آيات من القرآن الكريم

وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ

صور من صور ما كان بين المسلمين والكفار وقرينة على صحة ما أوردناه في سياق تفسير الآية [٢٧] وشكنا في رواية مدنيتها.
ويلحظ هنا أيضا أن الآية [٣٤] انطوت على توكيد المعنى الذي انطوى في الآية [٣٠] حيث يبدو كذلك أن حكمة التنزيل اقتضت التنبيه في آيتين متتاليتين على أن الذين يقترفون الآثام والأخطاء يلقون نتائج أعمالهم.
ونكرر هنا في مناسبة الفقرة الأولى من الآية [٣٦] ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة مماثلة من أنها لا تنطوي على دعوة المسلمين إلى نفض أيديهم من الدنيا وإنما هي بسبيل التنبيه على عدم الاستغراق فيها استغراقا ينسي المرء واجباته نحو الله والناس وبسبيل الحث على الأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله وكونها هي التي تكون ثمراتها دائمة عند الله إذا كان أصحابها من المؤمنين المتوكلين على الله.
وفي الآية الأولى كما يتبادر لنا دليل على ما فتئنا ننبه عليه من كون مشاهد الكون والحياة في القرآن جاءت بأسلوب متسق مع ما كان سامعوه الأولون يعرفونه ويشاهدونه ويمارسونه. فالذي يظل راكدا على ظهر البحر حينما يمسك الله الريح هو السفن الشراعية، وهي التي قصد بها في جملة الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) ولم يكن تسيير السفن بالبحار وغيره قد عرف فنبهت الآية إلى ما يعرفه الناس بسبيل التنويه بآيات الله وقدرته. وطبيعي أن آيات الله وقدرته متمثلة في كل ما يكتشف ويعرف من نواميسه ومن الجملة تسيير السفن بالبحار وغيره.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٣٧ الى ٤٣]
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١)
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣)

صفحة رقم 470

(١) شورى: مصدر بمعنى التشاور والمشاورة وهي تبادل الرأي والتفاوض فيه.
(٢) ينتصرون: من الانتصار بمعنى مقابلة العدوان بمثله ودفعه.
(٣) الظالمين: هنا بمعنى المعتدين.
(٤) ما عليهم من سبيل: ليس من محل للومهم ومؤاخذتهم.
الآيات الثلاث الأولى معطوفة على الآية السابقة مباشرة لها في صدد وصف المؤمنين الذين أعد الله لهم عنده هو خير وأبقى:
١- فهم الذين يبتعدون عن كبائر الإثم والفواحش وإذا ما أثار غضبهم أمر ما لم يندفعوا بالغضب بل يعمدون إلى الغفران والتسامح.
٢- وهم الذين استجابوا إلى دعوة الله وأخلصوا دينهم له وتساموا عما عداه وأقاموا الصلاة له وحده وجعلوا اعتمادهم عليه وحده. ولا يقطعون في أمر من أمورهم إلّا بعد التشاور فيما بينهم للوصول إلى أحسن الوجوه والحلول.
٣- وهم الذين ينفقون مما رزقهم الله في شتى وجوه البرّ ويأبون أن يساموا خسفا وضيما فإذا ما بغى عليهم باغ سارعوا متضامنين إلى التناصر ودفع البغي والعدوان.
والآيات الأربع الأخيرة احتوت تعليقا توجيهيا على ما جاء في الآيات الثلاث:
١- فإذا كان من حق المبغى عليه أن يدفع عنه البغي ويقابله فينبغي أن يكون ذلك في حدود المماثلة دون تجاوز ولا إسراف، فجزاء السيئة سيئة مثلها. ومع ذلك فإذا عفى وأصلح فذلك خير له وأجره على الله.

صفحة رقم 471

٢- والله لا يحب الظالمين الذين يبدأون الناس بالعدوان أو يسرفون في المقابلة بحيث يكون في إسرافهم جور وجنف.
٣- وليس من سبيل ولا لوم على الذين يدفعون الظلم عنهم إذا ما بغي عليهم وإنما ذلك على الذين يبدأون الناس بالظلم والعدوان ويبغون ويفسدون في الأرض بغير حق فهؤلاء جديرون بكل لوم ومستحقون للعذاب الأليم.
٤- ومع ذلك فإن التحلي بالصبر والمغفرة والإغضاء خلق عظيم ومزية كبرى على كل حال.
ويستفاد من سياق بعض المفسرين «١» أن هذه الآيات أو بعضها نزل في الأنصار والثناء على أخلاقهم، ومن سياق بعض آخر «٢» أنها أو أن بعضها نزل حينما أخذ المسلمون يجاهدون بعد الهجرة لينتقموا من كفار مكة. وهذا يقتضي أن تكون الآيات مدنية مع أننا لم نقع على رواية تذكر ذلك. والآيات بعد متصلة بما قبلها وما بعدها اتصالا وثيقا من جهة والطابع والأسلوب المكيّان غالبان عليها من جهة أخرى. ولعلها استهدفت توجيه بعض المسلمين الذين كانوا يودون مقابلة الكفار في مكة على أذاهم بالمثل ولا يرون الرضوخ أو الصبر على هذا الأذى ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، مما احتوت آيات مكية أخرى الإشارة إليه صراحة أو ضمنا. مثل آية سورة الأعراف: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩)، وآية سورة الجاثية: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ [١٤] وآية سورة النحل: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦) ولا يبعد أن تكون هذه الآيات قد سيقت في معرض الأحداث الهامة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، أو عقب وفاته وفي زمن الخلفاء الراشدين فالتبس الأمر على الرواة.

(١) انظر تفسير الآية في تفسير الطبري والطبرسي وابن كثير.
(٢) انظر تفسير الآية في تفسير الطبري والطبرسي وابن كثير.

صفحة رقم 472

تعليق على آيات وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ... إلخ
وعلى كل حال فإن أسلوب الآيات يساعد على القول إنها من جهة وصف لما كان عليه الرعيل الأول من المؤمنين الذين استجابوا لدعوة الإسلام وأيدوا النبي ﷺ في العهد المكي من إخلاص وتضامن وتشاور وإباء وتسامح وأخلاق كريمة، وتوجب من جهة أخرى على كل مسلم أن يكون على هذه الأخلاق، أو تقرر بأن هذه الأخلاق هي من خصائص المسلم المخلص أو من نتائج الإسلام والإخلاص فيه. وهي جليلة خالدة على مرّ الدهر جديرة بالإجلال والإعظام، ومن شأن المجتمع المتصف بها والسائر عليها أن يتمتع بالطمأنينة والكرامة والقوة والعزة ورفعة الشأن والصلاح في كل مكان ومجال. وهي متمشية مع طبيعة البشر وأسس العدل والحق من جهة، وموجهة للمسلمين أفرادهم وجماعاتهم إلى خير المثل والمكارم الأخلاقية. وحرية بأن تعدّ من روائع المجموعات القرآنية.
وتعبير كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ قد ورد في الآية [٣٤] من سورة النجم التي مرّ تفسيرها. وقد شرحنا مداه وأوردنا طائفة من الأحاديث النبوية الواردة فيه في سياق تفسيرها فنكتفي بهذا التنبيه.
وجملتا إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) ووَ أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ جديرتان بالتنويه بصورة خاصة. فالأولى تعني أنهم يتضامنون في الدفاع ويقفون في وجه العدوان وقفة شديدة ولا يقرون الضيم والخسف فيهم. والثانية تعني أنه ليس بينهم مستبد طاغية وأنهم جميعا متساوون لا يفتئت أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد. ينظرون في أمورهم العامة نظرا مشتركا ويحلون مشكلاتهم بما يتفقون عليه بعد التشاور فيما بينهم، وهذا من أرقى صور ما نسميه اليوم بالديموقراطية.
وقد يبدو لأول وهلة شيء من التناقض في تقريرات الآيات وتوجيهاتها. غير

صفحة رقم 473

أن هذا الوهم يزول إذا ما أمعن فيها حيث يظهر أن في الآيات ما هو مظهر من مظاهر أخلاق المسلمين حين نزولها وما ينبغي أن يكون خطة لهم بعضهم تجاه بعض. وإن فيها ما ينبغي أن يكون خطة تجاه أعدائهم. فجملة: وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) عائدة للمعنى الأول وللمعنى الثاني معا. وجملة: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣) عائدة للمعنى الثاني. وجملة: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وجملة: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ... إلخ عائدتان للمعنى الثالث.
وهناك أحاديث نبوية عديدة في فضيلة كظم الغيظ والغضب وتحمل الأذى والعفو فيها تلقين متساوق مع التلقين الذي احتوته الآيات في هذا الصدد. منها حديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ليس الشديد بالصّرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»
«١». وحديث رواه أبو داود والترمذي عن سهل بن معاذ عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال: «من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتّى يخيّره من أيّ الحور العين شاء» «٢». وحديث رواه البخاري والترمذي وأحمد عن أبي هريرة قال: «جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: علّمني شيئا ولا تكثر عليّ لعلّي أعيه.
قال: لا تغضب. فردّد ذلك مرارا، كل ذلك يقول لا تغضب»
«٣». وحديث رواه الشيخان عن أبي موسى عن النبي ﷺ قال: «ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله تعالى، إنهم يجعلون له ندا ويجعلون له ولدا وهو مع ذلك يرزقهم ويعافيهم» «٤».
وحديث رواه الترمذي عن النبي ﷺ جاء فيه: «المسلم إذا كان مخالطا للناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» «٥».
وحديث رواه الخمسة عن أبي سعيد عن النبي ﷺ قال: «ما أعطي أحد عطاء خيرا

(١) التاج ج ٥ ص ٤٣- ٤٤.
(٢) التاج ج ٥ ص ٤٣- ٤٤.
(٣) التاج ج ٥ ص ٤٣- ٤٤.
(٤) التاج ج ٥ ص ٤٤- ٤٧.
(٥) التاج ج ٥ ص ٤٤- ٤٧.

صفحة رقم 474

وأوسع من الصّبر» «١». وحديث رواه مسلم والترمذي عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلّا عزا وما تواضع أحد لله إلّا رفعه الله» «٢». وحديث رواه الطبري عن أبي هريرة عن النبي ﷺ جاء فيه: «من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملأه الله أمنا وإيمانا» «٣».
وحديث أخرجه أبو يعلى عن أنس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كفّ غضبه كفّ الله عنه عذابه» «٤». وحديث أخرجه ابن مردويه عن ابن عمر قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجرّع عبد من جرعة أفضل أجرا من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله» «٥».
والمتبادر من فحوى الأحاديث وأسماء رواتها من أصحاب رسول الله ﷺ أنها صدرت عن النبي ﷺ في العهد المدني في المناسبات التي اقتضتها للتعليم والتأديب، وأن الآيات التي نحن في صددها قد احتوت مبادئ عامة، وهذا من سمات القرآن المكي على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة والله تعالى أعلم.
وننبه على أن في سورة آل عمران آية تأمر النبي ﷺ بمشاورة المسلمين، والمتبادر أن هذا متصل بالدرجة الأولى بسياسة الحكم والسلطان في حين أن جملة وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ الواردة في هذه الآيات عامة تشمل هذه السياسة وتشمل سائر حالات ومواقف المسلمين فيما بينهم. ونكتفي هنا بما ذكرناه في صدد ذلك على أن نشرح أمر الشورى المتصل بسياسة الحكم والسلطان في سياق آية سورة آل عمران.

(١) التاج ج ٥ ص ٤٤- ٤٧.
(٢) التاج ج ٥ ص ٤٤- ٤٧.
(٣) التاج ج ٥ ص ٤٤- ٤٧.
(٤) تفسير الآية [١٣٤] من سورة آل عمران. [.....]
(٥) تفسير الآية نفسها في تفسير ابن كثير، وننبه على أن الأحاديث التي نقلناها عن تفسيري الطبري وابن كثير لم ترد نصا في كتب الأحاديث الصحيحة، وهذا لا يمنع صحتها وهي من باب ما ورد في هذه الكتب ونقلناه عنها.

صفحة رقم 475

وجملة: فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ جديرة كذلك بالتنويه، وقد حثت على خلقين من مكارم الأخلاق. ولقد تكرر ذلك كثيرا في سور مكية ومدنية أخرى. ففي صدد الحث على العفو آيات سورة البقرة هذه: فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ... [١٠٩] وهذه: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى...
[٢٣٧] وآية سورة آل عمران هذه: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤)، وآية سورة النساء هذه: إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (١٤٩)، وآية سورة النور هذه: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢)، وآية سورة التغابن هذه:
وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤). وفي صدد الحث على الإصلاح آيات سورة البقرة هذه: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨٢)، وهذه: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤)، وآيات سورة النساء هذه: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥)، وهذه:
وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ... [١٢٨] وهذه: وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٢٩)، وآيات سورة الأنعام هذه: فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨)، وهذه: أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤)، وآية سورة الأعراف هذه: فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥) وآية سورة الأنفال هذه: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ... [١]، وآيات سورة الحجرات هذه: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ

صفحة رقم 476

فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠)
. حيث يبدو من ذلك ما أعارته حكمة التنزيل من اهتمام لترسيخ هذين الخلقين في نفوس المؤمنين لأنهما من شأنهما أن يوطدا المحبة والمودة والأخوة والتسامح والتعاون ويمنعا المشاكسات والمهاترات والأحقاد بينهم.
وهناك أحاديث نبوية عديدة في صدد ذلك منها في صدد الإصلاح حديث يندد بالذين يلجون في الخصومة والمشاكسة رواه الشيخان والنسائي عن عائشة عن النبي ﷺ قال: «أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخصيم» «١». وحديث يبرر استعمال أي أسلوب في سبيل الصلح رواه أبو داود والبخاري عن أم كلثوم بنت عقبة عن النبي ﷺ قال: «ليس بالكاذب من أصلح بين الناس فقال خيرا أو نمى خيرا» «٢».
وحديث رواه أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ قال: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين وفساد ذات البين الحالقة» «٣». وزاد الترمذي هذه الجملة في روايته: «لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدّين» «٤».
وهناك حديث مهم في بابه فيه تلقين أن الصلح يجب أن لا يحرّم حلالا ولا يحلّ حراما وقد رواه البخاري وأبو داود والترمذي عن عمرو بن عوف المزني عن النبي ﷺ قال: «الصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحا حرّم حلالا أو أحلّ حراما، والمسلمون على شروطهم إلّا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما» «٥».
أما في صدد العفو فمن ذلك حديث رواه مسلم عن أبي هريرة قال: «إن رجلا قال: يا رسول الله إنّ لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إليّ وأحلم عنهم ويجهلون عليّ. فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفّهم الملّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على

(١) التاج ج ٣ ص ٦٣- ٦٤.
(٢) التاج ج ٣ ص ٦٣- ٦٤.
(٣) التاج ج ٣ ص ٦٣- ٦٤.
(٤) التاج ج ٢ ص ٢٠٢- ٢٠٣.
(٥) التاج ج ٢ ص ٢٠٢- ٢٠٣.

صفحة رقم 477
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية