آيات من القرآن الكريم

اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ۗ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ

ونحو الآية قوله: «وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ».
(لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) أي لا خصومة بيننا ولا احتجاج، فإن الحق قد وضح، وليس للمحاجة مجال، فما المخالف إلا معاند أو مكابر، وسيأتى الوقت الذي يستبين فيه الحق، ويتضح سبيل الرشاد، وإلى ذلك أشار بقوله:
(اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا) أي الله يجمع بيننا يوم القيامة، فيقضى بيننا بالحق فيما اختلفنا فيه.
ونحو الآية قوله: «قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ».
(وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) أي وإليه المرجع والمعاد بعد مماتنا يوم الحساب، فيجازى كل نفس بما كسبت «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ».
وهذه الأوامر والنواهي وإن وجهت فى الظاهر إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم فهى له ولأمته كما هى القاعدة: أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر لأمته إلا إذا ورد دليل على التخصيص.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١٦ الى ١٨]
وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦) اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨)

صفحة رقم 29

تفسير المفردات
يحاجون فى الله: أي يخاصمون فى دينه، استجيب له: أي استجاب الناس لدينه ودخلوا فيه لوضوح حجته، داحضة: أي زائفة باطلة، والميزان: العدل بين الناس، يدريك: يعلمك، الساعة: القيامة، مشفقون: خائفون منها حذرون من مجيئها، الحق: أي الأمر المحقق الكائن لا محالة، يمارون: أي يجادلون وأصله من مريت الناقة: أي مسحت ضرعها للحلب، إذ كل من المتجادلين يستخرج ما عند صاحبه.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر عز اسمه فيما سلف أن لا محاجة بين المشركين والمؤمنين لوضوح الحجة، بين هنا أن الذين يخاصمون فى دين الله من بعد ما استجاب الناس له ودخلوا فيه أفواجا، حجتهم فى الصرف عنه زائفة لا ينبغى النظر إليها، وعليهم غضب من ربهم لمكابرتهم للحق بعد ظهوره، ولهم عذاب شديد يوم القيامة.
روى أن اليهود قالوا للمؤمنين: إنكم تقولون إن الأخذ بالمتفق عليه أولى من الأخذ بالمختلف فيه، ونبوة موسى وتوراته مسلّمة بيننا وبينكم، ونبوة محمد ليست كذلك، وإذا فالأخذ باليهودية أولى، فدحض سبحانه هذه الحجة بأن الإيمان بموسى إنما وجب لظهور المعجزات على يديه دالة على صدقه، وقد ظهرت المعجزات على يدى محمد واليهود قد شاهدوها فوجب الاعتراف بنبوته.
ثم أردف ذلك تخويفهم بيوم القيامة حتى يستعدوا له ويتركوا المماراة بالباطل، ثم ذكر أن المشركين يستعجلون به استهزاء وإنكارا لوجوده، والمؤمنون خائفون

صفحة رقم 30

منه، لعلمهم بالجزاء حينئذ، ثم أعقب ذلك بذكر أن المماراة فى الساعة ضلال بيّن، لتظاهر الأدلة على حصولها لا محالة.
الإيضاح
(وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) أي والذين يجادلون المؤمنين المستجيبين لله ورسوله، ليصدوهم عما سلكوه من طريق الهدى- حجتهم زائفة لا تقبل عند ربهم، وعليهم غضب منه، لأنهم ما روا فى الحق بعد ما تبين، ولهم عذاب شديد يوم القيامة، لتركهم الحق بعد أن وضحت محجته عنادا واستكبارا.
وقد سمى أباطيلهم التي لا ينبغى التعويل عليها- أدلة مجاراة لهم على زعمهم حتى يعاودوا النظر فيها، لعلهم يرعوون عن غيهم ويثوبون إلى رشدهم.
(اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ) أي الله أنزل كتبه على أنبيائه حاوية للحق الذي لا شبهة فيه، بعيدة من الباطل الذي لا خير فيه، وأنزل العدل ليقضى بين الناس بالإنصاف، ويحكم بينهم بحكمه الذي أمر به فى كتابه.
ونحو الآية قوله: «لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ».
ثم رغب سبحانه فى الآخرة وزهد فى الدنيا فقال:
(وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ؟) أي وأىّ شىء يعلمك لعل الساعة التي تقوم فيها القيامة تكون قد أزفت؟ فعليك أن تتبع الكتاب وتواظب على العدل بين الناس، واعمل بما أمرت به قبل أن يفجأك اليوم الذي توزن فيه الأعمال ويوفى كل عامل جزاء عمله.
والمراد بذلك حث المؤمنين على اتباع نهج الشرع وترك مخالفته.

صفحة رقم 31

روى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ذكر الساعة وعنده قوم من المشركين فقالوا متى الساعة؟ استهزاء بها، وتكذيبا لمجيئها، فأنزل الله الآية،
ويدل على ذلك قوله:
(يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) استعجال استهزاء وإنكار، وكانوا يقولون متى هى؟ ليتها قامت حتى يظهر لنا، أنحن على الحق فنفوز بالنجاة، أم محمد وأصحابه فنكون من الخاسرين؟
وبعد أن بين حال المشركين فى شأنها ذكر حال المؤمنين بها فقال:
(وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ) أي والذين آمنوا خائفون منها وجلون من مجيئها، لأنهم لا يدرون ما الله فاعل بهم، وهم موقنون أنهم محاسبون ومجزيون على أعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر، كما أنهم يعلمون علم اليقين أن مجيئها حق لا ريب فيه، فهم يستعدون له ويعملون من أجله.
ونحو الآية قوله: «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ».
روى «أن رجلا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بصوت جهورى وهو فى بعض أسفاره فقال يا محمد: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنحو من صوته (هاؤم) فقال له متى الساعة؟ فقال له: إنها كائنة فما أعددت لها؟ فقال حب الله ورسوله، فقال صلّى الله عليه وسلّم: أنت مع من أحببت».
ثم بين ضلال الممارين فيها فقال:
(أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) أي ألا إن الذين يجادلون فى وجودها، ويدفعون وقوعها، لفى جور عن طريق الهدى، وزيغ عن سبيل الرشاد، وبعد من الصواب، لأن الذي خلق السموات والأرض قادر على إحياء الموتى كما قال:
«وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ».

صفحة رقم 32
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية