آيات من القرآن الكريم

أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ
ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ

٣٢ - فقال الله -عز وجل- إنكارًا وردًا عليهم: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾ قال ابن عباس: نبوة ربك، وهو قول جميع المفسرين (١)، والمعنى: أنهم [أعرضوا] (٢) على الله بقولهم لِمَ لَمْ ينزل هذا القرآن على غير محمد؟ فبين الله -عز وجل- أنه هو الذي يقسم بفضله ورحمته لا غير، وقال مقاتل في هذه الآية: أبأيديهم مفاتيح الرسالة فيضعونها حيث شاءوا، أي: أنها ليست بأيديهم، ولكنا نختار لها من نشاء من عبادنا (٣).
ثم قال قوله تعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال ابن عباس: يريد أرزاقهم (٤)، واختلفوا في معنى ذكر سبب قسمة المعيشة هاهنا، فقال مقاتل في هذه الآية: يقول لم أعط الوليد وأبا مسعود الذي أعطيناهما من الغنى لكرامتهما على الله، ولكنه قسمة من الله بين الخلق (٥)، فعلى هذا المعنى: نحن أعطيناهما ذلك فلا يغر بهما الغنى ولا يبطر بهما النعمة، فإن من قسمها لهما قادر على نزعها عنهما، ثم ذكر الحكمة في تفضيل بعض على بعض في الرزق في باقي الآية.
وقال أهل المعاني: إن الله قسم النبوة كما قسم الرزق في المعيشة، فليس لأحد أن يتحكم في شيء من ذلك، وكما فضلنا بعضهم فوق بعض في الرزق والمنزلة، كذلك اصطفينا للرسالة من نشاء، وعلى هذا معنى الآية: إنا تولينا قسم معيشتهم، كذلك تولينا قسم النبوة بالرحمة، فلا

(١) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ٦٥، "الثعلبي" ١٠/ ٨٢ أ، "الماوردي" ٥/ ٢٢٣.
(٢) كذا في الأصل، ولعل الصواب (اعترضوا).
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٧٩٤.
(٤) لم أقف عليه.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٧٩٤.

صفحة رقم 34

اعتراض لأحد في قسمتنا (١)
وقال آخرون: نبه الله -عز وجل- بالأدنى على الأعلى، فذكر أنه قسم المعيشة بين عباده بتفضيله من يشاء في الرزق على غيره، وإذا كان هو المتولي لهذه القسمة، فأن يكون هو المتولي لقسمة النبوة، إذ شأن النبوة أعظم ومحلها أرفع، وكما لا يعترض عليه في قسمة الرزق، كذلك لا يعترض عليه في قسمة النبوة (٢).
قوله تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ قال ابن عباس ومقاتل: يعني الفضل في الغنى في الحياة الدنيا (٣). ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ أي يستخدم بعضهم بعضًا فيسخر الأغنياء بأموالهم الفقراء، هذا قول السدي وابن زيد (٤)، قال الضحاك وقتادة: ليملك بعضهم بما لهم بعضًا فيتخذونهم عبيدًا ومماليك، وهذا معنى قول مقاتل والكلبي (٥).
وقال ابن عباس: يُسخِّر هذا لهذا وهذا لهذا (٦). وهذا القول يحتمل القولين؛ لأن التسخير يكون بالأجر ويكون بالملك (٧)، وذكرنا معنى السخرى في سورة المؤمنين [١١٠]، وقال أبو الحسن الأخفش: اتفق

(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤١٠، "معاني القرآن" للنحاس ٦/ ٣٥٢.
(٢) انظر: "تفسير أبي الليث السمرقندي" ٣/ ٢٠٦، "تفسير ابن عطية" ١٤/ ٢٥٤.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٧٩٤، ولم أقف على نسبته لابن عباس.
(٤) انظر: "تفسير الثعلبي" ١٠/ ٨٢ أ، "تفسير الماوردي" ٥/ ٢٢٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٨٣.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٧٩٤، "تفسير أبي الليث" ٣/ ٢٠٦، "الماوردي" ٥/ ٢٢٤.
(٦) قال ابن كثير: قيل معناه: ليسخر بعضهم بعضًا في الأعمال لاحتياج هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا. قاله السدي وغيره. انظر: "تفسير ابن كثير" ٦/ ٢٢٥.
(٧) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ٦٧.

صفحة رقم 35
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية