آيات من القرآن الكريم

فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ

يُكَلَّفُونَ أَنْ يُهَاجِرُوا بِهِمْ، فَإِذَا كَانَ الْوِلْدَانُ عَاجِزِينَ عَنِ السَّيْرِ مَعَ الْوَالِدَيْنِ، وَالْوَالِدَانِ عَاجِزَيْنِ عَنْ حَمْلِهِمْ، كَانَ مِنْ عُذْرِهِمَا أَنْ يَتْرُكَا الْهِجْرَةَ مَا دَامَا عَاجِزَيْنِ وَلَا يُكَلَّفَانِ تَرْكَ أَوْلَادِهِمْ.
فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفَوَ عَنْهُمْ، وَالْإِشَارَةُ بِأُولَئِكَ إِلَى مَنِ اسْتَثْنَاهُمْ مِمَّنْ تَوَعَّدَهُمْ عَلَى تَرْكِ الْهِجْرَةِ، أَيْ: إِنَّ أُولَئِكَ الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا لِلْعَجْزِ وَتَقَطُّعِ الْأَسْبَابِ وَالْحِيَلِ وَتَعْمِيَةِ السُّبُلِ يُرْجَى أَنْ يَعْفُوَ اللهُ عَنْهُمْ وَلَا يُؤَاخِذُهُمْ بِالْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْكُفْرِ، وَالْوَعْدُ بِعَسَى الدَّالَّةِ عَلَى الرَّجَاءِ، أَطْمَعَهُمْ تَعَالَى بِالْعَفْوِ، وَلَمْ يَجْزِمْ بِهِ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّ أَمْرَ الْهِجْرَةِ مُضَيَّقٌ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَوْ بِاسْتِعْمَالِ دَقَائِقِ الْحِيَلِ، وَالْبَحْثِ عَنْ مَضَايِقِ السُّبُلِ، حَتَّى لَا يُخْدَعَ مُحِبُّ وَطَنِهِ بِنَفْسِهِ وَيَعُدُّ مَا لَيْسَ بِمَانِعٍ مَانِعًا، وَصَرَّحَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ بِأَنَّ صِيغَةَ الرَّجَاءِ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُخَاطَبِ، وَعِلْمَ اللهِ بِتَحْقِيقِ الرَّجَاءِ أَوْ عَدِمِهِ قَطْعِيٌّ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ، قَالُوا: إِنَّ عَسَى فِي كَلَامِ اللهِ لِلتَّحْقِيقِ وَلَا يَصِحُّ عَلَى إِطْلَاقِهِ ; لِأَنَّهُ يَسْلُبُ الْكَلِمَةَ مَعْنَاهَا فَكَأَنَّهُ لَا مَحَلَّ لَهَا، وَنَقُولُ فِيهَا مَا قُلْنَاهُ فِي " لَعَلَّ " وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهَا الْإِعْدَادُ وَالتَّهْيِئَةُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى يُعِدُّهُمْ وَيُهَيِّؤُهُمْ لِعَفْوِهِ، وَالنُّكْتَةُ فِي اخْتِيَارِ التَّعْبِيرِ عَنِ التَّحْقِيقِ بِعَسَى الدَّالَّةِ عَلَى التَّرَجِّي إِنْ صَحَّ هِيَ تَعْظِيمُ أَمْرِ تَرْكِ الْهِجْرَةِ وَتَغْلِيظُ جُرْمِهِ.
وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا أَيْ: وَكَانَ شَأْنُ اللهِ - تَعَالَى - الْعَفْوُ عَنِ الْمُخَالَفَاتِ الَّتِي لَهَا أَعْذَارٌ صَحِيحَةٌ بِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَيْهَا، وَمَغْفِرَتُهَا بِسَتْرِهَا فِي الْآخِرَةِ وَعَدَمِ فَضِيحَةِ صَاحِبِهَا ; لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا.
وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً، وَصَلَ هَذَا
بِمَا قَبْلَهُ لِلتَّرْغِيبِ فِي الْهِجْرَةِ، وَتَنْشِيطِ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَتَجْرِئَتِهِمْ عَلَى اسْتِنْبَاطِ الْحِيَلِ لَهَا ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَهَيَّبُ الْأَمْرَ الْمُخَالِفَ لِمَا اعْتَادَهُ وَأَنِسَ بِهِ، وَيَتَخَيَّلُ فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّاتِ وَالْمَصَاعِبِ مَا لَعَلَّهُ لَا يُوجَدُ إِلَّا فِي خَيَالِهِ، فَبَعْدَ أَنْ تَوَعَّدَ التَّارِكَ الْمُقَصِّرَ، وَأَطْمَعَ التَّارِكَ الْمَعْذُورَ فِي الْعَفْوِ إِطْمَاعًا مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ اللهِ - تَعَالَى - أَنْ يَفْعَلَهُ، بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ مَا يَتَصَوَّرُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ عُسْرِ الْهِجْرَةِ لَا مَحَلَّ لَهُ، وَأَنَّ عُسْرَهُ إِلَى يُسْرٍ، مَنْ يُهَاجِرْ بِالْفِعْلِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا، أَيْ: مُتَحَوَّلًا مِنَ الرِّغَامِ وَهُوَ التُّرَابُ، أَوْ مَذْهَبًا فِي الْأَرْضِ يُرْغِمُ بِسُلُوكِهِ أُنُوفَ مَنْ كَانُوا مُسْتَضْعَفِينَ لَهُ، أَوْ مَكَانًا لِلْهِجْرَةِ وَمَأْوًى يُصِيبُ فِيهِ الْخَيْرَ وَالسَّعَةَ فَوْقَ النَّجَاةِ مِنَ الِاضْطِهَادِ

صفحة رقم 292
تفسير المنار
عرض الكتاب
المؤلف
محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني
الناشر
1990 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية