آيات من القرآن الكريم

الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ
ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ

يوم القيامة، لأن بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً يوم القيامة.
وقيل: الآية فيها تقديم وتأخير لأن النداء بالمقت لهم يكون في الاخرة ووقت دعائهم للإيمان هو في الدنيا.
والتقدير: ينادون (يوم القيامة)، لمقت الله لكم إذ تدعون إلى الإيمان في الدنيا فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم عند الحساب.
وفي هذا التقدير تفريق بين الصلة والموصول بخبر الابتداء وهو " أكبر " وما اتصل به، فلا يحسن ذلك عند النحويين.
قوله تعالى: ﴿قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثنتين﴾ - إلى قوله - ﴿السميع البصير﴾.
قال ابن عباس والضحاك: هذا مثل قوله تعالى: ﴿وَكُنْتُمْ أمواتا فأحياكم﴾ [البقرة: ٢٨] الآية.
وقال قتادة: كانوا أمواتاً في أصلاب أبائهم فأحياهم الله تعالى في الدنيا، ثم أمهاتهم الموتة التي لا بد منها، ثم أحياهم للبعث، فهاتان حياتان وموتتان.

صفحة رقم 6407

وقال السدي: اُميتوا في الدنيا، ثم أُحيوا في قبورهم فسئلوا وخوطبوا ثم أميتوا في قبورهم، ثم أحبوا في الآخرة.
وقال ابن زيد: خلقهم من ظهر آدم حين أخذ عليهم الميثاق، وأمهاتهم، ثم خلقهم في الأرحام، ثم أمهاتهم في الدنيا، ثم أحياهم في الآخرة.
وقوله تعالى: ﴿فاعترفنا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ﴾، أي: فأقررنا بذنوبنا، فهل إلى خروج من النار لنا سبيل، فهل إلى كرة فنرجع إلى الدنيا فنعمل غير الذي كنا نعمل.
ثم قال تعالى: ﴿ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ﴾. في الكلام حذف؛ والتقدير: فأجيبوا أن لا سبيل إلى الخروج، ذلكم العذاب بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم، أي: إذا وحده كفرتم، أي: إذا وحده موحد أشركتم وإن أشرك به مشرك صدقتموه.
وذكر ابن وهب عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: لأهل النار خمس دعوات، يكلمهم الله في الاربعة فإذا كانت الخامسة سكتوا:

صفحة رقم 6408

﴿قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين فاعترفنا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ﴾. قال: فيراجعهم بهذه الآية: ﴿ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ﴾ الآية.
ثم يقولون: ﴿رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فارجعنا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ [السجدة: ١٢] قال: فيرد عليهم: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ [السجدة: ١٣]- إلى - ﴿أَجْمَعِينَ﴾ [السجدة: ١٣].
ثم يقولون: ﴿رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرسل﴾ [إبراهيم: ٤٤]. قال: فيراجعهم بهذه الآية: ﴿أَوَلَمْ تكونوا أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ﴾ [إبراهيم: ٤٤].
قال: ثم يقولون: ﴿رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ [فاطر: ٣٧] فيراجعهم: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ النذير﴾ [فاطر: ٣٧].
قال: ثم يقولون: ﴿رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا﴾ [المؤمنون: ١٠٦]، قال:

صفحة رقم 6409

فيراجعهم: ﴿قَالَ اخسئوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون: ١٠٨].
قال: فكان آخر كلامهم ذلك.
قال أبو محمد: وفي بعض رواية هذا الحديث تقديم وتأخير فيما ذكرنا.
ثم قال تعالى: ﴿فالحكم للَّهِ العلي الكبير﴾. فالقضاء لله، لا لما تعبدونه، العلي على كل شيء، الخبير الذي كل شيء دونه متصاغر له.
ثم قال تعالى: ﴿هُوَ الذي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾، أي: الله هو الذي يريكم أيها الناس حججه وأدلته على وحدانيته.
﴿وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السمآء رِزْقاً﴾، يعني: الغيث، يخرج به أقواتكم وأقوات أنعامكم.
﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ﴾، أي: ما يتذكر حجج الله تعالى وأدلته على قدرته ووحدانيته فيتعظ ويعتبر إلا من يرجع إلى توحيد الله سبحانه وطاعته جلت عظمته.
ثم قال: ﴿فادعوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين﴾، أي: ادعوا الله أيها المؤمنون مخلصين له الطاعة ولو كره ذلك منكم الكافرون.

صفحة رقم 6410

ثم قال تعالى: ﴿رَفِيعُ الدرجات ذُو العرش﴾، أي: هو رفيع الصفات ذو السرير المحيط بما دونه.
﴿يُلْقِي الروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ أي: ينزل الوحي على من يشاء، يختص بذلك من يشاء من خلقه. وقيل: " من " بمعنى الباء. والمعنى: يلقي الروح بأمره أي: يلقي الوحي بأمره على من يشاء.
وقيل: معنى ﴿رَفِيعُ الدرجات﴾ (هي الدرجات) التي يعطيها الله تعالى للأنبياء صلوات الله عليهم والمؤمنين في الجنة.
فالمعنى: رفيع الثواب والمجازاة للأنبياء والمؤمنين.
وسمي الوحي روحا لأن الناس يحيون من الضلالة، والمهتدي حي، والصال (ميت في) التمثيل.
قال مجاهد: الروح هنا: الوحي، وقال قتادة: هو الوحي والرحمة.

صفحة رقم 6411

وقال ابن عباس: الروح: النبوة.
وقال: الضحاك: الكتاب الذي ينزله على من يشاء ومثله قوله: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى: ٥٢]، يعني: القرآن في قول جميع المفسرين.
والروح: جبريل أيضاً، وهو قوله: ﴿نَزَلَ بِهِ الروح الأمين﴾ [الشعراء: ١٩٣] سمي روحاً لأنه ينزل من عند الله تعالى بما يجيء به من أنزل عليه.
فأما قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً﴾ فقال ابن زيد: الروح هنا القرآن. وفيه اختلاف سيذكر إن شاء الله.
والضمير في " لينذر " يعود على الله جل ذكره، وقيل: يعود على الروح وهو الوحي، وقيل: يعود على النبي.
وقد قرأ الحسن " لتنذر " بالتاء على المخاطبة.

صفحة رقم 6412

وقوله: ﴿يَوْمَ التلاق﴾، أي: يوم يلتقي أهل السماوات وأهل الأرض، والأولون والآخرون. ثم قال: ﴿يَوْمَ هُم بَارِزُونَ﴾ " يوم " بدل من " يوم " الأول ".
وقيل العامل فيه: " لا يخفى على الله منهم شيء ﴿يَوْمَ هُم بَارِزُونَ﴾.
وقيل: معناه: بارزون من قبورهم.
ثم قال تعالى: ﴿لِّمَنِ الملك اليوم﴾، أي: يقول الله جل ذكره: لمن الملك اليوم؟.
فيجيب نفسه: ﴿لِلَّهِ الواحد﴾، أي: المنفرد / بالوحدانية والقدرة. ﴿القهار﴾ لكل شيء سواه.
وروى أبو وائل عن ابن مسعود (أنه قال): يحشر الناس على أرض

صفحة رقم 6413

بيضاء مثل الفضة لم يعص الله تعالى عليها. فيؤمر منادى أن ينادي: لمن الملك اليوم؟ فيقول العباد: لله الواحد القهار المؤمن منهم والكافر.
ثم أول ما ينظر من الخصومات في الدماء بمحضر القاتل والمقتول. فيقول: سل هذا: لم قتلني؟ فإن قال: قتلته لتكون العزة لفلان، قيل للمقتول: اقتله كما قتلك، وكذلك إن قتل جماعة أذيق القتل كما أذاقهم في الدنيا وهو قوله تعالى:
﴿اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ الآية.
أي: تثاب بما علمت في الدنيا لا يظلم أحد فيعاقب بما لم يفعل ولا يضيع ظلمه (عند من ظلمه).
﴿إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب﴾، أي: ذو سرعة في محاسبته عبادة يومئذ على أعمالهم.
روي أن ذلك اليوم لا ينتصف حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار قد فرغ الله تعالى من حسابهم والفصل بينهم.
فالمعنى: إنه تعالى لا تشغله محاسبة أحد عن محاسبة أحد.

صفحة رقم 6414

وقد روي أنه تعالى يحاسب الخلق كلهم في مقدار حلب شاة، وإنما هو تعالى يريد حساب كل نفس ويحدثه فيحدث لكل واحد منهم محاسبة في الحال التي يحدث فيها المحاسبة والمساءلة لأن بعض كلامه لا يشغله عن بعض، وكذلك بعض خلقه لا يشغله عن بعض، وهذه هي الصفات التي لا يشاركه فيها أحد، ليس كمثله شيء. ولا يجوز لأحد أن يتأول أو يتخايل إليه في محاسبة الله سبحانه خلقه أنه يحاسبهم بكلام أو لسان. تعالى الله عن الجوارح وعن مشابهة المخلوقين، إنما يحدث لكل إنسان محاسبة في الحال التي يريد محاسبته فيها. فافهم هذا ونزه الله عن التشبيه بالمخلوقين.
ثم قال تعالى: ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأزفة﴾، أي: وأنذر يا محمد مشركي الهعرب وحذرهم من يوم الآزفة، يعني: يوم القيامة. وسميت آزفة لقربها. يقال أزف الشيء إذا قرب.
ثم قال: ﴿إِذِ القلوب لَدَى الحناجر كَاظِمِينَ﴾.
قال قتادة: ارتفعت القلوب في الحناجر من المخافة.

صفحة رقم 6415

فلا هي تخرج ولا تعود في أمكنتها.
و ﴿لَدَى﴾، بمعنى: عند.
﴿كَاظِمِينَ﴾: مفتاظين لا شيء يزيل غيظهم.
﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ﴾، أي: من قريب (ولا صديق) يحتج عنهم فيزيل عظيم ما نزل بهم.
﴿وَلاَ شَفِيعٍ﴾ يشفع لهم عند ربهم تعالى فيما يشفع فيه.
قال الحسن: استكثروا من الأصدقاء المؤمنين، فإذا الرجل منهم يشفع في صديقه وقريبه، فإذا رأى الكافر ذلك قال: ما لنا من شافعين ولا صديق حميم.
ثم قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعين وَمَا تُخْفِي الصدور﴾، أي: يعلم الله جل ذكره خائنة أعين عباده وما أخفته صدورهم، لا يخفى عليه شيء من أمورهم حتى يتحدث به في نفسه ويضمره في قلبه.
ومعنى " خائنة الأعين " هو أن الله تعالى يعلم ما أراد بنظره إذا نظر وما ينوي بذلك في قلبه.

صفحة رقم 6416

قال ابن عباس: ﴿يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعين وَمَا تُخْفِي الصدور﴾: يعلم إذا نظرت إلى المرأة أتريد بذلك الخيانة أم لا. " وما تخفي الصدور "، أي: إذا قدرت عليها أتزني أم لا.
وقوله: ﴿والله يَقْضِي بالحق﴾، أي: يقدر أن يجزي بالحسنة الحسنة وبالسيئة السيئة.
وروى ابن وهب عن رجاله عن ابن عباس أنه قال: هو الرجل تمر به المرأة فيُرَى القوم أنه يغض بصره، فإذا أغفلوا نظر إليها: ويريهم (أنه يغض) بصره ويود لو أنه يطلع على عورتها ويقدر عليها.
وعن ابن عباس أنه قال في " خائنة الأعين ": إنه الرجل ينظر إلى المرأة فإذا نظر أصحابه إليه غض بصره، (وقد علم الله تعالى منه أنه يود لو نظر إلى عورتها، فإذا رأى منهم غفلة تدسس النظر، فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره).
قال مجاهد: خائنة الأعين: نظر العين إلى ما نهى الله تعالى عنه.

صفحة رقم 6417
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية