آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ

(وإذا أنعمنا على الإنسان) أي على هذا الجنس من حيث هو، باعتبار غالب أفراده (أعرض) عن الشكر (ونأى بجانبه) أي ترفع عن الانقياد للحق، وتكبر وتجبر، وثنى عطفه متبختراً، كناية عن الإعراض. وقيل: انحرف عنه أو ذهب بنفسه وتباعد عنه بكليته تكبراً والجانب هنا مجاز عن النفس، ونأى بمعنى بعد، يقال: نأيت وتناءيت أي بعدت وتباعدت والمنتأى الموضع البعيد، وقرىء ناء بالألف قبل الهمزة.
(وإذا مسه الشر) أي البلاء والجهد والفقر والمرض (فذو) أي فهو ذو (دعاء عريض) أي كثير، والعرب تستعمل العرض والطول في الكثرة مجازاً يقال: أطال فلان في الكلام وأعرض في الدعاء إذا أكثر، فهو مستعار مما له عرض متسع، للإشعار بكثرته، فإن العريض يكون ذا أجزاء كثيرة، والاستعارة تخييلية، شبه الدعاء بأمر يوصف بالامتداد، ثم ثبت له العرض قاله الكرخي والطول أطول الامتدادين، فإذا كان عرضه كذلك فما ظنك بطوله، أفاده أبو السعود.
والمعنى أنه إذا مسه الشر تضرع إلى الله واستغاث به أن يكشف عنه ما نزل به، واستكثر من ذلك فذكره في الشدة ونسيه في الرخاء، واستغاث به عند نزول النقمة، وتركه عند حصول النعمة وهذا صنيع الكافرين، ومن كان غير ثابت القدم من المسلمين قال الشهاب فإن قلت: كونه يدعو دعاء طويلاً عريضاً ينافي وصفه قبل هذا بأنه يؤوس قنوط، لأن الدعاء فرع الطمع والرجاء، وقد اعتبر في القنوط ظهور أثر اليأس، فظهور ما يدل على الرجاء يأباه، قلت: يمكن دفع المنافاة بحمله على عدم اتحاد الأوقات والأحوال انتهى، أو لعل هذا شأن بعض غير البعض الذي حكى عنه اليأس والقنوط، أو شأن الكل في بعض الأوقات، ذكره أبو السعود.

صفحة رقم 267

ثم رجع سبحانه إلى مخاطبة الكفار ومحاجتهم فقال:

صفحة رقم 268
فتح البيان في مقاصد القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي
راجعه
عبد الله بن إبراهيم الأنصاري
الناشر
المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
15
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية