آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ

٥- أنه سبحانه عالم بكل شيء صغير أو كبير، دقيق أو جليل، وهذا يوجب شدة الخوف.
٦- الله يقضي بالحق المطلق والعدل التام، وهذا أيضا يوجب عظم الخوف.
٧- لا فائدة مما عول عليه المشركون من شفاعة الأصنام، فهم لا يقضون بشيء.
٨- إن الله يسمع من الكفار ثناءهم على الأصنام ونحوها من المعبودات الباطلة، ويبصر خضوعهم وسجودهم لها.
وأما عذاب الدنيا: فأمام هؤلاء الكفار المكذبين لرسول الله محمد ص نماذج وألوان من عذاب الأمم القديمة المكذبة رسلها، وقد نزل بهم العذاب لأجل أنهم كفروا وكذبوا الرسل، وهؤلاء الحاضرون يشاهدون آثار دمارهم وهلاكهم، والله يحذر الكفار قوم الرسول من مثل أفعال أولئك الماضين، وقد ختم الكلام بقوله: إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ مبالغة في التحذير والتخويف.
قصة موسى عليه السلام مع فرعون وهامان
- ١- تعذيب بني إسرائيل والتهديد بقتل موسى
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٢٣ الى ٢٧]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٢٤) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٢٥) وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (٢٦) وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (٢٧)

صفحة رقم 102

البلاغة:
وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ فيه وضع الظاهر وهو الْكافِرِينَ موضع الضمير أي كيدهم لتعميم الحكم والدلالة على العلة وهي الكفر.
كَذَّابٌ صيغة مبالغة.
المفردات اللغوية:
بِآياتِنا أي المعجزات وَسُلْطانٍ حجة وبرهان مُبِينٍ ظاهر واضح، والعطف بين الآيات والسلطان لتغاير الوصفين فِرْعَوْنَ ملك مصر وَهامانَ وزير فرعون وَقارُونَ كان ثريا ساحِرٌ كَذَّابٌ يعنون موسى عليه السلام، وفيه تسلية لرسول الله ص وبيان عاقبة من هو أشد بطشا من الذين كانوا من قبلهم وأقربهم زمانا.
بِالْحَقِّ بالصدق قالُوا: اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ استبقوهم أحياء، والمعنى: أعيدوا عليهم ما كنتم تفعلون بهم من قتل الأولاد الذكور وإبقاء النساء أحياء للخدمة وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ ضياع.
وَقالَ فِرْعَوْنُ: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ فيه غاية الكيد والحقد والتجلد وعدم المبالاة بدعاء ربه ليمنعه منه إِنِّي أَخافُ إن لم أقتله أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أن يغير ما أنتم عليه من عبادتي وعبادة الأصنام. أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ أي ما يفسد دنياكم من القتل والتجارب وإثارة الفتن إن لم يقدر أن يبطل دينكم وَقالَ مُوسى لقومه لما سمع كلام فرعون إِنِّي عُذْتُ استعذت واستجرت واستعنت، وبدأ ب «إن» للتأكيد والدلالة على أن السبب المؤكد في دفع الشر هو العياذ بالله بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ خص اسم الرب، لأن المطلوب هو الحفظ والتربية، وقوله: وَرَبِّكُمْ للحث على الاقتداء به، فيتعوذوا بالله مثله ويعتصموا بالتوكل عليه مثله

صفحة رقم 103

مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لم يسم فرعون، وذكر وصفا يعمه وغيره لتعميم الاستعاذة بحيث تشمل فرعون وغيره من الجبابرة، ولاستخدام طريقة التعريض التي هي أبلغ. والتكبر: الاستكبار عن الإذعان للحق، وهو أقبح استكبار لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ ذكر هذا لأنه إذا اجتمع في الرجل التجبر والتكذيب بالجزاء وقلة المبالاة بالعاقبة، استكمل وصف القسوة والجرأة على الله وعلى عباده.
المناسبة:
لما سلّى الله تعالى رسوله بذكر عاقبة الكفار الذين كذبوا الأنبياء قبله وبمشاهدة آثارهم، سلاه أيضا بذكر قصة موسى عليه السلام التي دلت على أنه مع قوة معجزاته، كذبه فرعون وهامان وقارون، وقالوا عنه: هو ساحر كذاب.
ولكن في النهاية انتصر عليهم، وتلك بشارة لنبينا ص بأن العاقبة والنصرة له في الدنيا والآخرة، كما جرى لموسى بن عمران عليه السلام.
التفسير والبيان:
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ أي تالله لقد أرسلنا موسى بالمعجزات التي هي الآيات التسع كاليد والعصا، وبحجة بينة واضحة وبرهان قوي.
إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ، فَقالُوا: ساحِرٌ كَذَّابٌ أرسلنا موسى إلى فرعون ملك مصر، وهامان وزيره، وقارون أغنى أهل زمانه، فقالوا عنه: إنه ساحر مخادع مجنون مموه، كذاب فيما زعم أن الله أرسله، كما قال تعالى: كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا: ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ. أَتَواصَوْا بِهِ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ [الذاريات ٥١/ ٥٢- ٥٣].
وخص هؤلاء الطغاة بالذكر، لأنهم رؤساء المكذبين بموسى، وغيرهم تابع لهم. وشأن الجبابرة عدم الإصغاء للحجة والمنطق واللجوء إلى القوة، كما قال

صفحة رقم 104

تعالى: فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا أي بالبرهان القاطع الدال على أن الله عز وجل أرسله إليهم، وهي معجزاته الظاهرة الواضحة.
قالُوا: اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ أي قال أولئك الطغاة: عودوا إلى قتل الذكور وترك النساء، لئلا يكثر جمعهم، ولكي يضعف شأنهم. وهذه هي المرة الثانية بالأمر بذلك بعد بعثة موسى، وكانت المرة الأولى قبل ولادة موسى، لأجل تفادي وجوده، ولإذلال الشعب الإسرائيلي، ولتقليل عددهم، لئلا ينصروا عليهم. ولكن الله تعالى أحبط كيدهم وأفشل خطتهم كما قال:
وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ أي وما مكرهم وقصدهم تقليل عدد بني إسرائيل إلا في ضياع وذهاب سدى، لم يحقق فائدة لهم، فإنهم لما باشروا قتلهم أولا، فما أفادهم، وعاش موسى، فكذلك لا يفيدهم تجديد مأساة القتل الجماعي، وسيكون النصر للمؤمنين.
ولكنه زاد في هذه المرة العزم على قتل موسى، فقال:
وَقالَ فِرْعَوْنُ: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى، وَلْيَدْعُ رَبَّهُ أي قال فرعون لقومه: دعوني أقتل موسى، وليدع ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا، فليمنعه من القتل إن قدر على ذلك، ولا أبالي به. وهذا في الظاهر استهانة بدعاء رب موسى، وفي الباطن كان يرتعد من دعائه، فقوله: وَلْيَدْعُ رَبَّهُ شاهد صدق على فرط خوفه منه.
وسبب القتل ما قال تعالى:
إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ أي إني أخشى أن يغير منهاج دينكم الذي أنتم عليه من عبادتي وعبادة الأصنام، ويدخلكم في

صفحة رقم 105

دينه الذي هو عبادة الله وحده، أو أن يوقع بين الناس الخلاف والفتنة، فتكثر الخصومات والمنازعات، وتثار القلاقل والاضطرابات. والمراد: إظهار الخوف من تبديل الدين أو إفساد أمر الدنيا.
وإذا كان فرعون اعتز بجبروته وقوته، فإن موسى عليه السلام اعتصم بالله، فقال:
وَقالَ مُوسى: إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ، لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ أي لما بلغ موسى قول فرعون: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى.. قال: إني استجرت بالله وعذت به من شره وشر أمثاله من كل متعاظم متعال مستكبر عن الإذعان للحق، كافر مجرم لا يؤمن بالبعث والحساب والجزاء.
وقد استعاذ موسى ممن جمع بين الاستكبار والتكذيب بالجزاء، لأنهما عنوان الجرأة على الله وعلى عباده. وقال موسى بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ لحث قومه على مشاركته في الاستعاذة بالله من شر فرعون وملئه.
وقد ثبت في الحديث عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله ص كان إذا خاف قوما قال: «اللهم انا نعوذ بك من شرورهم، وندرأ بك في نحورهم».
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- يشترك الأنبياء في أمور هي تأييدهم بالمعجزات الدالة على صدقهم، وإعراض أقوامهم عنهم، واتهامهم بالكذب والتمويه والسحر، والتهديد بالطرد والتشريد أو القتل والتعذيب، ولكن النصر في النهاية للأنبياء والمؤمنين.

صفحة رقم 106

٢- وهذا المنهج هو ما عرف عن قصة موسى عليه السلام مع فرعون وقومه، أيده الله بالمعجزات وهي الآيات التسع المذكورة في قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ [الإسراء ١٧/ ١٠١]. وكان ابتلاء الله موسى برؤوس الطغيان والكبرياء وهم فرعون الملك، وهامان الوزير، وقارون صاحب الأموال والكنوز الذي اتفق مع فرعون وهامان في الكفر والتكذيب، فلما عجزوا عن معارضته بالحجة، وأبوا الإذعان للمنطق، وصفوا المعجزات بالسحر، ووصفوه بالكذب.
٣- وزاد طغيان فرعون، وامتد إلى القتل الجماعي لبني إسرائيل، وإبادة الأولاد الذكور بعد الولادة، وإبقاء النساء أحياء للإذلال والخدمة والإهانة، لئلا ينشأ الأطفال على دين موسى، فيقوى بهم، وتلك عودة منه إلى عادته القديمة بارتكاب هذه المنكرات.
قال قتادة: هذا قتل غير القتل الأول، لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الولدان بعد ولادة موسى، فلما بعث الله موسى، أعاد القتل على بني إسرائيل عقوبة لهم، فيمتنع الإنسان من الإيمان، ولئلا يكثر جمعهم، فيعتضدوا بالذكور من أولادهم، فشغلهم الله عن ذلك بما أنزل عليهم من أنواع العذاب، كالضفادع والقمّل والدم والطوفان، إلى أن خرجوا من مصر، فأغرقهم الله تعالى.
٤- تحقق نصر الله تعالى لموسى عليه السلام، وأحبط مكائد فرعون وقومه، وجعل مكرهم في خسران وضياع، فإن الناس لا يمتنعون من الإيمان، وإن فعل بهم مثلما فعل فرعون أو أشد.
٥- عزم فرعون أيضا على قتل موسى غير مبال ببطش الله وقوته، وأبان لقومه السبب الموجب لقتله وهو أن وجوده يؤدي إلى أحد أمرين أو كليهما: إما فساد الدين أو فساد الدنيا. والمراد بالدين: هو عبادة فرعون والأصنام،

صفحة رقم 107

والمقصود بفساد الدنيا: إيقاع الخصومات، وإثارة الفتن والقلاقل والاضطرابات.
٦- لما هدد فرعون بالقتل، لجأ موسى إلى ربه مستعيذا به من كل متعظم عن الإيمان، ولا يؤمن بالآخرة.
٧- استنبط الرازي من كلمات موسى ودعائه ثماني فوائد هي بإيجاز:
الأولى- إن قول موسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مستخدما لفظة إِنِّي الدالة على التأكيد، للدلالة على أن الطريق المؤكد المفيد في دفع الشرور والآفات عن النفس، الاعتماد على الله، والتوكل على عصمة الله تعالى.
الثانية- الاستعاذة بالله تصون الإنسان من شياطين الإنس والجن، فإذا قال المسلم: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» فالله تعالى يصون دينه وإخلاصه عن وساوس شياطين الجن، فكذلك إذا قال المسلم: أعوذ بالله، فالله يصونه عن كل الآفات والمخافات.
الثالثة- قوله بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ: لما كان المولى ليس إلا الله، وجب ألا يرجع العاقل في دفع كل الآفات إلا إلى حفظ الله تعالى، فهو المربي والحافظ.
الرابعة- قوله وَرَبِّكُمْ فيه بعث أو حث لقوم موسى عليه السلام على أن يقتدوا به في الاستعاذة بالله.
الخامسة- لم يذكر موسى فرعون في دعائه، رعاية لحق تربيته له في الصغر.
السادسة- بالرغم من عزم فرعون على قتل موسى، فلا فائدة في الدعاء عليه بعينه، بل الأولى الاستعاذة بالله في دفع كل من كان موصوفا بصفة التكبر والكفر بالبعث، حتى يشمل كل من كان عدوا ظاهرا أو خفيا.

صفحة رقم 108
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية