
كَذِباً فَإِنْ يَشَأِ اللهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٢٤) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (٢٦)
شرح الكلمات:
ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا: أي ترى أيها المرء الظالمين يوم القيامة خائفين من جزاء ما عملوا.
وهو واقع بهم: أي وهو أي جزاء ما كسبوا من الباطل والشرك نازل بهم معذبون به لا محالة.
والذين آمنوا وعملوا الصالحات: آمنوا بالله ولقائه وآياته ورسوله وأدوا الفرائض واجتنبوا المحارم.
في روضات الجنات: أي هم في روضات الجنات، والروضة في الجنة أنزه مكان فيها.
لهم ما يشاءون عند ربهم: أي لهم ما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم في جوار ربهم.
قل لا أسألكم عليه أجراً: أي قل يا رسولنا لقومك لا أسألكم على التبليغ أجراً أي ثواباً.
إلا المودة في القربى: أي لكن أسألكم أن تودوا قرابتي فتمنعوني حتى أبلغ رسالتي.
ومن يقترف حسنة: أي ومن يكسب حسنة بقول أو عمل صالح.
نزد له فيها حسنا: أي نضاعفها له أضعافاً.
أم يقولون افترى على الله كذبا: أي أيقول هؤلاء المشركون إن محمداً افترى على الله كذباً فنسب إليه القرآن وهو ليس بكلامه ولا بوحيه.
فإن يشأ الله يختم على قلبك: أي إن يشإ الله تعالى يطبع على قلبك وينسيك القرآن أي أن الله قادر على أن يمنعك من الافتراء عليه كما زعم المشركون.
ويمحوا الله الباطل ويحق الحق: أي إن من شأن الله تعالى أنه يمحوا الباطل.

بكلماته: أي بالآيات القرآنية وقد محا الباطل وأحق الحق بالقرآن.
وهو الذي يقبل التوبة عن عباده: أي هو تعالى الذي يقبل توبة التائبين من عباده.
ويعفوا عن السيئات: أي لا يؤاخذ بها من تاب منها فهذا هو الإله الحق لا الأصنام التي ليس لها شيء مما هو لله ألبتة.
ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات: أي ويجيب تعالى عباده الذين آمنوا به وعملوا الصالحات إلى ما دعوه فيه فيعطيهم سؤلهم.
ويزيدهم من فضله: أي يعطيهم ما سألوا ويعطيهم ما لم يسألوه من الخير.
والكافرون لهم عذاب شديد: أي والكافرون بالله ورسوله ولقاء الله وآياته لهم عذاب شديد.
معنى الآيات:
يقول تعالى لرسوله ﴿تَرَى الظَّالِمِينَ﴾ (١) يوم القيامة مشفقين أي خائفين مما كسبوا أي من جزاء ما كسبوا من الشرك والمعاصي، وهو أي العذاب واقع بهم نازل عليهم لا محالة وقوله ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ أي في الوقت الذي يكون فيه الظالمون مشفقين مما كسبوا يكون الذين آمنوا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولا وعملوا الصالحات من الفرائض والنوافل بعد اجتناب الشرك والكبائر في روضات الجنات وهي أنزهها وأحسنها لهم ما يشاءون من النعيم مما تشتهيه الأنفس وتلذه الأعين كل ذلك في جوار رب كريم وقوله تعالى ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢) ﴾ أي ذاك الذي أخبر تعالى به أنهم فيه من روضات الجنات وغيره هو الفضل الكبير الذي تفضل الله تعالى عليهم به.
وقوله في الآية الثانية (٢٣) ﴿ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أي ذلك المذكور من روضات الجنات وغيره هو الذي يبشر الله تعالى به عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات في كتابه وعلى لسان رسوله.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ (٣) عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ يأمر تعالى رسوله أن يقول لقومه من المشركين لا أسألكم على إبلاغي إياكم دعوة ربي إلى الإيمان به وتوحيده لتكملوا وتسعدوا أجراً أي مالاً لكن أسألكم أن تودوا قرابتي منكم فلا تؤذوني وتمنعوني من الناس حتى
٢- لا يوصف ولا يهتدي العقول إلى معرفة كنه صفته لأن الله تعالى إذا قال كبير كان مما لا يقادر قدره.
٣- هذا الخطاب خاص بقريش قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة والاستثناء منقطع فهو بمعنى لكن ومعنى الآية قل لا أسألكم عليه أي على البلاغ أجراً أي ثواباً وجزاءً إلا أن تودّوني من قرابتي منكم أي تراعوا ما بيني وبينكم فتصدقوني وتنصروني حتى أبلغ رسالتي وذلك أنه ما من بطن من بطون قريش إلا وفيه للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرابة رحم وأما توجيه الآية على آل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو تمحل واضح إلا أن حب آل البيت وتعظيمهم واجب أكيد ووردت فيه أحاديث كثيرة صالحة للاحتجاج بها.

أبلغ دعوة ربي.
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً﴾ أي من يعمل حسنة نزد له فيها حسنا بأن نضاعفها له إذ الله غفور للتائبين من عباده شكور للعاملين منهم فلا يضيع أجر من أحسن عملا.
وقوله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ (١) افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً﴾ أي بل يقولون أفترى على الله كذبا أي يقول المشركون إن محمداً افترى على الله كذباً فادعى أن القرآن كلام الله ووحيه وما هو إلا افتراء افتراه على الله. فأبطل الله تعالى هذه الدعوة وقال: ﴿فَإِنْ يَشَأِ اللهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ﴾ أي يطبع على قلبك فتنسى القرآن ولا تقدر على قوله والنطق به، فكيف إذًا يقال إنه يفتري على الله كذباً والله قادرٌ على منعه والإحالة بينه وبين ما يقوله. وقوله: ﴿وَيَمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ هذا شأنه تعالى يمحوا الباطل ويحق الحق بالقرآن وقد فعل فمحاَ الباطل وأحق الحق فما مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي الجزيرة من يعبد غير الله تعالى. وقوله ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ فلواسع علمه وعظيم قدرته محا الباطل وأحق الحق بالقرآن ولو كان القرآن مفترى ما محا باطلاً ولا أحق حقاً وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ أي إن تابوا إليه وأنابوا، ويعفوا عن سيئاتهم فلا يؤاخذهم بها، ويعلم ما يفعلون في السر والعلن ويجزي كلاً بما عمل وهو على كل شيء قدير.
وقوله تعالى: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ (٢) آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أي يجيب دعاءهم فيما طلبوه ويزيدهم من فضله فيعطيهم ما لم يطلبوه فما أعظم كرمه وما أوسع رحمته!! هذا للذين آمنوا وعملوا الصالحات. وأما الكافرون فلهم عذاب شديد.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير حق القرابة ووجوب المودة فيها. واحترام قرابة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتقديرها.
٢- تبرئة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الافتراء على الله عز وجل.
٣- مضاعفة الحسنات، وشكر الله للصالحات من أعمال عباده المؤمنين.
٤- وجوب التوبة وقبول الله تعالى لها، وقد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوب إلى الله في اليوم مائة مرة. وللتوبة ثلاثة شروط: الإقلاع الفوري عن المعصية، والاستغفار، والندم على ما فعل من
٢- فاعل يستجيب هو الله عز وجل والذين مفعول به في محل نصب والسين والتاء للتأكيد إذ استجاب هو بمعنى أجاب.