آيات من القرآن الكريم

كَذَٰلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ
ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ

كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْعِلْمَ خَيْرٌ مِنَ الْجَهْلِ، وَأَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ الْفَاسِدِ، إِلَّا أَنَّهُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ فِي النَّوْعِ الْمُعَيَّنِ مِنَ الِاعْتِقَادِ أَنَّهُ عِلْمٌ أَوْ جَهْلٌ، وَالنَّوْعُ الْمُعَيَّنُ مِنَ الْعَمَلِ أَنَّهُ عَمَلٌ/ صَالِحٌ أَوْ فَاسِدٌ، فَإِنَّ الْحَسَدَ يُعْمِي قُلُوبَهُمْ، فَيَعْتَقِدُونَ فِي الْجَهْلِ وَالتَّقْلِيدِ أَنَّهُ مَحْضُ الْمَعْرِفَةِ، وَفِي الْحَسَدِ وَالْحِقْدِ وَالْكِبْرِ أَنَّهُ مَحْضُ الطَّاعَةِ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ قَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ تَتَذَكَّرُونَ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ، أَيْ قُلْ لَهُمْ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ، وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَةِ.
وَلَمَّا قَرَّرَ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى إِمْكَانِ وُجُودِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَرْدَفَهُ بِأَنْ أَخْبَرَ عَنْ وُقُوعِهَا وَدُخُولِهَا فِي الْوُجُودِ فَقَالَ: إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ وَالْمُرَادُ بِأَكْثَرِ الناس الكفار الذين ينكرون البعث والقيامة.
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٦٠ الى ٦٣]
وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (٦٠) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (٦١) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٦٣)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْقِيَامَةِ حَقٌّ وَصِدْقٌ، وَكَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْتَفِعُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا جَرَمَ كَانَ الِاشْتِغَالُ بِالطَّاعَةِ مِنْ أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ، وَلَمَّا كَانَ أَشْرَفُ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ الدُّعَاءَ وَالتَّضَرُّعَ، لَا جَرَمَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ ادْعُونِي فَقِيلَ إِنَّهُ الْأَمْرُ بِالدُّعَاءِ، وَقِيلَ إِنَّهُ الأمر بالعبادة، بدليل أنه قال بعده إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي وَلَوْلَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالدُّعَاءِ أَمْرٌ بِمُطْلَقِ الْعِبَادَةِ لَمَا بَقِيَ لِقَوْلِهِ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي مَعْنًى، وَأَيْضًا الدُّعَاءُ بِمَعْنَى الْعِبَادَةِ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً [النِّسَاءِ: ١١٧] وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الدُّعَاءَ هُوَ اعْتِرَافٌ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ إِنَّ تَارِكَ الدُّعَاءِ إِنَّمَا تَرَكَهُ لِأَجْلِ أَنْ يَسْتَكْبِرَ عَنْ إِظْهَارِ الْعُبُودِيَّةِ وَأُجِيبَ عَنْ قَوْلِهِ إِنَّ الدُّعَاءَ بِمَعْنَى الْعِبَادَةِ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ، بِأَنَّ تَرْكَ الظَّاهِرِ لَا يُصَارُ/ إِلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَالَ: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وَقَدْ يُدْعَى كَثِيرًا فَلَا يُسْتَجَابُ أَجَابَ الْكَعْبِيُّ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ: الدُّعَاءُ إِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى شَرْطٍ، وَمَنْ دَعَا كَذَلِكَ اسْتُجِيبَ لَهُ، وَذَلِكَ الشَّرْطُ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ بِالدُّعَاءِ مَصْلَحَةً وَحِكْمَةً، ثُمَّ سَأَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ: فَمَا هُوَ أَصْلَحُ يَفْعَلُهُ بِلَا دُعَاءٍ، فَمَا الْفَائِدَةُ فِي الدُّعَاءِ! وَأَجَابَ: عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: أَنَّ فِيهِ الْفَزَعَ وَالِانْقِطَاعَ إِلَى اللَّهِ وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا أَيْضًا وَارِدٌ عَلَى الْكُلِّ، لِأَنَّهُ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَفْعَلَهُ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الدُّعَاءِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ فَإِنَّهُ الْبَتَّةَ لَا يَفْعَلُهُ، فَلَا فَائِدَةَ في الدعاء، وكل ما يقولونه هاهنا فَهُوَ جَوَابُنَا، هَذَا تَمَامُ مَا ذَكَرَهُ، وَعِنْدِي فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ:
ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ فَكُلُّ مَنْ دَعَا اللَّهَ وَفِي قَلْبِهِ ذَرَّةٌ مِنَ الِاعْتِمَادِ عَلَى مَالِهِ وَجَاهِهِ وَأَقَارِبِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَجِدِّهِ وَاجْتِهَادِهِ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مَا دَعَا اللَّهَ إِلَّا بِاللِّسَانِ، أَمَّا بِالْقَلْبِ فَإِنَّهُ مُعَوِّلٌ فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ الْمَطْلُوبِ عَلَى غير

صفحة رقم 527

اللَّهِ، فَهَذَا الْإِنْسَانُ مَا دَعَا رَبَّهُ فِي وَقْتٍ، أَمَّا إِذَا دَعَا فِي وَقْتٍ لَا يَبْقَى فِي الْقَلْبِ الْتِفَاتٌ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَحْصُلُ الِاسْتِجَابَةُ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَفِيهِ بِشَارَةٌ كَامِلَةٌ، وَهِيَ أَنَّ انْقِطَاعَ الْقَلْبِ بِالْكُلِّيَّةِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ الْقُرْبِ مِنَ الْمَوْتِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَاطِعٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ سِوَى فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَعَلَى الْقَانُونِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَقْبُولًا عِنْدَ اللَّهِ، وَنَرْجُو مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَإِحْسَانِهِ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِلدُّعَاءِ الْمَقْرُونِ بِالْإِخْلَاصِ وَالتَّضَرُّعِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ الْمُسْتَقْصَى فِي الدُّعَاءِ قَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ أَيْ صَاغِرِينَ وَهَذَا إِحْسَانٌ عَظِيمٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ عَلَى تَرْكِ الدُّعَاءِ، فَإِنْ قِيلَ
رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ حِكَايَةً عَنْ رَبِّ الْعِزَّةِ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ»
فَهَذَا الْخَبَرُ يَقْتَضِي أَنَّ تَرْكَ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ، وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الدُّعَاءِ يُوجِبُ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ، فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؟ قُلْنَا لَا شَكَّ أَنَّ الْعَقْلَ إِذَا كَانَ مُسْتَغْرِقًا في الثناء كان ذلك أفضل من الدعاء، لأن الدعاء طلب للحظ والاستغراق في معرفة جلال الله أفضل من طلب الحظ، أما إذا لم يحصل ذلك الاستغراق كان الاشتغال بالدعاء أولى، لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْرِفَةِ عِزَّةِ الرُّبُوبِيَّةِ وَذِلَّةِ الْعُبُودِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَاعْلَمْ أَنَّ تَعَلُّقَهُ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: إِنِّي أَنْعَمْتُ عَلَيْكَ قَبْلَ طَلَبِكَ لِهَذِهِ النِّعَمِ الْجَلِيلَةِ الْعَظِيمَةِ، وَمَنْ أَنْعَمَ قَبْلَ السُّؤَالِ بِهَذِهِ النِّعَمِ الْعَالِيَةِ فَكَيْفَ لَا يُنْعِمُ بِالْأَشْيَاءِ الْقَلِيلَةِ بَعْدَ السُّؤَالِ وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِالدُّعَاءِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ الِاشْتِغَالُ بِالدُّعَاءِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِحُصُولِ الْمَعْرِفَةِ، فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ الْقَادِرِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الدَّلَائِلَ الْعَشْرَةَ عَلَى وُجُودِهِ وَقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ دَلَائِلَ وُجُودِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ، إِمَّا فَلَكِيَّةٌ، وَإِمَّا عُنْصُرِيَّةٌ، أَمَّا الْفَلَكِيَّاتُ فَأَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ أَحَدُهَا: تَعَاقُبُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَ [لَمَّا] كَانَ أَكْثَرُ مَصَالِحِ الْعَالَمِ مَرْبُوطًا بِهِمَا فَذَكَرَهُمَا اللَّهُ/ تَعَالَى فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي خَلْقِ اللَّيْلِ حُصُولُ الرَّاحَةِ بِسَبَبِ النَّوْمِ وَالسُّكُونِ، وَالْحِكْمَةَ فِي خَلْقِ النَّهَارِ، إِبْصَارُ الْأَشْيَاءِ لِيَحْصُلَ مُكْنَةُ التَّصَرُّفِ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَنْفَعِ، أَمَّا أَنَّ السُّكُونَ فِي وَقْتِ النَّوْمِ سَبَبٌ لِلرَّاحَةِ فَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْحَرَكَاتِ تُوجِبُ الْإِعْيَاءَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْحَرَكَةَ تُوجِبُ السُّخُونَةَ وَالْجَفَافَ، وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّأَلُّمَ وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِحْسَاسَ بِالْأَشْيَاءِ إِنَّمَا يُمْكُنُ بِإِيصَالِ الْأَرْوَاحِ الْجُسْمَانِيَّةِ إِلَى ظَاهِرِ الْحِسِّ، ثُمَّ إِنْ تِلْكَ الْأَرْوَاحَ تَتَحَلَّلُ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْحَرَكَاتِ فَتَضْعُفُ الْحَوَاسُّ وَالْإِحْسَاسَاتُ، وَإِذَا نَامَ الْإِنْسَانُ عَادَتِ الْأَرْوَاحُ الْحَسَّاسَةُ فِي بَاطِنِ الْبَدَنِ وَرُكِّزَتْ وَقَوِيَتْ وَتَخَلَّصَتْ عَنِ الْإِعْيَاءِ، وَأَيْضًا اللَّيْلُ بَارِدٌ رَطْبٌ فَبُرُودَتُهُ وَرُطُوبَتُهُ يَتَدَارَكَانِ مَا حَصَلَ فِي النَّهَارِ مِنَ الْحَرِّ وَالْجَفَافِ بِسَبَبِ مَا حَدَثَ مِنْ كَثْرَةِ الْحَرَكَاتِ، فَهَذِهِ هِيَ الْمَنَافِعُ الْمَعْلُومَةُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالنَّهارَ مُبْصِراً فَاعْلَمْ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَدَنِيٌّ بِالطَّبْعِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ مَا لَمْ يَحْصُلْ مَدِينَةٌ تَامَّةٌ لَمْ تَنْتَظِمْ مُهِمَّاتُ الْإِنْسَانِ فِي مَأْكُولِهِ وَمَشْرُوبِهِ وَمَلْبَسِهِ وَمَنْكَحِهِ، وَتِلْكَ الْمُهِمَّاتُ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِأَعْمَالٍ كَثِيرَةٍ، وَتِلْكَ الْأَعْمَالُ تَصَرُّفَاتٌ فِي أُمُورٍ، وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ لَا تَكْمُلُ إِلَّا بِالضَّوْءِ وَالنُّورِ حَتَّى يُمَيِّزَ الْإِنْسَانُ بِسَبَبِ ذَلِكَ النُّورِ بَيْنَ مَا يُوَافِقُهُ وَبَيْنَ مَا لَا يُوَافِقُهُ، فَهَذَا هُوَ الْحِكْمَةُ فِي قَوْلِهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً فَإِنْ قِيلَ كَانَ الْوَاجِبُ بِحَسَبِ رِعَايَةِ النَّظْمِ أَنْ يُقَالَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ لِتُبْصِرُوا فِيهِ، أَوْ فَجَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ سَاكِنًا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ كَذَلِكَ بَلْ قَالَ فِي اللَّيْلِ لِتَسْكُنُوا

صفحة رقم 528
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية