
تودوني لقرابتي منكم وأن تكونوا أولى بي من غيركم. وقال مجاهد: المعنى إلا أن تصلوا رحمي باتباعي.
وقال ابن عباس أيضا ما يقتضي أنها مدنية، وسببها أن قوما من شباب الأنصار فاخروا المهاجرين ومالوا بالقول على قريش، فنزلت الآية في ذلك على معنى إلا أن تودوني فتراعوننى في قرابتي وتحفظونني فيهم، وقال بهذا المعنى في الآية علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، واستشهد بالآية حين سيق إلى الشام أسيرا، وهو تأويل ابن جبير وعمرو بن شعيب، وعلى هذا التأويل قال ابن عباس، قيل يا رسول الله، من قرابتك الذين أمرنا بمودتهم؟ فقال: علي وفاطمة وابناهما، وقيل هو ولد عبد المطلب.
قال القاضي أبو محمد: وقريش كلها عندي قربى وإن كانت تتفاضل، وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال: «من مات على حب آل محمد مات شهيدا، ومن مات على بغضهم لم يشم رائحة الجنة» وقال ابن عباس في كتاب الثعلبي: سبب هذه الآية أن الأنصار جمعت لرسول الله ﷺ مالا وساقته إليه فرده عليهم ونزلت الآية في ذلك. وقال ابن عباس أيضا، معنى الآية: من قربى الطاعة والتزلف إلى الله تعالى: كأنه قال: إلا أن تودني، لأني أقربكم من الله، وأريد هدايتكم وأدعوكم إليها. وقال الحسن بن أبي الحسن معناه: إلا أن يتوددوا إلى الله بالتقرب إليه. وقال عبد الله بن القاسم في كتاب الطبري معنى الآية: إلا أن تتوددوا بعضكم إلى بعض وتصلوا قراباتكم، فالآية على هذا أمر بصلة الرحم. وذكر النقاش عن ابن عباس ومقاتل والكلبي والسدي أن الآية منسوخة بقوله تعالى في سورة سبأ قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ [سبأ: ٤٧] والصواب أنها محكمة، وعلى كل قول فالاستثناء منقطع، و: إِلَّا بمعنى: لكن. و: يَقْتَرِفْ معناه يكتسب، ورجل قرفة: إذا كان محتالا كسوبا.
وقرأت فرقة «يزد» على إسناد الفعل إلى الله تعالى، وقرأ جمهور الناس: «نزد» على نون العظمة، وزيادة الحسن هو التضعيف الذي وعد الله تعالى به مؤمني عباده، قاله الحسن بن أبي الحسن.
و: غَفُورٌ معناه: ساتر عيوب عبيده. و: شَكُورٌ معناه: مجاز على الدقيقة من الخير لا يضيع عنده لعامل عمل.
قوله عز وجل:
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢٤ الى ٢٧]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦) وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧)
أَمْ هذه أيضا منقطعة مضمنة إضرابا عن كلام متقدم وتقريرا على هذه المقالة منهم.
وقوله تعالى: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ معناه في قول قتادة وفرقة من المفسرين: ينسيك القرآن، والمراد الرد على مقالة الكفار وبيان إبطالها، وذلك كأنه يقول: وكيف يصح أن تكون مفتريا وأنت من الله بمرأى

ومسمع، وهو قادر لو شاء على أن يختم على قلبك فلا تعقل ولا تنطق ولا يستمر افتراؤك، فمقصد اللفظ هذا المعنى وحذف ما يدل عليه الظاهر اختصارا واقتصارا. وقال مجاهد في كتاب الثعلبي وغيره، المعنى:
فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ بالصبر لأذى الكفار ويربط عليه بالجلد، فهذا تأويل لا يتضمن الرد على مقالتهم.
وقوله تعالى: وَيَمْحُ فعل مستقبل خبر من الله أنه يمحو الباطل ولا بد إما في الدنيا وإما في الآخرة، وهذا بحسب نازلة. وكتبت يَمْحُ في المصحف بحاء مرسلة كما كتبوا: وَيَدْعُ الْإِنْسانُ [الإسراء: ١١] إلى غير ذلك مما ذهبوا فيه إلى الحذف والاختصار.
وقوله: بِكَلِماتِهِ معناه: بما سبق في قديم علمه وإرادته من كون الأشياء بالكلمات المعاني القائمة التي لا تبديل لها.
وقوله تعالى: إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ خبر مضمنه وعيد. ثم ذكر النعمة في تفضله بقبول التوبة عن عباده، وقبول التوبة فيما يستأنف العبد من زمنه وأعماله مقطوع به بهذه الآية، وأما ما سلف من أعماله فينقسم: فأما التوبة من الكفر فماحية كل ما تقدمها من مظالم العباد الفانية، وأما التوبة من المعاصي فلأهل السنة قولان، هل تذهب المعاصي السالفة للعبد بينه وبين خالقه؟ فقالت فرقة: هي مذهبة لها، وقالت فرقة: هي في مشيئة الله تعالى، وأجمعوا على أنها لا تذهب مظالم العباد.
وحقيقة التوبة: الإقلاع عن المعاصي والإقبال والرجوع إلى الطاعات، ويلزمها الندم على ما فات، والعزم على ملازمة الخيرات. وقال سري السقطي: والتوبة: العزم على ترك الذنوب، والإقبال بالقلب إلى علام الغيوب. وقال يحيى بن معاذ: التائب من كسر شبابه على رأسه وكسر الدنيا على رأس الشيطان ولزم الفطام حتى أتاه الحمام.
وقوله تعالى: عَنْ عِبادِهِ بمعنى: من عباده، وكأنه قال: التوبة الصادرة عن عباده.
وقرأ جمهور القراء والأعرج وأبو جعفر والجحدري وقتادة: «يفعلون» بالياء على الكناية عن غائب.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وابن مسعود وعلقمة: «تفعلون» بالتاء على المخاطبة، وفي الآية توعد.
وقوله تعالى: وَيَسْتَجِيبُ قال الزجاج وغيره معناه: يجيب، والعرب تقول: أجاب واستجاب بمعنى ومنه قول الشاعر [كعب بن سعد الغنوي] :[الطويل]
وداع دعا يا من يجيب الندا | فلم يستجبه عند ذاك مجيب |
ودل قوله: وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ على أن المعنى فيجيبهم، وحملت هذه الفرقة استجاب على المعهود من باب استفعل، أي طلب الشيء. و: الَّذِينَ على هذا القول فاعل ب يَسْتَجِيبُ. وقالت صفحة رقم 35