
﴿إِنَّ الله غَفُورٌ﴾، أي: غفور لذنوب عباده المؤمنين ﴿شَكُورٌ﴾ لحسناتهم يضاعفها لهم.
قوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افترى عَلَى الله كَذِباً﴾ إلى قوله ﴿إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ﴾ أي: أيقولون افترى على الله الكذب، أي: اختلقه من عند نفسه.
﴿فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ على قَلْبِكَ﴾، أي: يطبع على قلبك فتنسى هذا القرآن يا محمد، قاله قتادة والسدي.
وقال الزجاج: معناه: فإن يشأ الله يربط على قلبك بالصبر على أذاهم.
وقيل: المعنى: (إن يشأ الله يربط على قلبك بالصبر على أذاهم.
وقيل: المعنى: (إن يشأ الله - يا محمد - ختم على قلبك بالصدق واليقين والخير كله. وقد فعل بك ذلك وَمَحَا ضُرَّهُ من قلبك.
وقيل: المعنى) فإن يشأ الله يمنعك من التمييز.
ثم قال: ﴿وَيَمْحُ الله الباطل﴾، أي: ويزيل الله الباطل على كل حال - وهو الشرك -

ولذلك رفعه، ولو عطفه على " ما يشاء " لم يجز لأنه يصير المعنى (ولو يشاء) الله يمح الباطل، وذلك لا يجوز لأنه تعالى يمحوه على كل حال. ويدل على رفعه أن بعده " ويحق الله الحق " بالرفع) وهذا احتجاج عليهم لنبوءة وصحة ما جاء به لا المعنى: إن الله يزيل الباطل ولا يثبته.
فلو كان ما جاء به محمد ﷺ باطلاً لمحاه الله تعالى وأنزل كتاباً آخر على غيره.
وهكذا جرت العادة [في جميع المفترين أن الله سبحانه يمحو أباطلهم ويثبت الحق.
ومعنى ﴿وَيُحِقُّ الحق بِكَلِمَاتِهِ﴾، أي: ويثبت ما أنزل من كتابه على لسان] نبيه عليه السلام.
وقيل: المعنى ويبين الحق.
وقيل: معناه: يثبت الحق في قلبك بكلماته، أي: بالقضاء الذي قضاه لك قبل خلقك.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾، أي: إنه ذو علم بما في صدور خلقه وما

تنطوي عليه ضمائرهم.
وقيل: إن معناه: لو حدثت نفسك يا محمد بأن تفتري علي كذباً لطبعت على قلبك، وأذهبت الذي أتيتك من وحيي، لأني أحق الحق وأمحو الباطل، فأخبر الله تعالى الزاعمين أن محمداً ﷺ اختلق القرآن من عند نفسه - أنه لو فعل ذلك أو حدث به نفسه - ما أخبر في هذه الآية.
وكان أبو عمرو بن العلاء يختار أن يقف القارئ على: " فإن يشأ الله يختم على قلبك "، لأن ما بعده مستأنف غير معطوف عليه ما ذكرنا، وهو اختيار الفراء.
ثم قال: ﴿وَهُوَ الذي يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السيئات﴾ أي: والله الذي يقبل مراجعة عباده إلى الإيمان بعد كفرهم ويعفو عن ما تقدم لهم من السيئات، ويعلم ما يفعل / خلقه من خير وشر، لا يخفى عليه شيء من ذلك، فيجازيهم على كل ذلك.
ثم قال تعالى: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ أي: ويجيب الذين آمنوا ربهم

فيما دعاهم إليه، كما قال: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي﴾ [البقرة: ١٨٦].
قال المبرد: معناه: فليستدعوا الإجابة. فيكون " الذين " في موضع رفع على هذا التأويل.
وقيل: المعنى: ويستجيب الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم، بمعنى: يستجيب الذين آمنوا إذا سألوه ودعوا إليه، ويزيدهم من فضله، هي زيادة (لم يسألوها)، إحساناً منه.
وتكون اللام محذوفة من الذين، كما قال: ﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ﴾ [المطففين: ٣].
أي: كالوا لهم أو وزنوا لهم.
يقال: استجبت بمعنى: أجبته.

فيكون " الذين " في موضع نصب بـ " يستجيب " أنشد أهل اللغة.
فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ.
أي: لم يجبه. واستجاب، بمعنى: أجاب، مشهور في كلام العرب.
وقيل: معنى الزيادة (أنه يزيدهم ما دعوه.
وقيل: الزيادة التي ضمن) الله تعالى هنا هي أن يشفعهم في إخوانهم إذا شفعوا فيهم.
وروى قتادة عن النخعي أنه قال في قوله: " ويستجيب الذين آمنوا " قال: يشفعون في إخوانهم. (وقال في قوله: ﴿وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ﴾: يشفعون في إخوان إخوانهم).
ثم قال تعالى: ﴿والكافرون لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾، يعني عذاب جهنم.

ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرض﴾. هذه الآية، روي أنها نزلت في قوم من أهل الصُّفَّةِ تمنوا سعة الدنيا والغناء، فأنزل الله تعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرض﴾، أي: ولو وسع عليهم لجازوا الحد الذي حده الله تعالى لهم.
﴿ولكن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ﴾، أي: يسهل لهم رزقاً مقدراً يصلحهم وتصلح عليه أحوالهم.
﴿إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾، أي: ذو خبر بهم، وذو علم يعلم من يصلحه التضييق وتفسده السَّعَةُ (في الرزق، ومن يفسده التضييق وتصلحه السَّعَةُ) فيعطي كُلاًّ على قدر ما يصلحه.
قال قتادة: " كان يقال: خير الرزق ما لا يُطغيك ولا يلهيك.

ورُوي عن النبي ﷺ أنه كان يقول: " أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي زَهْرَة الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَثْرتهَا فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَيَأْتِي الخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ الخَيْرُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بالخَيْرِ.. " في حديث طويل.
ثم قال تعالى: ﴿وَهُوَ الذي يُنَزِّلُ الغيث مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ﴾، أي: يُنَزَّلُ المطر من السماء ليُحيي به الأرض من بعد مت يئس الخلق من نزوله.
﴿وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ﴾، اي: يَبُثُّهَا في عباده، يعني بالرحمة: الغيث الذي أنزله من السماء. ومع القنط يرجى الفرج.
وقيل: لعمر رضي الله عنهـ: " جدبت الارض وقنط الناس فقال: مطروا إذا ".

وقد قيل في قوله: ﴿وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ﴾، أي: ظهور الشمس بعد المطر. وهو قول شاذ لم أره عن ثقة.
ثم قال: ﴿وَهُوَ الولي الحميد﴾، أي: وهو الذي يليكم بإحسانه وفضله، الحميد بأياديه عندكم ونعمه عليكم.
ثم قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السماوات والأرض وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ﴾ أي: ومِنْ حُجَجِهِ (وعلامات أدلته) على وحدانيته وقدرته على إحيائكم بعد موتكم، خلقه واختراعه السماوات السبع والأرضين السبع وخلقه ما نشر فيها من حيوان.
﴿وَهُوَ على جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ﴾، أي: وهو يقدر أن يحييهم يوم القيامة فيجمعهم إذا شاء.
وقال الفراء: قوله: ﴿وَمَا بَثَّ فِيهِمَا﴾، يريد به: ما بث في الأرض دون السماء؛ وزعم أن مثله ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: ٢٢] وإنما يخرجان من الملح دون الحلو. وهو قول ضعيف عند البصريين، لا يجوز أن يرجع ضمير اثنين إلى واحد، بل نقول: