آيات من القرآن الكريم

الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
ﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ

سورة فصّلت
في السورة تنويه بالقرآن وإحكامه ولغته وحكاية لما كان من مواقف الكفار الحجاجية وشدة إنكارهم وإعراضهم وتحدّيهم للقرآن وردود عليهم وإنذارهم وتذكير لهم بما كان من أمثالهم. وفيها صور لما سوف يكون من أمرهم يوم القيامة من خزي وحسرة. وفيها لفت نظر إلى مشاهد قدرة الله وعظمته في الكون واستحقاقه للعبادة والخضوع وحده، وتنويه بالمؤمنين ومصائرهم وبشرى لهم وحثّ على مكارم الأخلاق والتزامها وتطمين بنصر الله وتأييده وإرغام الجاحدين في الدنيا قبل الآخرة.
وفصول السورة مترابطة تلهم أنها نزلت دفعة واحدة أو متتابعة، وتسمى السورة باسم السجدة أيضا اقتباسا مما ورد فيها كما هو شأن الاسم الأول الموضوع عنوانا.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة فصلت (٤١) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٤)
وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (٥) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨)

صفحة رقم 404

بدأت السورة بحرفي الحاء والميم كسابقتها وما قلناه في حرفي سابقتها نقوله هنا. وقد أعقبهما تنويه بكتاب الله تعالى وتقرير بكونه منزلا من الرحمن الرحيم مفصل الآيات واضح البيان والغايات بلسان عربي لقوم يستطيعون أن يفهموه ويدركوا ما احتواه ليكون لهم بشيرا ونذيرا. ثم أعقب ذلك تنديد بالكفار الذين أعرضوا عنه ولم يستمعوا له وكانوا يقولون للنبي ﷺ إن قلوبنا محجوبة فلا يتسرب إليها شيء مما تدعونا إليه، وإن في آذانهم صمما يجعلهم لا يسمعون ما يتلوه عليهم وإن بيننا وبينك سدا لا ينفذ إلينا منه شيء من أقوالك ونذرك، وإنهم ثابتون مصرون على ما هم عليه فليفعل ما يشاء. وقد أمر النبي ﷺ بالرد عليهم فيها بقوله لهم إنه بشر مثلهم يوحى إليه أن إله الناس جميعا واحد، وإن كل ما عليه أن يدعوهم إليه وإلى السير في طريقه المستقيم والاستغفار عما بدا منهم من ذنوب وأخطاء، وأن ينذر المشركين الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يؤتون زكاة أموالهم بالويل وأن يبشر المؤمنين الذين يعلمون الصالحات بأجر الله الدائم.
والآيات كما هو المتبادر بسبيل حكاية موقف جدلي حجاجي بين النبي ﷺ والمشركين، وبدء السورة بمثابة مقدمة لحكاية هذا الموقف مما جرى عليه النظم القرآني.
ووصف سامعي القرآن بوصف لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) ينطوي على صورة لما كان عليه المخاطبون العرب أو زعماؤهم ونبهاؤهم على الأقل من الفهم والإدراك.
وينطوي على الأقل على تقرير كونهم يفهمون اللغة القرآنية ومعاني الآيات القرآنية.
ولذلك جاءت الآيات التالية للآية الثانية التي احتوت هذه الجملة تعلل موقفهم بكونه موقف المكابر العنيد المتصامم عن قصد وتصميم.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق الآية الأخيرة وتوضيحا لمدى جملة لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨) حديثا عن عبد الله بن عمر قال: «قال رسول الله ﷺ إنّ العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثمّ مرض قيل للملك الموكل به اكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه أو أكفته إليّ». حيث ينطوي في الحديث

صفحة رقم 405

توضيح لمدى الجملة وتبشير وتطمين مستمران للمؤمنين المخلصين متساوقان مع ما انطوى فيها.
ووصف المشركين بوصفي الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧) جدير بالتنويه حيث يمكن أن يكون بقصد وصفهم بأظهر سببين جعلاهم يقفون موقف الجحود من الرسالة النبوية. ولقد شغل هذان السببان حيزا كبيرا في القرآن وبخاصة المكي منه مما مرت منه أمثلة كثيرة حيث يؤيد هذا ما قلناه من أنهما أظهر سببين فاقتضت حكمة التنزيل وصف المشركين بهما هنا.
ولقد روى بعض المفسرين «١» في سياق تفسير هذه الآيات رواية ينطوي فيها صورة لما كان من تأثير القرآن على بعض زعماء قريش حينما كانت تتيح لهم الفرص سماعه من النبي ﷺ على انفراد حيث روي أن زعماء قريش كلفوا أحدهم عتبة بن ربيعة ليأتي النبي ﷺ فينصحه بالكفّ عما هو فيه ويعرض عليه باسمهم ما يرضاه من مطالب الدنيا فجاء إليه وقال له فيما قال: إنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورا لعلك تقبل منها بعضها. فقال له: قل أسمع. فقال: إن كنت تريد مالا جمعنا لك أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد شرفا سودناك حتى لا نقطع دونك أمرا، وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا- جنيا- طلبنا لك الأطباء وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك. فلما انتهى قال له: استمع مني ثم أخذ يقرأ هذه السورة حتى بلغ موضع السجدة منها فسجد، فسجد معه عتبة ثم انصرف إلى قومه متغير الوجه فسألوه فقال لهم: إني سمعت كلاما حلوا نافذا ما هو بقول شاعر ولا سجع كاهن ولا نفث ساحر ثم اقترح عليهم أن يخلوا بينه وبين العرب فإن تصبه العرب فقد كفوه بغيرهم وإن يظهر عليهم فملكه ملكهم وعزه عزهم وكانوا أسعد الناس به. فقالوا له: سحرك والله

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير ابن كثير والبغوي.

صفحة رقم 406
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية