آيات من القرآن الكريم

وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ
ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ

«وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ» حتى يجزموا بذلك وهذا تهكم بهم لأنهم لم يشهدوا خلقهم وإنما قالوه جرأة على الله قاتلهم الله «سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ» هذه على إفكهم هذا «وَيُسْئَلُونَ» ١٩ عنه يوم القيامة. نزلت هذه الآية حينما قال لهم حضرة الرسول وما يدريكم أن الملائكة إناث؟ قالوا سمعناه من آبائنا ونشهد أنهم لم يكذبوا، فوبخهم الله على ذلك وعلى قولهم «وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ» أي الملائكة والأصنام، والسياق يؤيد الأول إذ لم يسبق للأصنام ذكر، وقد استدلوا بنفي مشيئة الله ترك عبادتها على امتناع النهي عنها أو على حسنها، وقالوا إن الله لم يشأ ترك عبادتها، ولو شاء لتحققت مشيئته ولعجل عقوبتنا على عبادتها، بل إنه شاء عبادتها لأنها متحققة، فتكون مأمورا بها أو حسنة، ويمتنع أن تكون منهيا عنها أو قبيحة.
وهذا استدلال باطل لأن المشيئة لا تستلزم الأمر أو الحسن لأنها عبارة عن ترجيح بعض الممكنات على بعض حسنا كان أو قبيحا، وقد استدلت المعتزلة فيها أيضا على أن الله تعالى لم يشأ الكفر من الكافر وإنما شاء الإيمان لأن الكفار ادعوا أن الله تعالى شاء منهم الكفر وما شاء منهم ترك عبادة الأوثان لقولهم (لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) أي لو شاء منا ترك عبادتها لمنعنا من عبادتها ولكن شاء عبادتها فلم يمنعنا، فوبخهم الله تعالى ورد عليهم قولهم واعتقادهم بقوله «ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ» البتة بدلالة التنكير والتأكيد بحرف الجر «إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ» ٢٠ يحزرون ظنا وتخمينا وهو كذب محض لأن الله تعالى لم يشأ عبادتها ولم يرض بها ولم يستحسنها، وعدم تعجيل العقوبة هو عدم حلول الأجل المعين لها وسبق الكلمة منه تعالى بذلك، راجع ما تقدم في الآية ١٦٣ من الصافات المارة، لأن الله تعالى قدر لكل ما يقع في كونه وقتا لا يتعداه ولا يسبقه.
قال تعالى «أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ» أي القرآن ذكرنا لهم فيه ما يزعمونه «فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ» ٢١ كلا لم نأتهم بكتاب ولم نرسل لهم رسولا بعد إسماعيل غير محمد وحيث لم يكن لهم حجة يتمسكون بها من حيث العيان ولا من حيث العقل ولا من حيث السمع، وإنما حجتهم التقليد المحض المشار إليه بقوله عزّ وجل

صفحة رقم 66

«بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ» طريقة مأخوذة من الأم وهو القصد وتطلق على الدين لأنه يؤم أي يقصد ويقتدى به يقال فلان لا أمّة له أي لا دين له ولا نحلة، قال قيس بن الحطيم:
كنا على أمة آبائنا... ويقتدي بالأول الآخر
وقال غيره: وهل يستوي ذو أمة وكفور. وقيل الأمة بمعنى الجماعة وهو كذلك، إلا أنه لا يتجه هنا «وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ» ٢٢ باتباعهم التقليدي فقط، أخبر الله حبيبه محمد صلّى الله عليه وسلم بأن قومه مسبوقون بمقالتهم هذه وأنهم ما يقولونها إلا تقليدا لآبائهم كما أن اتّباعهم تقليدي عار عن البرهان على صحة بقوله جل قوله «وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها» رؤساؤها وأغنياؤها «إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ» ٢٣ وقومك كذلك معترفون بهذا التقليد وهو داء قديم فيهم لا يعدل عنه إلا من وفقه الله، وفيه تسلية لحضرة الرسول، لأن ما يسمعه من قومه سجية فيهم تناقلوها دون سند أو حجة أو دليل، فيا أكرم الرسل «قل» لهؤلاء المتنطعين «أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى» بدين أصوب وأعدل وأقوم «مِمَّا» من الدين الذي «وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ» وأحسن منه وأيسر ألا تقبلونه وتتركون دين آبائكم، فأجابوه بما حكى الله عنهم رأسا دون ترو بالأمر «قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ» ٢٤ لسوء حظهم وسبق شقائهم، قالوا هذه المقالة القبيحة ولم يوفقوا أن يقولوا يتبعك إذ جئننا بدين خير من ديننا ودين آبائنا، وهذا كقول قوم صالح (إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) الآية ٧٦ من الأعراف، قاتلهم الله تشابهت قلوبهم، ويشير عدم توفيقهم لقول الحق الذي به نفعهم ما جاء في الآية ٣٢ من سورة الأنفال ج ٢، قال تعالى «فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ» إذ آثروا الكفر على الإيمان باختيارهم ورضاهم «فَانْظُرْ» يا سيد الرسل «كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ» ٢٥ من الإهلاك والتدمير «وَ» اذكر لقومك يا محمد «إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ» ٢٦ من الأوثان وإني لا أعبد «إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ» ١٧ إلى دينه

صفحة رقم 67
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية