
فعل.
ثم قال تعالى ﴿أولئك يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾.
هذا تشبيه لبعد قلوبهم عن قبول الحق والموعظة.
والعرب: تقول للرجل البعيد الفهم: " إنك لتنادي من بعد " ويقولون للفهيم: إنك لتأخذ الأمر من قريب.
قال مجاهد: معناه " بعيد من قلوبهم "، وقاله الثوري وقال ابن زيد: ضيعوا أن يقبلوا الأمر من قريب (ويتوبون ويؤمنون فيقبل) منهم فماتوا.
وقال الضحاك: هذا يوم القيامة، ينادون بأشنع أسمائهم ليفضحوا على رؤوس الخلائق / فيكون أعظم في توبيخهم.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب فاختلف فِيهِ﴾ - إلى قوله -

﴿فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ﴾.
والمعنى: ولقد أعطينا موسى التوراة كما آتينا يا محمد القرآن فاختلف بنو إسرائيل في العمل بما في التوراة كما اختلف قومك في الإيمان بما جئتم به.
﴿وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ﴾ يا محمد فيمن كفر (بك، وهو أنه تقدم في علمه وقضائه تأخير عذابهم إلى يوم القيامة.
﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ أي لجاءهم العذاب فيفصل بينهم فيما اختلفوا فيه فيهلك المبطلين، وينجي المؤمنين.
قال السدي: أخروا إلى يوم القيامة.
قال الزجاج: " الكلمة: وعدهم بالساعة، قال (الله تعالى ﴿بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ﴾ [القمر: ٤٦] ".
ثم قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ﴾، أي: وإن الفريق المبطل منهم لفي (شك مما قالوا) فيه مريب يريبهم قولهم فيه، لأنهم قالوه بغير ثبت وإنما قالوه ظناً.
ثم قال تعالى: ﴿مَّنْ عَمِلَ صالحا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا﴾، أي: من عمل صالحاً في

هذه الدنيا فلنفسه عمل لأنه يستوجب من الله في الميعاد الجنة والنجاة من النار، ومن عمل بمعاصي الله (فعلى نفسه جنى) لأنه أكسبها بذلك سخط الله.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا رَبُّكَ بظلام لِّلْعَبِيدِ﴾ أي: وما ربك يا محمد يحمل ذنب مذنب على غير مكتسب بل لا يعاقب أحداً إلا على جرمه.
ثم قال تعالى: ﴿إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ الساعة﴾، (أي: إلى الله يرد العالمون به علم الساعة)، لأنه لا يعرف متى قيامها غيره.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا﴾، أي: (وما يظهر) من ثمرة (الشجرة من الموضع) الذي هي مغيبة فيه إلا بعلمه.
قال السدي: من أكمامها: من طلعها.
قال المبرد: هو ما يغطيها. وواحد الأكمام. كم. ومن قال في الجمع أكمة قال في الواحد كمام.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ﴾، (أي: ما تحمل من ولد حين

تحمل، ولا تضع حملها حين تضع إلا بعلمه)، فلا شيء يخفى عليه من جميع أمور خلقه.
ثم قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي﴾، أي: واذكر يا محمد يوم ينادي الله تعالى هؤلاء المشركين فيقول لهم أين شركائي الذين كنتم تشركونهم في عبادتي؟
والمعنى: أين شركائي على قولكم.
ثم قال تعالى: ﴿قالوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ﴾، أي: أجابوه عن سؤالهم لهم، فقالوا: أعلمناك ما منا من شهيد أن لك شريكاً.
ثم قال تعالى: ﴿وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ﴾، أي: وضل عن هؤلاء المشركين يوم القيامة آلهتهم التي كانوا يدعونها في الدنيا فأخذ بها عن طريقتهم فلم تدفع عنهم شيئاً من عذاب الله سبحانه.
ثم قال تعالى: ﴿وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ﴾، أي: وأيقنوا أنه لا محيص لهم من عذاب الله تعالى ولا ملجأ منه جلت عظمته.
قال أبو عبيدة: يقال: حاص يحيص إذا حاد.
وقيل: " المحيص: المذهب الذي ترجى فيه النجاة ".

وأجاز أبو حاتم الوقف على " وظنوا " يجعل الظن بمعنى الكذب، أي: قالوا: آنذاك ما منا من شهيد، وكذبوا في قولهم، بل كانوا يدعون له شريكاً. تعالى الله عن ذلك.
والوقف عند غيره على " محيص " لأن المعنى: أيقنوا أنه لا ينفعهم الفرار.
ثم قال تعالى ﴿لاَّ يَسْأَمُ الإنسان مِن دُعَآءِ الخير﴾، أي: لا يسأم الكافر من دعائه بالخير ومسألته إياه ربه تعالى.
والخير هنا: المال وصحة الجسم، (فهو لا يمل) من طلب ذلك والاستزادة منه.
﴿وَإِن مَّسَّهُ الشر﴾، أي: ضر في نفسه أو جهد في معيشته.
﴿فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ﴾، أي: فهو يئوس من روح الله تعالى وفرجه، قنوط من رحمته، أي: لا يؤمل أن يكشف عنه ذلك.
ويقال: إن هذه الآية نزلتل في الوليد بن المغيرة.

وفيه نزلت ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا﴾ - الآية إلى قوله - ﴿للحسنى﴾ وقيل نزل ذلك كله في عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف من كفار قريش.
وقال السدي وغيره: الإنسان هنا: الكافر.
وفي قراءة عبد الله " من دعاء بالخير ".
ثم قال تعالى جل ذكره: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي﴾، أي: ولئن كشفنا عنه الشر الذي نزل به ليقولن هذا لي عند الله لأن الله راض عني وعن عملي.

قال مجاهد: " ليقولن هذا لي، بعملي. فأنا محقوق بهذا ".
﴿وَمَآ أَظُنُّ الساعة قَآئِمَةً﴾: شك الكافر في قيام الساعة.
ثم قال: ﴿وَلَئِن رُّجِعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى﴾، أي: إن كان ثم بعث وحشر - على طريق الشك - فلي الحسنى عند ربي، أي: لي عنده - إن حشرت بعد موتي - غنى ومال.
فالمعنى أنه قال: لست أؤمن بالبعث ولا أصدق به، فإن كان الأمر على خلاف ذلك وبعثت بعد موتي، فلي عند ربي مال وغنى أقدم عليه.
ثم قال تعالى ﴿فَلَنُنَبِّئَنَّ الذين كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ﴾، أي: فلنخبرهم بما قصوا / من (الأباطيل وما عملوا من المعاصي).
﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ على فعلهم وهو النار، والخلود فيها، لا يموتون (ولا يحيون).
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾، أي: وإذا كشفنا الضر