آيات من القرآن الكريم

۞ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ

﴿إِنَّ الله غَفُورٌ﴾، أي: غفور لذنوب عباده المؤمنين ﴿شَكُورٌ﴾ لحسناتهم يضاعفها لهم.
قوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افترى عَلَى الله كَذِباً﴾ إلى قوله ﴿إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ﴾ أي: أيقولون افترى على الله الكذب، أي: اختلقه من عند نفسه.
﴿فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ على قَلْبِكَ﴾، أي: يطبع على قلبك فتنسى هذا القرآن يا محمد، قاله قتادة والسدي.
وقال الزجاج: معناه: فإن يشأ الله يربط على قلبك بالصبر على أذاهم.
وقيل: المعنى: (إن يشأ الله يربط على قلبك بالصبر على أذاهم.
وقيل: المعنى: (إن يشأ الله - يا محمد - ختم على قلبك بالصدق واليقين والخير كله. وقد فعل بك ذلك وَمَحَا ضُرَّهُ من قلبك.
وقيل: المعنى) فإن يشأ الله يمنعك من التمييز.
ثم قال: ﴿وَيَمْحُ الله الباطل﴾، أي: ويزيل الله الباطل على كل حال - وهو الشرك -

صفحة رقم 6587

ولذلك رفعه، ولو عطفه على " ما يشاء " لم يجز لأنه يصير المعنى (ولو يشاء) الله يمح الباطل، وذلك لا يجوز لأنه تعالى يمحوه على كل حال. ويدل على رفعه أن بعده " ويحق الله الحق " بالرفع) وهذا احتجاج عليهم لنبوءة وصحة ما جاء به لا المعنى: إن الله يزيل الباطل ولا يثبته.
فلو كان ما جاء به محمد ﷺ باطلاً لمحاه الله تعالى وأنزل كتاباً آخر على غيره.
وهكذا جرت العادة [في جميع المفترين أن الله سبحانه يمحو أباطلهم ويثبت الحق.
ومعنى ﴿وَيُحِقُّ الحق بِكَلِمَاتِهِ﴾، أي: ويثبت ما أنزل من كتابه على لسان] نبيه عليه السلام.
وقيل: المعنى ويبين الحق.
وقيل: معناه: يثبت الحق في قلبك بكلماته، أي: بالقضاء الذي قضاه لك قبل خلقك.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾، أي: إنه ذو علم بما في صدور خلقه وما

صفحة رقم 6588

تنطوي عليه ضمائرهم.
وقيل: إن معناه: لو حدثت نفسك يا محمد بأن تفتري علي كذباً لطبعت على قلبك، وأذهبت الذي أتيتك من وحيي، لأني أحق الحق وأمحو الباطل، فأخبر الله تعالى الزاعمين أن محمداً ﷺ اختلق القرآن من عند نفسه - أنه لو فعل ذلك أو حدث به نفسه - ما أخبر في هذه الآية.
وكان أبو عمرو بن العلاء يختار أن يقف القارئ على: " فإن يشأ الله يختم على قلبك "، لأن ما بعده مستأنف غير معطوف عليه ما ذكرنا، وهو اختيار الفراء.
ثم قال: ﴿وَهُوَ الذي يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السيئات﴾ أي: والله الذي يقبل مراجعة عباده إلى الإيمان بعد كفرهم ويعفو عن ما تقدم لهم من السيئات، ويعلم ما يفعل / خلقه من خير وشر، لا يخفى عليه شيء من ذلك، فيجازيهم على كل ذلك.
ثم قال تعالى: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ أي: ويجيب الذين آمنوا ربهم

صفحة رقم 6589

فيما دعاهم إليه، كما قال: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي﴾ [البقرة: ١٨٦].
قال المبرد: معناه: فليستدعوا الإجابة. فيكون " الذين " في موضع رفع على هذا التأويل.
وقيل: المعنى: ويستجيب الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم، بمعنى: يستجيب الذين آمنوا إذا سألوه ودعوا إليه، ويزيدهم من فضله، هي زيادة (لم يسألوها)، إحساناً منه.
وتكون اللام محذوفة من الذين، كما قال: ﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ﴾ [المطففين: ٣].
أي: كالوا لهم أو وزنوا لهم.
يقال: استجبت بمعنى: أجبته.

صفحة رقم 6590

فيكون " الذين " في موضع نصب بـ " يستجيب " أنشد أهل اللغة.
فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ.
أي: لم يجبه. واستجاب، بمعنى: أجاب، مشهور في كلام العرب.
وقيل: معنى الزيادة (أنه يزيدهم ما دعوه.
وقيل: الزيادة التي ضمن) الله تعالى هنا هي أن يشفعهم في إخوانهم إذا شفعوا فيهم.
وروى قتادة عن النخعي أنه قال في قوله: " ويستجيب الذين آمنوا " قال: يشفعون في إخوانهم. (وقال في قوله: ﴿وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ﴾: يشفعون في إخوان إخوانهم).
ثم قال تعالى: ﴿والكافرون لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾، يعني عذاب جهنم.

صفحة رقم 6591

ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرض﴾. هذه الآية، روي أنها نزلت في قوم من أهل الصُّفَّةِ تمنوا سعة الدنيا والغناء، فأنزل الله تعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرض﴾، أي: ولو وسع عليهم لجازوا الحد الذي حده الله تعالى لهم.
﴿ولكن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ﴾، أي: يسهل لهم رزقاً مقدراً يصلحهم وتصلح عليه أحوالهم.
﴿إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾، أي: ذو خبر بهم، وذو علم يعلم من يصلحه التضييق وتفسده السَّعَةُ (في الرزق، ومن يفسده التضييق وتصلحه السَّعَةُ) فيعطي كُلاًّ على قدر ما يصلحه.
قال قتادة: " كان يقال: خير الرزق ما لا يُطغيك ولا يلهيك.

صفحة رقم 6592

ورُوي عن النبي ﷺ أنه كان يقول: " أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي زَهْرَة الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَثْرتهَا فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَيَأْتِي الخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ الخَيْرُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بالخَيْرِ.. " في حديث طويل.
ثم قال تعالى: ﴿وَهُوَ الذي يُنَزِّلُ الغيث مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ﴾، أي: يُنَزَّلُ المطر من السماء ليُحيي به الأرض من بعد مت يئس الخلق من نزوله.
﴿وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ﴾، اي: يَبُثُّهَا في عباده، يعني بالرحمة: الغيث الذي أنزله من السماء. ومع القنط يرجى الفرج.
وقيل: لعمر رضي الله عنهـ: " جدبت الارض وقنط الناس فقال: مطروا إذا ".

صفحة رقم 6593

وقد قيل في قوله: ﴿وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ﴾، أي: ظهور الشمس بعد المطر. وهو قول شاذ لم أره عن ثقة.
ثم قال: ﴿وَهُوَ الولي الحميد﴾، أي: وهو الذي يليكم بإحسانه وفضله، الحميد بأياديه عندكم ونعمه عليكم.
ثم قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السماوات والأرض وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ﴾ أي: ومِنْ حُجَجِهِ (وعلامات أدلته) على وحدانيته وقدرته على إحيائكم بعد موتكم، خلقه واختراعه السماوات السبع والأرضين السبع وخلقه ما نشر فيها من حيوان.
﴿وَهُوَ على جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ﴾، أي: وهو يقدر أن يحييهم يوم القيامة فيجمعهم إذا شاء.
وقال الفراء: قوله: ﴿وَمَا بَثَّ فِيهِمَا﴾، يريد به: ما بث في الأرض دون السماء؛ وزعم أن مثله ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: ٢٢] وإنما يخرجان من الملح دون الحلو. وهو قول ضعيف عند البصريين، لا يجوز أن يرجع ضمير اثنين إلى واحد، بل نقول:

صفحة رقم 6594
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية