آيات من القرآن الكريم

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐ

دلائل أخرى كثيرة على وجود الله ووحدانيته
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٧٩ الى ٨١]
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (٨١)
الإعراب:
َيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ
أَيَ
: استفهام، وهي منصوب بنْكِرُونَ
والاستفهام إنما ينصب بما بعده، لأن له صدر الكلام. وهو استفهام توبيخ. وتذكيرأَيَ
أشهر من تأنيثه، وهنا جاءت على اللغة المستفيضة، وقولك «فأية آيات الله» قليل، لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحو حمار وحمارة: غريب، وهي في أَيَ
أغرب، لإبهامه.
المفردات اللغوية:
الْأَنْعامَ هي الإبل والبقر والغنم والمعز لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ منها ما يؤكل كالغنم، ومنها ما يؤكل ويركب كالإبل وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كالألبان والجلود والأصواف والأوبار وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ بالمسافرة عليها وحمل الأثقال إلى البلاد، والحاجة: الأمر المهم وَعَلَى الْفُلْكِ السفن في البحر، وإنما قال: عَلَى الْفُلْكِ ولم يقل: في الفلك، كما في قوله تعالى: قُلْنَا: احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ [هود ١١/ ٤٠] للمزاوجة والمطابقة بينها وبين ما قبلها وهو: وَعَلَيْها ولأن راكب السفينة يستعليها، فيصح كونه فيها، لأنها وعاء له، ويصح كونه عليها لاستعلائها.
يُرِيكُمْ آياتِهِ
دلائله الدالة على كمال قدرته وفرط رحمته ووحدانيته أَيَّ آياتِ اللَّهِ
الدالة على ما ذكر من تلك الآيات نْكِرُونَ
فإنها لوضوحها وظهورها لا تقبل الإنكار.

صفحة رقم 169

المناسبة:
بعد الإطناب في وعيد المكذبين المجادلين في آيات الله، بما فيه العبرة والكفاية، عاد الحق تعالى إلى إيراد دلائل أخرى تدل على وجود الله ووحدانيته، ويصلح تعدادها نعما على العباد، ثم أجمل في الإحالة على أدلة كثيرة تحيط بالناس.
التفسير والبيان:
يمتن الله تعالى على عباده بما خلق لهم من الأنعام ذات المنافع الكثيرة والدالة على قدرة الله فقال:
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها، وَمِنْها تَأْكُلُونَ أي إن الله تعالى هو الذي خلق لأجلكم الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم الشامل للمعز، لتركبوا بعضها وتأكلوا بعضها، فالإبل: تركب وتؤكل وتحلب ويحمل عليها الأثقال في الأسفار، والبقر: تؤكل ويشرب لبنها، ويحرث عليها الأرض، والغنم تؤكل ويشرب لبنها، والجميع تتناسل وتجز أصوافها وأشعارها وأوبارها، فيتخذ منها الأثاث والثياب والأمتعة، لذا قال تعالى:
وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ، وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ، وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ أي ولكم فيها منافع أخر غير الركوب والأكل، كأخذ الوبر والصوف والشعر والزبد والسمن والجبن وغير ذلك مما يستعمل للثياب والأمتعة والمأكولات، ولتحمل أثقالكم إلى البلاد النائية بيسر وسهولة، وعلى الإبل في البر، وعلى السفن في البحر تحملون وتنقلون من بلد إلى آخر، ومن موضع إلى آخر، وقد قيل: «الجمل سفينة الصحراء». ويلاحظ أنه تعالى قرن بين الامتنان بنعمة الركوب في البر، ونعمة الامتنان بركوب البحر.

صفحة رقم 170

ونحو الآية قوله تعالى: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ، وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ.. إلى أن قال: وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ، وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ..
[الأنعام ٦/ ١٤٣- ١٤٤] وقوله سبحانه: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ، وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ، إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ [النحل ١٦/ ٥- ٧].
ولما ذكر الله هذه الدلائل الكثيرة الدالة على قدرة الله التي لا تنكر قال:
يُرِيكُمْ آياتِهِ، فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ
أي إن الله تعالى يري عباده عيانا هذه الآيات والبراهين التي عددها في الآفاق والأنفس، والتي هي كلها ظاهرة باهرة دالة على كمال قدرته ووحدانيته، فما الذي تنكرونه منها؟ وهي كلها ظاهرة واضحة، بحيث لا ينكرها ذو بصيرة نيّرة إن كان منصفا، أي إنكم في الواقع لا تقدرون على إنكار شيء من آياته، إلا أن تعاندوا وتكابروا، كما قيل:
وفي كل شيء له آية... تدل على أنه واحد
والسبب في إدخال اللام على لِتَرْكَبُوا ولِتَبْلُغُوا وعدم دخولها على البواقي: هو الاهتمام بجل المنافع وهو الركوب والحمل عليها، وأما الأكل والانتفاع بالأوبار والأشعار فهو غرض أقل وأبسط.
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه ادلة أخرى على كمال قدرة الله ووحدانيته، وتشير إلى عظم نعم الله على عباده، وهي تتمثل في خلق الأنعام للأكل والركوب، والانتفاع بها في منافع كثيرة للثياب والأمتعة والمأكولات، وحمل الأثقال، والتنقل عليها في الأسفار وقطع المسافات، سواء في البر والبحر.

صفحة رقم 171
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية