آيات من القرآن الكريم

إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ

- ٩٧ - إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً
- ٩٨ - إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا
- ٩٩ - فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُورًا
- ١٠٠ - وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى

صفحة رقم 426

اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيمًا
عن ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مع المشركين، يكثرون سوادهم عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يأتي السهم يرمى بِهِ فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ أَوْ يُضْرَبُ عُنُقُهُ فيقتل، فأنزل الله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ (رَوَاهُ البخاري) وقال ابن أبي حاتم عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَسْلَمُوا وَكَانُوا يَسْتَخِفُونَ بِالْإِسْلَامِ، فَأَخْرَجَهُمُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَهُمْ فَأُصِيبَ بعضهم، قَالَ الْمُسْلِمُونَ: كَانَ أَصْحَابُنَا هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ وَأُكْرِهُوا فَاسْتَغْفَرُوا لَهُمْ فَنَزَلَتْ ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظالمي أَنْفُسِهِمْ﴾ الْآيَةِ، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَى مَنْ بَقِيَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ لَا عُذْرَ لَهُمْ. قَالَ: فخرجوا فلقيهم المشركون فأعطوهم التقية فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يِقُولُ آمَنَّا بالله﴾ (أخرجه ابن أبي حاتم) الآية، قال الضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَخَرَجُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ فَأُصِيبُوا فِيمَنْ أُصِيبَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَامَّةً فِي كُلِّ مَنْ أَقَامَ بَيْنَ ظَهَرَانَيِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْهِجْرَةِ وَلَيْسَ مُتَمَكِّنًا مِنْ إِقَامَةِ الدِّينِ فَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُرْتَكِبٌ حَرَامًا بِالْإِجْمَاعِ، وَبِنَصِّ هَذِهِ الْآيَةِ حَيْثُ يَقُولُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ أَيْ بِتَرْكِ الْهِجْرَةِ ﴿قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ﴾ أَيْ لِمَ مكثتم ها هنا وَتَرَكْتُمُ الْهِجْرَةَ؟ ﴿قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ أَيْ لَا نَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْبَلَدِ، وَلَا الذَّهَابِ فِي الْأَرْضِ ﴿قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً﴾ الآية، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ» (أخرجه أبو داود في السنن)
وقوله تعالى: ﴿إِلاَّ المستضعفين﴾ إلى آخر الآية، هذا عذر من الله لِهَؤُلَاءِ فِي تَرْكِ الْهِجْرَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ قَدَرُوا مَا عَرَفُوا يَسْلُكُونَ الطَّرِيقَ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً﴾ قَالَ مجاهد: يَعْنِي طَرِيقًا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ﴾ أي يتجاوز الله عنهم بترك الهجرة، و (عسى) مِنَ اللَّهِ مُوجِبَةٌ ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً﴾ قال البخاري عن أبي هريرة قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ إِذْ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ؛ ثُمَّ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ: "اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِيِّ يُوسُفَ}، وَقَالَ البخاري عن ابن عباس: ﴿إِلاَّ المستضعفين﴾ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ.
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأرض مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً﴾ وهذا تَحْرِيضٌ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَتَرْغِيبٌ فِي مُفَارَقَةِ الْمُشْرِكِينَ وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ حَيْثُمَا ذَهَبَ وَجَدَ عَنْهُمْ مَنْدُوحَةً وملجأ يتحصن فيه، والمراغم مَصْدَرٌ تَقُولُ الْعَرَبُ: رَاغَمَ فُلَانُ قَوْمَهُ مُرَاغَمًا ومراغمة، قال النابغة ابن جَعْدَةَ:
كَطَوْدٍ يُلَاذُ بِأَرْكَانِهِ * عَزِيزُ الْمُرَاغَمِ وَالْمَهْرَبِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُرَاغَمُ التَّحَوُّلُ مِنْ أَرْضٍ إلى أرض، وَقَالَ مُجَاهِدٌ ﴿مُرَاغَماً كَثِيراً﴾ يَعْنِي: مُتَزَحْزَحًا عَمَّا يكره، والظاهر والله أعلم أنه المنع الذي يتخلص بِهِ وَيُرَاغَمُ بِهِ الْأَعْدَاءُ، قَوْلُهُ: ﴿وَسَعَةً﴾ يَعْنِي الرِّزْقَ قَالَهُ غَيْرُ

صفحة رقم 427

وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَتَادَةُ حَيْثُ قَالَ فِي قَوْلِهِ ﴿يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً﴾ إِي مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى، وَمِنِ الْقِلَّةِ إِلَى الغنى.
وقوله تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ على الله﴾ أي وَمَن يَخْرُجْ مِن مَنْزِلِهِ بِنِيَّةِ الْهِجْرَةِ فَمَاتَ فِي أَثْنَاءِ الطريق فقد حصل له عند اللَّهِ ثَوَابُ مَنْ هَاجَرَ كَمَا ثَبَتَ فِي الصحيحين عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بالنيات وإنما لكل امرىء مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَن كَانَتْ هجرته إلى دنيا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» وَهَذَا عَامٌّ فِي الْهِجْرَةِ وَفِي جميع الْأَعْمَالِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الثَّابِتُ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي الرجل الذي قتل تسعو وَتِسْعِينَ نَفْسًا، ثُمَّ أَكْمَلَ بِذَلِكَ الْعَابِدِ الْمِائَةَ ثُمَّ سَأَلَ عَالِمًا هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ، فقال له: وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ ثُمَّ أَرْشَدَهُ إِلَى أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْ بَلَدِهِ إِلَى بَلَدٍ أخرى يَعْبُدُ اللَّهَ فِيهِ، فَلَمَّا ارْتَحَلَ مِنْ بَلَدِهِ مهاجراً إلى البلد الأخرى أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَ هَؤُلَاءِ إِنَّهُ جَاءَ تَائِبًا، وَقَالَ هَؤُلَاءِ: إِنَّهُ لَمْ يَصِلْ بَعْدُ، فَأُمِرُوا أَنَّ يَقِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا كان أقرب فهو منها، فأمر الله هذه أن تقترب مِنْ هَذِهِ، وَهَذِهِ أَنْ تَبْعُدَ فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ إِلَيْهَا بِشِبْرٍ، فَقَبَضَتْهُ ملائكة الرحمة.
قال الإمام أحمد عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتِيكٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ خرج من بيته مجاهداً في سبيل الله، فخرَّ عن دابته فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، أَوْ لَدَغَتْهُ دَابَّةٌ فَمَاتَ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ على الله» وقال ابن أبي حاتم عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنهما قَالَ: خَرَجَ (ضَمْرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ) إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فنزلت الآية، وقال الحافظ أبو يعلى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَرَجَ حَاجًّا فَمَاتَ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ الْحَاجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ خَرَجَ مُعْتَمِرًا فَمَاتَ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ الْمُعْتَمِرِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَاتَ كُتِبَ لَهُ أجر الغازي إلى يوم القيامة».

صفحة رقم 428
مختصر تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار القرآن الكريم، بيروت - لبنان
سنة النشر
1402 - 1981
الطبعة
السابعة
عدد الأجزاء
3
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية