
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَطْنَبَ فِي تَقْرِيرِ الْوَعِيدِ عَادَ إِلَى ذِكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ الْحَكِيمِ الرَّحِيمِ، وَإِلَى ذِكْرِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يُعَدَّ إِنْعَامًا عَلَى الْعِبَادِ، قَالَ الزَّجَّاجُ الْأَنْعَامُ الْإِبِلُ خَاصَّةً، وَقَالَ الْقَاضِي هِيَ الْأَزْوَاجُ الثَّمَانِيَةُ، وَفِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: أنه لم أدخل لام الغرض على قوله لِتَرْكَبُوا وعلى قوله لِتَبْلُغُوا وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَى الْبَوَاقِي فَمَا السَّبَبُ فِيهِ؟ الْجَوَابُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» الرُّكُوبُ فِي الْحَجِّ وَالْغَزْوِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا، فَهَذَانِ الْقِسْمَانِ أَغْرَاضٌ دِينِيَّةٌ فَلَا جَرَمَ أَدْخَلَ عَلَيْهِمَا حَرْفَ التَّعْلِيلِ، وَأَمَّا الْأَكْلُ وَإِصَابَةُ الْمَنَافِعِ فَمِنْ جِنْسِ الْمُبَاحَاتِ، فَلَا جَرَمَ مَا أدخل عليها حَرْفَ التَّعْلِيلِ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً [النَّحْلِ: ٨] فَأَدْخَلَ التَّعْلِيلَ عَلَى الرُّكُوبِ وَلَمْ يُدْخِلْهُ عَلَى الزِّينَةِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ مَعْنَاهُ تُحْمَلُونَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: لِمَ لَمْ يَقُلْ وَفِي الْفُلْكِ كَمَا قَالَ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ [هُودٍ: ٤٠] وَالْجَوَابُ: أَنَّ كَلِمَةَ عَلَى لِلِاسْتِعْلَاءِ فَالشَّيْءُ الَّذِي يُوضَعُ فِي الْفُلْكِ كَمَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ وُضِعَ فِيهِ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ وُضِعَ عَلَيْهِ، وَلَمَّا صَحَّ الْوَجْهَانِ كَانَتْ لَفْظُهُ على أَوْلَى حَتَّى يَتِمَّ الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ هَذِهِ الدلائل الكثيرة قال: يُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ
يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي عَدَدْنَاهَا كُلَّهَا ظَاهِرَةٌ بَاهِرَةٌ، فقوله أَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ
تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الدَّلَائِلِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا مَا يُمْكِنُ إِنْكَارُهُ، قال صاحب «الكشاف» قوله أَيَّ آياتِ اللَّهِ
جَاءَ عَلَى اللُّغَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ، وَقَوْلُكُ: فَأَيَّةُ آيَاتِ اللَّهِ قَلِيلٌ لِأَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ فِي الْأَسْمَاءِ غَيْرُ الصِّفَاتِ نَحْوَ حِمَارٌ وَحِمَارَةٌ غَرِيبٌ، وَهِيَ فِي أَيِّ أَغْرَبُ لإبهامه والله أعلم.
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٨٢ الى ٨٥]
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨٣) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (٨٥)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى رَاعَى تَرْتِيبًا لَطِيفًا فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ فَصْلًا فِي دَلَائِلِ الْإِلَهِيَّةِ وَكَمَالِ الْقُدْرَةِ والرحمة والحكمة، ثم أردفه بفصل في التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ وَهَذَا الْفَصْلُ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ خَتْمُ هَذِهِ السُّورَةِ هُوَ الْفَصْلُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْوَعِيدِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ وَحَصَلَ الْكِبْرُ الْعَظِيمُ فِي صُدُورِهِمْ بِهَذَا، وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ طَلَبُ الرِّيَاسَةِ وَالتَّقَدُّمِ عَلَى الْغَيْرِ فِي الْمَالِ وَالْجَاهِ، فَمَنْ تَرَكَ الِانْقِيَادَ لِلْحَقِّ

لِأَجْلِ طَلَبِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَقَدْ بَاعَ الْآخِرَةَ بِالدُّنْيَا، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فَاسِدَةٌ، لِأَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ ذَاهِبَةٌ، وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يَعْنِي لَوْ سَارُوا فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ لَعَرَفُوا أَنَّ عَاقِبَةَ الْمُتَكَبِّرِينَ الْمُتَمَرِّدِينَ، لَيْسَتْ إِلَّا الْهَلَاكَ وَالْبَوَارَ، مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَكْثَرَ عَدَدًا وَمَالًا وَجَاهًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَلَمَّا لَمْ يَسْتَفِيدُوا مِنْ تِلْكَ الْمُكْنَةِ الْعَظِيمَةِ وَالدَّوْلَةِ الْقَاهِرَةِ إِلَّا الْخَيْبَةَ وَالْخَسَارَ، وَالْحَسْرَةَ وَالْبَوَارَ، فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُ هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءِ الْمَسَاكِينِ، أَمَّا بَيَانُ أَنَّهُمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ/ هَؤُلَاءِ عَدَدًا فَإِنَّمَا يُعْرَفُ فِي الْأَخْبَارِ، وَأَمَّا أَنَّهُمْ كَانُوا أَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ، فَلِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَتْ آثَارُهُمْ بِحُصُونٍ عَظِيمَةٍ بَعْدَهُمْ، مِثْلُ الْأَهْرَامِ الْمَوْجُودَةِ بِمِصْرَ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْبِلَادِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي بَنَاهَا الْمُلُوكُ الْمُتَقَدِّمُونَ، وَمِثْلُ مَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَما أَغْنى عَنْهُمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ مَا فِي قَوْلِهِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ نَافِيَةٌ أَوْ مُضَمَّنَةٌ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ وَمَحَلُّهَا النَّصْبُ، وَمَا فِي قَوْلِهِ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ مَوْصُولَةٌ أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ وَمَحَلُّهَا الرَّفْعُ يَعْنِي أَيَّ شَيْءٍ أَغْنَى عَنْهُمْ مَكْسُوبُهُمْ أَوْ كَسْبُهُمْ.
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ أُولَئِكَ الْكُفَّارَ لَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ فَرِحُوا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى الْكُفَّارِ، وَأَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى الرُّسُلِ، أَمَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الْكُفَّارِ، فَذَلِكَ الْعِلْمُ الَّذِي فَرِحُوا بِهِ أَيُّ عِلْمٍ كَانَ؟ وَفِيهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْأَشْيَاءَ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهَا بِالْعِلْمِ، وَهِيَ الشُّبُهَاتُ الَّتِي حَكَاهَا اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِمْ وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ [الْجَاثِيَةِ: ٢٤] وَقَوْلِهِمْ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا [الْأَنْعَامِ: ١٤٨] وقولهم مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس: ٧٨]، وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً [الْكَهْفِ: ٣٦] وَكَانُوا يَفْرَحُونَ بِذَلِكَ وَيَدْفَعُونَ بِهِ عُلُومَ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا قال: كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [المؤمنون: ٥٣]، الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عُلُومَ الْفَلَاسِفَةِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَمِعُوا بِوَحْيِ اللَّهِ دَفَعُوهُ وَصَغَّرُوا عِلْمَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَى عُلُومِهِمْ، وَعَنْ سُقْرَاطَ أَنَّهُ سَمِعَ بِمَجِيءِ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ فَقِيلَ لَهُ لو هاجرت إليه فَقَالَ نَحْنُ قَوْمٌ مَهْدِيُّونَ فَلَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى مَنْ يَهْدِينَا الثَّالِثُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عِلْمَهُمْ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَمَعْرِفَتَهُمْ بِتَدْبِيرِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ [الرُّومِ: ٧]، ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ [النَّجْمِ: ٣٠] فَلَمَّا جَاءَهُمُ الرُّسُلُ بِعُلُومِ الدِّيَانَاتِ وَهِيَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْرِفَةُ المعاد وَتَطْهِيرُ النَّفْسِ عَنِ الرَّذَائِلِ لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهَا واستهزؤا بِهَا، وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ لَا عِلْمَ أَنْفَعُ وَأَجْلَبُ لِلْفَوَائِدِ مِنْ عِلْمِهِمْ، فَفَرِحُوا بِهِ. أَمَّا إِذَا قُلْنَا الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ فَفِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ:
أَنْ يُجْعَلَ الْفَرَحُ لِلرُّسُلِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الرُّسُلَ لَمَّا رَأَوْا مِنْ قَوْمِهِمْ جَهْلًا كَامِلًا، وَإِعْرَاضًا عَنِ الْحَقِّ وَعَلِمُوا سُوءَ عَاقِبَتِهِمْ وَمَا يَلْحَقُهُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَى جَهْلِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ، فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا مِنَ الْعِلْمِ وَشَكَرُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، وَحَاقَ بِالْكَافِرِينَ جَزَاءُ جَهْلِهِمْ وَاسْتِهْزَائِهِمْ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَ الرُّسُلِ مِنَ الْعِلْمِ فَرَحَ ضَحِكٍ مِنْهُ وَاسْتِهْزَاءٍ بِهِ، كَأَنَّهُ قال استهزؤا بِالْبَيِّنَاتِ، وَبِمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ عِلْمِ الْوَحْيِ فَرِحِينَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ الْبَأْسُ شِدَّةُ الْعَذَابِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: بِعَذابٍ بَئِيسٍ [الْأَعْرَافِ: ١٦٥] فَإِنْ قِيلَ أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ قَوْلِهِ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ وَبَيْنَ ما

لَوْ قِيلَ فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ إِيمَانُهُمْ؟ قُلْنَا هُوَ مِثْلُ كَانَ فِي نَحْوِ قَوْلُهُ مَا كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ [مَرْيَمَ: ٣٥] وَالْمَعْنَى فَلَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَنْ يَنْفَعَهُمْ إِيمَانُهُمْ، فَإِنْ قِيلَ اذْكُرُوا ضَابِطًا فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ الْإِتْيَانُ/ بِالْإِيمَانِ فِيهِ، قُلْنَا إِنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي يُعَايِنُ فِيهِ نُزُولَ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ وَالْعَذَابِ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَصِيرُ الْمَرْءُ مُلْجَأً إِلَى الْإِيمَانِ فَذَلِكَ الْإِيمَانُ لَا يَنْفَعُ إِنَّمَا يَنْفَعُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى خِلَافِهِ، حَتَّى يَكُونَ الْمَرْءُ مُخْتَارًا، أَمَّا إِذَا عَايَنُوا عَلَامَاتِ الآخرة فلا.
ثم قال تعالى: سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ عَدَمَ قَبُولِ الْإِيمَانِ حَالَ الْيَأْسِ سُنَّةُ اللَّهِ مُطَّرِدَةٌ فِي كُلِّ الْأُمَمِ.
ثُمَّ قَالَ: وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ فَقَوْلُهُ هُنالِكَ مُسْتَعَارٌ لِلزَّمَانِ أَيْ وَخَسِرُوا وَقْتَ رُؤْيَةِ الْبَأْسِ، وَاللَّهُ الْهَادِي لِلصَّوَابِ.
تَمَّ تَفْسِيرُ هَذِهِ السُّورَةِ يَوْمَ السَّبْتِ الثَّانِي مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فِي بَلْدَةِ هَرَاةَ.
يَا مَنْ لَا يَبْلُغُ أَدْنَى مَا اسْتَأْثَرْتَ بِهِ مِنْ جَلَالِكَ وَعِزَّتِكَ أَقْصَى نُعُوتِ النَّاعِتِينَ، يَا مَنْ تَقَاصَرَتْ عَنِ الْإِحَاطَةِ بِمَبَادِئِ أَسْرَارِ كِبْرِيَائِهِ أَفْهَامُ الْمُتَفَكِّرِينَ، وَأَنْظَارُ الْمُتَأَمِّلِينَ لَا تَجْعَلْنَا بِفَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ فِي زُمْرَةِ الْخَاسِرِينَ الْمُبْطِلِينَ وَلَا تَجْعَلْنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمَحْرُومِينَ، فَإِنَّكَ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ، وأرحم الراحمين.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.