه من غير فحل بآدم إذا قومك يا محمد منه يضحكون ويقولون: ما يريد منا إلا أن نتخذه إلها كما تخذت النصارى المسيح، قاله مجاهد.
" وقال ابن عباس لما قال الله تعالى لقريش: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾، قالت قريش للنبي ﷺ فما ابن مريم؟ فقال: ذلك عبد الله ورسوله: فقالوا: والله ما يريد هذا إلا أن نتخذه رباً كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم رباً. فقال الله: ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ ".

صفحة رقم 6681

وقيل: إن الآية نزلت في ابن الزبعرى، وذلك أنه لما أنزل الله جل ذكره ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨]. قال فالنصارى تعبد المسيح. فقال الله: ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً﴾ أي: قد علموا أنه لا يراد بالآية عيسى، وإنما يراد بها الأصنام.
قال الكسائي والفراء: " يصدون " (بالضم والكسر) لغتان، بعمنى يعرضون. وقال قطرب هما لغتان بمعنى يضحكون.

صفحة رقم 6682

وقال أبو عبيد: " يَصِدُّون " بالكسر: يضجون، وبالضم يعرضون، وهو قول يونس وعيسى الثقفي.
والاختيار في القراءة عند أبي عبيد بالكسر على معنى يضجون لأنها لو كانت بالضم على معنى يعرضون لكان اللفظ: إذا قومك عنه يَصُدُّون.
ثم قال تعالى: ﴿وقالواءَأَ الهتنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ﴾، أي: وقال مشركو قومك يا محمد: أآلهتنا خير أم محمد، فنعبد محمداً ونترك آلهتنا.
وفي خرف أُبي: " ءالهتنا خير أم هذا "، يعني: محمداً ﷺ.
وقال السدي معناه: أآلهتنا خير أم عيسى قال: وذلك أنهم خاصموه فقالوا:

صفحة رقم 6683

أتزعم أن كل من عبد من دون الله في النار، فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى ابن مريم وعزير والملائكة، هؤلاء قد عُبدوا من دون الله. قال: فأنزل الله براءة عيسى وشِبْهِهِ في قوله: ﴿إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى﴾ [الأنبياء: ١٠١] الآية.
وقوله: ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً﴾، أي: ما مثلوا لك هذا المثل يا محمد إلا للجدل والخصومة. أي: لم يقولوا هذا على طريق المناظرة ولا على (وجه التثبت)، إنما قالوه طلباً للخصومة في الباطل.
وهذا فرق بين الجدال والمناظرة، لأن المتناظرين كل واحد منهما يطلب الصواب. والمتجادلين إنما يطلبان تثبيت ما لم يتيقنا صحته، أو ما قد علما باطله. فالمجادل يحاول إثبات الباطل على نفسه، والمناظر يحاول إظهار الصواب عند نفسه.

صفحة رقم 6684

وعن النبي ﷺ ( أنه قال): " مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدىً كَانُوا عَلَيْهِ إِلاَّ أُوتُوا الجَدَلَ ".
قال سفيان: " بل هم قوم خصمون "، حُدِّثْتُ أنها نزلت في ابن الزبعرى. ثم قال تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾، أي: ما عيسى إلا عبد أنعم الله عليه بالتوفيق بالإيمان، وجعله الله آية لبني إسرائيل، وحجة عليهم، وهو قوله، ﴿وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لبني إِسْرَائِيلَ﴾. وقيل معنى مثلاً، أي بشراً مثلهم، فضل عليهم.
ثم قال: ﴿وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي الأرض يَخْلُفُونَ﴾، أي: ولو نشاء يا معشر بني آدم أهلكناهم وجعلنا منكم بدلاً في الأرض من الملائكة يعبدون الله، وهو نحو قوله: ﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا الناس وَيَأْتِ بِآخَرِينَ﴾ [النساء: ١٣٣]، و ﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ مَّا يَشَآءُ﴾ [الأنعام: ١٣٣].
وقال ابن عباس: " يخلفون، " يخلفون، أي: يخلف بعضهم بعضاً "، وقاله قتادة. وقال

صفحة رقم 6685

غيرهما: " يخلفون " معناه: يكونون خلفاً من بني آدم.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ﴾، أي: وإن ظهور عيسى علم يعلم به قرب قيام الساعة أي: هو من أشراطها، ونزوله إلى الأرض دليل على فناء الدنيا وإقبال الآخرة هذا معنى قول ابن عباس والحسن ومجاهد، وهو قول قتادة والضحاك وابن زيد.
فالهاء في: " وإنه " تعود على عيسى على قولهم.
وقد قرأ مجاهد: " وإنه لَعَلَمٌ " بفتحتيت على معنى: وإن نزول عيسى لعلامة لقرب الساعة.
ورُوي عن الحسن أنه قال معناه: وإن هذا القرآن لعلم للساعة، وحكي مثله

صفحة رقم 6686

عن قتادة.
روي عن النبي ﷺ أنه قال: " لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَماً عَدْلاً فَلَيَكْسِرْنَّ الصَّلِيبَ وَلَيَقْتُلَنَّ الخِنْزِيرَ ".
وروى مالك عن ابن شهاب عن حنظلة بن علي الأسلمي عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال:
" لَيَهلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ (الرَّوْحَاءِ حَاجّاً ومُعْتَمِراً) أَوْ لَيُثَنِّهِمَا جَميعاً ".

صفحة رقم 6687

وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أبي هريرة قال: " لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ حَكَماً عَدْلاً وَإِمَاماً مُقْسِطاً، فَيَكْسرُ الصَّليبَ، وَيَقْتُلُ الخِنْزيرَ، وَيضعُ الجِزْيةَ، وَتَضَعُ الحَرْبَ أَوْزَارَهَا، وتَكُونُ السَّجْدَةُ وَاحِدَةً لله ربِّ العَالَمينَ ".
وقال النبي ﷺ: " يَقْتُلُ ابْنُ مَرْيَمَ الدَّجَالَ (بِبابِ لُدٍّ) ".
قال ابن القاسم عن مالك: بينهما الناس (بباب لد) إذ يسمعون الإقامة، فتغاشهم غمامة، فإذا عيسى ابن مريم قد نزل.

صفحة رقم 6688

وروي عن النبي ﷺ أنه قال: " يَنْزِلُ عِيسَى عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقيّ دِمَشْقَ ".
وروي (عن ابن عمر) أنه قال: " يخرج الدجال، ويبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود الثقفي، فيطلبه ويهلكه.
وروي عنه ﷺ أنه قال: " لاَ تَهْلَكُ أُمَّةً أَنَا أَوَّلُها والمَسِيحُ آخِرُهَا ".

صفحة رقم 6689
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية