آيات من القرآن الكريم

الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ

ويحتمل أن يكون سماه: يوم البروز، والمصير، والرجوع، وما ذكر؛ لأن المقصود من إنشاء الدنيا وما فيها من الخلائق ذلك اليوم وتلك الدار، وكذلك صار إنشاء الدنيا وإنشاء ما فيها حكمة؛ لما عرف أن الإنشاء للإفناء خاصة ليس بحكمة، فخص ذلك اليوم بما ذكرنا وإن كانوا في جميع الأحوال بارزين إليه ظاهرين له، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ).
ظاهر، وهو رد لقول من يقول: إن شيئًا يستر على اللَّه تعالى اللَّه عن ذلك علوًّا كبيرًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ).
قال عامة أهل التأويل: إذا أهلك اللَّه تعالى أهل الأرض وأهل السماء فلم يبق أحد إلا اللَّه تعالى، فعند ذلك يقول: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)؟ فلا يجيبه أحد، فيقول هو في نفسه ويجيب نفسه: (لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)، لكن هذا بعيد لا يحتمل أن يقول: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) ولا أحد سواه، ويجيب نفسه: (لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)؛ لما لا حكمة في ذلك: أن يسأل نفسه ثم يجيبها، لكن الوجه فيه - واللَّه أعلم - أنه إنما يقول لهم ذلك إذا بعثهم وأحياهم: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)؟ فيقول الخلائق له بأجمعهم: (لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)، يقرون له جميعًا يومئذ بالملك والربوبية وإن كان بعض الخلائق في الدنيا قد نازعوه في الملك فيها وادعوا لأنفسهم، فيقرون يومئذ أن الملك في الدنيا والآخرة لله تعالى، والله أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ... (١٧)
أي: من خير أو شر.
(لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ).
أي: لا تجزى غير ما كسبت.
ويحتمل (لَا ظُلْمَ) أي: لا نقصان في الحسنات التي عملوها، ولا زيادة على السيئات التي اكتسبوها، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ).
قد ذكرنا هذا أيضًا، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (١٨).
سمى ذلك اليوم الآزفة، لقربه ودنوه منه؛ وعلى ذلك سماه: غدا، وقريبًا؛ كقوله: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ)، وقوله: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ...) الآية

صفحة رقم 14

؛ فعلى ذلك سماه " آزفة " لدنوه وقربه منهم، يقال: أزف فلان إلى فلان، أي: قرب ودنا منه، ومعناه: أي: أنذرهم بما إليه مرجع عاقبتهم ومصيرهم؛ لأن أهل العقل والتمييز إنما يعملون ويسعون للعاقبة وما إليه يرجع أمورهم وهو ذلك اليوم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ).
يخبر عن شدة حالهم وفزعهم في ذلك اليوم، ليس أن يزول قلوبهم عن أمكنتها وترتفع إلى الحناجر حقيقة، ولكنه وصف لشدة حالهم في ذلك اليوم وكثرة خوفهم وفزعهم وضيق صدورهم؛ وهو كقوله - تعالى -: (وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ)، أي: ضاقت صدورهم وقلوبهم بما حل بهم من الشدائد والأهوال، ليس أن صارت الأرض في الحقيقة مضيقة لا يسعون فيها، ولكن وصف لضيق صدورهم لعظم ما نزل بهم، فكنى بضيق الأرض عن ضيق صدورهم؛ فعلى ذلك جائز أن يكون ما ذكر من كون القلوب لدى الحناجر كناية عن ضيق صدورهم لشدة حالهم وعظيم ما حل بهم، واللَّه أعلم.
والحناجر هي مواضع الذبح من الشاة وغيرها من الدواب، واحدها: حنجرة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَاظِمِينَ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: الكاظم: المغموم الذي يتردد خوفه في جوفه غيظًا؛ لما كان منه في الدنيا.
وقيل: الكاظم لا يتكلم، قد كظم من الخوف.
وقيل: الذي لا يفتح فمه؛ وهو قريب بعضهم من بعض.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ).
أي: قريب، وقيل: الحميم: هو الذي يهتم بأمر صاحبه، ويسعى في دفع ما نزل به من البلاء.
وقوله: (وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ).
أي: يجاب: يذكر: ألا يكون لهم في الآخرة قريب يهتم لأمرهم، ولا شفيع يشفع لهم؛ فيجاب كما يكون في الدنيا؛ وكذلك قوله: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) أي: لا يكون لهم شفعاء ينفعهم شفاعثهم، وهو ما قال - عَزَّ وَجَلَّ - في آية أخرى: (وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ...) الآية ٢٥٤.

صفحة رقم 15
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
عدد الأجزاء
1