آيات من القرآن الكريم

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّىٰ مِنْ قَبْلُ ۖ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ

٨- الله تعالى خلق الأرض لعباده مستقرا لهم في حياتهم وبعد الموت، وخلق السماء سقفا محفوظا ثابتا، وخلق الناس في أحسن صورة وتقويم.
٩- والله هو رازق الطيبات اللذائذ، وهو الحي الباقي الذي لا يموت، فما على الناس إلا عبادته بإخلاص، وحمده وشكره والثناء عليه.
١٠- يلاحظ أن الآيات انتهت بنهايات قوية مؤثرة تناسب المقام: وهي وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ لا يُؤْمِنُونَ لا يَشْكُرُونَ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ يَجْحَدُونَ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
النهي عن عبادة غير الله وسبب النهي
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٦٦ الى ٦٨]
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦٦) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٦٨)
المفردات اللغوية:
تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تعبدون. الْبَيِّناتُ الحجج ودلائل التوحيد أو الآيات القرآنية، فإنها مقوّية لأدلة العقل، منبهة عليها. أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ أنقاد له نُطْفَةٍ مني.
عَلَقَةٍ دم غليظ. ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا أطفالا، والإفراد لإرادة الجنس. ثُمَّ لِتَبْلُغُوا

صفحة رقم 156

أَشُدَّكُمْ
أي لتصلوا إلى تكامل قوتكم من الثلاثين إلى الأربعين سنة، واللام متعلقة بمحذوف تقديره:
ثم يبقيكم. وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ من قبل الشيخوخة أو بلوغ الأشد. وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى أي ويفعل ذلك لتبلغوا وقتا محددا، هو وقت الموت. وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ما في ذلك من الحجج والعبر ودلائل التوحيد، فتؤمنوا. قَضى أَمْراً أراد إيجاد شيء. فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ بتقدير أن، أي يوجد عقب الإرادة التي هي معنى القول المذكور. والفاء الأولى للدلالة على أن ذلك نتيجة ما سبق، من حيث إنه يقتضي قدرة ذاتية غير متوقفة على عدّة أو مادّة.
سبب النزول: نزول الآية (٦٦) :
قُلْ: إِنِّي نُهِيتُ..: أخرج جويبر عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة قالا: يا محمد، ارجع عما تقول بدين آبائك، فأنزل الله:
قُلْ: إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الآية.
المناسبة:
بعد إيراد دلائل القدرة والتوحيد وصفات الجلال والعظمة، نهى الله عن عبادة غيره، بقول لين لطيف، لصرف المشركين عن عبادة الأوثان، ثم أبان سبب النهي وهو البينات التي جاءت النبي من ربه، من دلائل الآفاق والأنفس، أما الأولى فهي أربعة: الليل والنهار والأرض والسماء، وأما الثانية فذكر منها سابقا ثلاثة وهي: تكوين الصورة، وحسن الصورة، ورزق الطيبات. وذكر منها هنا كيفية تكون الإنسان ومراحل تدرجه وأطوار حياته من الاجتنان إلى الولادة والطفولة، إلى الشباب والكهولة، ثم الشيخوخة، ثم الموت.
التفسير والبيان:
قُلْ: إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي قل أيها الرسول لمشركي قومك في مكة وغيرها: إن الله ينهى أن يعبد

صفحة رقم 157

حد من غير الله من الأصنام والأنداد والأوثان، حين جاءتني الأدلة النقلية والعقلية من عند ربي، وهي آي القرآن، وما أودع في العقول السليمة من البراهين الدالة على التوحيد، وأمرت أن أستسلم وأنقاد وأخضع لله رب العالمين، وأخلص له ديني. ومن الآيات التي تنهى عن عبادة الأوثان قوله تعالى: أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ [الصافات ٣٧/ ٩٥- ٩٦].
ثم ذكر الله تعالى من دلائل الأنفس ما يدل على توحيد الله وهو كيفية تكون الإنسان ومراحل نشأته، فقال:
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا، ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ، ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً، وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ، وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى، وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ أي إن الله هو الذي خلق أباكم الأول آدم من التراب، وجعل ذريته أيضا من تراب، إذ كل مخلوق من المني ناشئ من الدم، والدم من الغذاء، والغذاء من النبات، والنبات من الماء والتراب، فثبت أن كل إنسان متكون من التراب، ثم صيّر الله ذلك التراب نطفة (منيا) ثم علقة (قطعة دم متجمدة) ثم ولدتم وأخرجتم أطفالا، ثم وصلتم إلى بلوغ الأشد أي مرحلة اكتمال القوة والعقل، ثم تصيرون شيوخا (والشيخ: من جاوز الأربعين).
ومن الناس من يتوفى من قبل الشيخوخة أو الشباب أو الولادة، وقد فعل ذلك لتبلغوا الأجل المحدود وهو وقت الموت أو يوم القيامة، واللام لام العاقبة أو الصيرورة، ولكي تعقلوا ما في هذا التدرج والتطور في المراحل المختلفة من دليل دال على قدرة الله البالغة على البعث وغيره، وعلى توحيد ربكم، في خلقكم على هذه الأطوار:
طور الاجتنان، وطور الطفولة، وطور بلوغ الأشد، وطور الشيخوخة،

صفحة رقم 158

ففي هذا التغير والانتقال دلالة على وجود الله، ثم أتبع ذلك بدليل آخر من التغير والانتقال فقال:
هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ أي وإن الله هو القادر على الإحياء والإماتة، والمتفرد بذلك لا يقدر عليه أحد سواه، فإذا قضى وقدر أمرا من الأمور التي يريدها، فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ أي يحدث فور الإرادة من غير توقف على شيء، ولا معاناة ولا كلفة. وهذا أقصى ما يمكن به تقريب الخلق إلى الأذهان، فإن المخلوق يوجد بسرعة فائقة جدا بمجرد تعلق الإرادة به.
فقه الحياة أو الأحكام:
أوضحت الآيات أمورا ثلاثة هي:
١- النهي الجازم عن عبادة غير الله بعد قيام الأدلة على وجود الله وتوحيده، مما صرح به القرآن في آياته، ومما أرشد إليه العقل الصحيح في تفكيره، والعبادة تقتضي الانقياد التام والخضوع وإخلاص الدين لله رب العالمين، فلا أمل في عبادة الأصنام والأوثان وغيرها من أنواع الشرك.
والخلاصة: نهى تعالى عن عبادة الأوثان، ثم أمر بالاستسلام لله تعالى، ثم أقام الدليل على الوحدانية والألوهية فيما، مع العلم بأن والتي أصنامهم عارية عن شيء منهما بدليل تدرج ابن آدم.
٢- بيان مراحل تطور الإنسان وتدرجه في التكوين والخلقة، فأصله من تراب، ثم يصبح نطفة فعلقة فمضغة، ثم يولد طفلا، ثم يشب ويقوى بدنه وعقله، ثم يهرم ويشيخ، وقد يموت من قبل هذه الأحوال، ثم يحدث موت الكل. والإخبار عن تلك المراحل الانتقالية ليعقل الإنسان أنها ترشده وتعلمه أن لا إله إلا الله. آمنت بالله وحده.

صفحة رقم 159
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية