آيات من القرآن الكريم

مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ

[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١٩ الى ٢٢]

اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢)
تفسير المفردات
لطيف بعباده: أي هو برّ بهم يفيض عليهم من جوده وإحسانه، حرث الآخرة:
ثمرات أعمالها تشبيها لها بالغلة الحاصلة من البذور، حرث الدنيا: لذّاتها وطيباتها، شركاء: أي فى الكفر وهم الشياطين، شرعوا لهم: أي زينوا لهم، ما لم يأذن به الله:
أي كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا فحسب، كلمة الفصل: هى القضاء والحكم السابق منه بالنّظرة إلى يوم القيامة، الروضة: مستنقع الماء والخضرة، وروضات الجنات:
أطيب بقاعها وأنزهها.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه فيما سبق أنه أنزل عليهم الكتاب المشتمل على الدلائل الموصلة إلى السعادة، وأن المتفرّقين فى الدين استوجبوا شديد العذاب، لكنه أخره إلى يوم معلوم- أرشد هنا إلى أن ذلك من لطف الله بعباده، ولو شاء لجعلهم فى عماية من أمرهم، وتركهم فى ضلالهم يعمهون، ولو شاء لعجل لهم العذاب. ثم بين أن من

صفحة رقم 33

يعمل للآخرة يرجو ثوابها يضاعف له فيها الجزاء إلى سبعمائة ضعف، ومن يعمل للدنيا وجلب لذاتها يؤته ما يريد، وليس له فى الآخرة نصيب من نعيمها، ثم أعقب هذا بذكر ما وسوست به الشياطين للمشركين، وزينت لهم به من الشرك بالله وإنكار البعث إلى نحو ذلك، ثم بين أنهم كانوا يستحقون العذاب العاجل على ذلك، لكنه أجّله لما سبق فى علمه من إنظارهم إلى يوم معلوم، ثم ذكر مآل كل من الكافرين والمؤمنين يوم القيامة، فالأولون خائفون وجلون من جزاء ما عملوا، والآخرون مترفون منعّمون.
الإيضاح
(اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) أي إنه برّ تعالى برّ بعباده يرسل إليهم أعظم المنافع، ويدفع عنهم أكبر البلاء، فيرزق البرّ والفاجر، لا ينسى أحدا منهم، ويوسع الرزق حلى من يشاء منهم، ويقتّره على من يشاء، ليمتحن الغنى بالفقير والفقير بالغنى، وليحتاج مضر إلى بعض كما قال: «لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا».
ونحو الآية قوله: «وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها».
ثم ذكر ما هو كالعلة لذلك فقال:
(وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) أي وهو القادر على ما يشاء، العزيز الذي لا يقدر أحد أن يمنعه عن شىء مما يريده.
وبعد أن أبان أن الرزق ليس إلا فى يده أتبعه بما يزهّد فى التكالب على طلب رزق البدن، ويرغّب فى الجد فى طلب رزق الروح والسعى فى رفع منزلتها عند ربها ليرضى عنها فقال:
(مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) أي من كان يريد بأعماله وكسبه ثواب الآخرة نوفقه لصالح الأعمال ونجزه بالحسنة عشر أمثالها إلى ما شاء الله.

صفحة رقم 34

(مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) أي ومن كان سعيه موجها إلى شؤون الدنيا، وطلب طيباتها واكتساب لذاتها، وليس له همّ فى أعمال الآخرة- نؤته منها ما قسمناه له، وليس له فى ثواب الآخرة حظ، فالأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، قال قتادة: إن الله يعطى على نية الآخرة ما شاء من أمر الدنيا، ولا يعطى على نية الدنيا إلا الدنيا.
ونحو الآية قوله: «مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً. وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً».
وقال ابن عباس: من يؤثر دنياه على آخرته لم يجعل الله له نصيبا فى الآخرة إلا النار، ولم يزد بذلك من الدنيا شيئا إلا رزقا فرغ منه وقسم له.
وأخرج أحمد والحاكم وصححه وابن مردويه وابن حبان عن أبىّ بن كعب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «بشّر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين فى الأرض ما لم يطلبوا الدنيا بعمل الآخرة، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له فى الآخرة من نصيب».
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن أبى هريرة قال: «تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلم (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) لآية ثم قال يقول الله: ابن آدم تفرّغ لعبادتى أملأ صدرك غنى وأسدّ فقرك، وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسدّ فقرك».
وعن علىّ كرم الله وجهه قال: الحرث حرثان: فحرث الدنيا المال والبنون، وحرث الآخرة الباقيات الصالحات.
ولما بين القسطاس الأقوم فى أعمال الآخرة وأعمال الدنيا أردفه التنبيه إلى ما هو الأصل فى باب الضلالة والشقاوة فقال:
(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) أي هم ما اتبعوا ما شرع الله

صفحة رقم 35

من الدين القويم، بل اتبعوا ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس، فحرّموا عليهم ما حرموا من البحيرة والسائبة والوصيلة، وحللوا لهم أكل الميتة والدم والقمار إلى نحو أولئك من الضلالات والجهالات التي كانوا قد اخترعوها فى الجاهلية.
وقد ثبت فى الصحيح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «رأيت عمرو بن لحىّ بن قمنعة يجر قصبه- أمعاءه- فى النار»
لأنه أول من سيّب السوائب وحمل قريشا على عبادة الأصنام، وكان أحد ملوك خزاعة.
وقصارى ذلك- إن الشيطان زين لهم الشرك والمعاصي والشرائع المضلة وإنكار البعث والعمل للدنيا.
ثم بين أنه رحمة بعباده أخّر عذاب المشركين ليوم معلوم ولم يعجله لهم فقال:
(وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي ولولا القضاء السابق منه تعالى بتأخير العذاب إلى يوم القيامة لعوجلوا بالعذاب كما قال سبحانه: «بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ».
(وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي وإن الظالمين أنفسهم بشرع ما لم يأذن به الله مما ابتدعوه من التحليل والتحريم- لهم عذاب شديد الإيلام فى جهنم وبئس المصير.
ثم ذكر أحوال أهل العقاب وأهل الثواب يوم القيامة مبتدئا بالأولين فقال:
(تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ) أي ترى الظالمين خائفين أشد الخوف مما كسبوا من السيئات وهو واقع بهم لا محالة أشفقوا أو لم يشفقوا.
وذكر الآخرين بقوله:
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ) أي والذين آمنوا بالله وأطاعوه فيما أمر به ونهى عنه- لهم فى الآخرة روضات الجنات متمتعين بمحاسنها ولذاتها.

صفحة رقم 36
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية