
فصل
تشرع الكفارة في قتل العمد. لما رواه الإمام أحمد عن واثلة بن الأسقع قال:
أتى النبيّ ﷺ نفر من بني سليم فقالوا: إن صاحبا لنا قد أوجب. قال: فليعتق رقبة.
يفدي الله بكل عضو منها عضوا منه في النار. ورواه أيضا بسند آخر عنه. قال: أتينا رسول الله ﷺ في صاحب لنا قد أوجب، قال: أعتقوا عنه، يعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار. وهذا رواه أبو داود «١» والنسائيّ. ولفظ أبي داود: قد أوجب (يعني النار) بالقتل.
قال الشوكانيّ في (نيل الأوطار) : في حديث واثلة دليل على ثبوت الكفارة في قتل العمد. وهذا إذا عفي عن القاتل أو رضي الوارث بالدية. وأما إذا اقتصّ منه فلا كفارة عليه بل القتل كفارته. لحديث عبادة المذكور في الباب. ولما
أخرجه أبو نعيم في (المعرفة) : أن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: القتل كفارة
. وهو من حديث خزيمة بن ثابت. وفي إسناده ابن لهيعة. قال الحافظ: لكنه من حديث ابن وهب عنه فيكون حسنا. ورواه الطبرانيّ في الكبير عن الحسن بن عليّ موقوفا عليه.
ثم حذر تعالى عما يؤدي إلى القتل العمد من قلة المبالاة في الأمور بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٩٤]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٩٤)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ أي: ذهبتم فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلى أرض العدوّ للغزو فَتَبَيَّنُوا أي: اطلبوا بيان كل ما تأتون وما تذرون. ولا تعجلوا فيه بغير تدبر
أخرجه أبو داود في: العتق، ١٣- باب ثواب العتق، حديث ٢٩٦٤ ونصه: عن الغريف بن الديلميّ قال: أتينا واثلة بن الأسقع. قلنا له: حدثنا حديثا ليس فيه زيادة ولا نقصان. فغضب وقال: إن أحدكم ليقرأ ومصحفه معلق في بيته فيزيد وينقص. قلنا: إنما أردنا حديثا سمعته من النبيّ صلى الله عليه وسلم. قال: أتينا رسول الله ﷺ في صاحب لنا أوجب- يعني النار- بالقتل. فقال «أعتقوا عنه، يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار».

ورويّة وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً نهي عما هو نتيجة لترك المأمور به، وتعيين لمادة مهمة من المواد التي يجب فيها التبيين. أي: لا تقولوا (لمن أظهر الانقياد لدعوتكم فقال: لا إله إلا الله، أو سلّم عليكم فحياكم بتحية الإسلام) : لست مؤمنا في الباطن. وإنما قلته باللسان لطلب الأمان. بل اقبلوا منه ما أظهره وعاملوه بموجبه تَبْتَغُونَ أي: تطلبون بقتله عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي: ماله الذي هو سريع النفاد. والجملة حال من فاعل (لا تقولوا) منبئة عما يحملهم على العجلة وترك التأنّي. وقوله تعالى فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ تعليل للنهي عن ابتغاء ماله بما فيه من الوعد الضمنيّ. كأنه قيل: لا تبتغوا ماله، فعند الله مغانم كثيرة يغنمكموها، فيغنيكم عن ارتكاب ما ارتكبتموه. أفاده أبو السعود. ثم قال: وقوله تعالى كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ. تعليل للنهي عن القول المذكور. أي:
مثل ذلك الذي ألقى إليكم السلام، كنتم أنتم أيضا. في مبادئ إسلامكم. لا يظهر منكم للناس غير ما ظهر منه لكم، من تحية الإسلام ونحوها. فمنّ الله عليكم، بأن قبل منكم تلك المرتبة، وعصم بها دماءكم وأموالكم، ولم يأمر بالتفحص عن سرائركم. والفاء في قوله تعالى فَتَبَيَّنُوا فصيحة. أي: إذا كان الأمر كذلك، فاطلبوا بيان هذا الأمر البيّن وقيسوا حاله بحالكم. وافعلوا به ما فعل بكم. في أوائل أموركم. من قبول ظاهر الحال، من غير وقوف على تواطؤ الظاهر والباطن إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً فلا تتهافتوا في القتل وكونوا محترزين محتاطين في ذلك.
قال ابن كثير (في سبب نزولها) : أخرج الإمام أحمد عن عكرمة عن ابن عباس قال: مرّ رجل من بني سليم بنفر من أصحاب النبيّ ﷺ يرعى غنما له. فسلم عليهم.
فقالوا: ما يسلم علينا إلا ليتعوذ منا. فعمدوا إليه فقتلوه. وأتوا بغنمه النبيّ صلى الله عليه وسلم.
فنزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا... إلى آخرها. ورواه الترمذيّ «١» ثم قال: هذا حديث حسن صحيح. وفي الباب عن أسامة بن زيد.
ورواه الحاكم وصححه. وروى البخاريّ «٢» عن عطاء عن ابن عباس في هذه
أخرجه الترمذيّ في: التفسير، ٤- سورة النساء، ١٦- حدثنا عبد بن حميد، ونصه: عن ابن عباس قال: مرّ رجل من بني سليم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومعه غنم له. فسلم عليهم. قالوا: ما سلّم عليكم إلا ليتعوّذ منكم. فقاموا فقتلوه وأخذوا غنمه. فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً
. (٢) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٤- سورة النساء، ١٧- باب وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً. [.....]

الآية قال: كان رجل في غنيمة له. فلحقه المسلمون، فقال: السلام عليكم. فقتلوه، وأخذوا غنيمته. فأنزل الله في ذلك... إلى قوله: عرض الحياة الدنيا: (تلك الغنيمة).
وقال البخاريّ «١» : قال حبيب بن أبي عمرة عن سعيد عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ للمقداد: إذا كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار، فأظهر إيمانه فقتلته، فكذلك كنت أنت تخفي إيمانك بمكة من قبل. هكذا رواه البخاريّ
معلقا مختصرا.
ورواه الحافظ أبو بكر البزار مطولا موصولا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بعث رسول الله ﷺ سرية فيها المقداد بن الأسود. فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا. وبقي رجل له مال كثير لم يبرح. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله. وأهوى إليه المقداد فقتله. فقال له رجل من أصحابه: أقتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله؟ والله! لأذكرنّ ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم. فلما قدموا على رسول الله ﷺ قالوا: يا رسول الله! إن رجلا شهد أن لا إله إلا الله، فقتله المقداد. فقال: ادعوا لي المقداد. يا مقداد! أقتلت رجلا يقول: لا إله إلا الله! فكيف لك ب (لا إله إلا الله) غدا؟ قال: فأنزل الله:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا- إلى قوله- كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ... الآية. فقال رسول الله ﷺ للمقداد: كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار. فأظهر إيمانه فقتلته.
وكذلك كنت تخفي إيمانك بمكة قبل.
قال ابن كثير: فقوله تعالى: كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، أي: قد كنتم من قبل هذه الحال كهذا الذي يسرّ إيمانه ويخفيه من قومه. كما تقدم في الحديث المرفوع، وكما قال تعالى: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ... [الأنفال: ٢٦] الآية. وهذا وجه آخر في مرجع الإشارة، غير ما سلف، وهو الأدق. وبالقبول أحق.
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : يستفاد من هذه الرواية (أي: رواية البزار) تسمية القاتل. وأما المقتول، فروي الثعلبيّ من طريق الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس، وأخرجه عبد بن حميد من طريق قتادة نحوه. واللفظ للكلبيّ: أن اسم المقتول مرداس بن نهيك. من أهل فدك. وأن اسم القاتل أسامة بن زيد. وأن اسم

أمير السرية غالب بن فضالة الليثيّ. وأن قوم مرداس لما انهزموا بقي هو وحده. وكان ألجأ غنمه بجبل. فلما لحقوه قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، السلام عليكم.
فقتله أسامة بن زيد. فلما رجعوا نزلت الآية.
وكذا أخرج الطبريّ «١» من طريق السّديّ نحوه. وفي آخر رواية قتادة: لأن تحية المسلمين السلام، بها يتعارفون. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال: أنزلت هذه الآية في مرداس. وهذا شاهد حسن. وأسند ابن أبي حاتم أن أسامة حلف لا يقتل رجلا يقول: لا إله إلا الله، بعد ذلك الرجل، وما لقي من رسول الله ﷺ فيه.
قال بعض المفسرين من أئمة الزيدية: وبهذا اعتذر إلى عليّ عليه السلام حتى تخلف عنه، وإن كان عذرا غير مقبول. لأن القتال مع الإمام واجب عند خروج البغاة ويكفر يمينه.
قال الحاكم: إلّا أن أمير المؤمنين أذن له. انتهى.
وروى الإمام أحمد «٢» عن عبد الله بن أبي حدرد رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله ﷺ إلى إضم. فخرجت في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعيّ، ومحلّم بن جثّامة بن قيس. فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم مرّ بنا عامر بن الأضبط الأشجعيّ على قعود له. معه متيّع له (تصغير متاع. وهو السلعة) ووطب من لبن. فلما مر بنا سلم علينا. فأمسكنا عنه. وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله، لشيء كان بينه وبينه. وأخذ بعيره ومتيّعه. فلما قدمنا على رسول الله ﷺ وأخبرناه الخبر، نزل فينا القرآن: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلى قوله تعالى خَبِيراً.
ورواه ابن جرير «٣» عن ابن عمر وزاد: فجاء محلم في بردين. فجلس بين يدي النبيّ ﷺ ليستغفر له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا غفر الله لك. فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه. فما مضت له سابعة حتى مات. ودفنوه في الأرض. فلفظته الأرض، فجاؤوا إلى النبيّ ﷺ فذكروا ذلك له. فقال إن الأرض تقبل من هو شرّ من صاحبكم، ولكن الله أراد أن يعظكم. ثم طرحوه بين صدفي جبل، وألقوا عليه الحجارة، ونزلت.
(٢) أخرجه في المسند ص ١١ ج ٦ وابن جرير: الأثر رقم ١٠٢١٢.
(٣) الأثر رقم ١٠٢١١.

وروى أئمة السير أنه لما كان عام خيبر، جاء عيينة بن بدر يطلب بدم عامر وهو سيد قيس. وكان الأقرع بن حابس يردّ عن محلّم وهو سيد خندف فقال رسول الله ﷺ لقوم عامر: هل لكم أن تأخذوا منا الآن خمسين بعيرا، وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة؟ فقال عيينة بن بدر: والله! لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحرّ مثل ما أذاق نسائي. فلم يزل به حتى رضي بالدية.
قال ابن إسحاق: حدثني سالم بن النضر قال: لم يقبلوا الدية حتى قام الأقرع بن حابس فخلا بهم. فقال: يا معشر قيس! سألكم رسول الله ﷺ قتيلا تتركونه ليصلح به بين الناس فمنعتموه إياه. أفأمنتم أن يغضب عليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيغضب عليكم الله لغضبه؟ أو يلعنكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيلعنكم الله بلعنته؟ والله! لتسلمنّه إلى رسول الله ﷺ أو لآتين بخمسين من بني تميم كلهم يشهدون أن القتيل ما صلى قط. فلأبطلن دمه. فلما قال ذلك أخذوا الدية.
وأخرج ابن مندة عن جزء بن الحدرجان قال: وفد أخي، قداد إلى النبيّ ﷺ من اليمن. فلقيته سرية النبيّ صلى الله عليه وسلم. فقال لهم: أنا مؤمن. فلم يقبلوا منه وقتلوه. فبلغني ذلك. فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ... الآية.
فأعطاني النبيّ ﷺ دية أخي.
قال القفال: ولا منافاة بين هذه الروايات. فلعلها نزلت عند وقوعها بأسرها.
فكان كل فريق يظن أنها نزلت في واقعته. انتهى.
وتقدم لنا في مقدمة التفسير في سبب النزول ما يدفع التنافي في نحو هذا.
فارجع إليه.
تنبيه:
قال الرازيّ: اعلم أن المقصود من هذه الآية المبالغة في تحريم قتل المؤمنين، وأمر المجاهدين بالتثبت فيه، لئلا يسفكوا دما حراما بتأويل ضعيف. وفي (الإكليل) : استدل بظاهرها على قبول توبة الزنديق إذا أظهر الاستسلام. وعلى أن الكافر يحكم له بالإسلام إذا أظهر ما ينافي اعتقاده، على قراءة (السلام) وفي الآية وجوب التثبت في الأمور، خصوصا القتل ووجوب الدعوة قبل القتال. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : في الآية دليل على أن من أظهر شيئا من علامات الإسلام لم يحلّ دمه حتى يختبر أمره. لأن السلام تحية المسلمين. وكان

تحيتهم في الجاهلية بخلاف ذلك. فكانت هذه علامة. وأما على قراءة (السلم) بفتحتين، أو بكسر فسكون، فالمراد به الانقياد. وهو علامة الإسلام. انتهى.
وقال بعض مفسري الزيدية: ثمرة الآية الكريمة وجوب التثبت والتأني فيما يحتمل الحظر والإباحة. لقوله: فتبيّنوا (بالنون) وهذا قراءة الأكثر. وحمزة والكسائيّ قراءتهما: (فتثبتوا) من (الثبات). ويدخل في هذا أحكام كثيرة من الاعتقادات والأخبار والأفعال من الأحكام وسائر الأعمال، فهذا حكم. والحكم الثاني أنه يجب الأخذ بالظاهر. فمن أظهر الإسلام أو شيئا من شعائر الإسلام، لا يكذّب بل يقبل منه. ويدخل، في هذا، الملحد والمنافق. وهذا هو مذهبنا والأكثر. ويدخل في هذا قبول توبة المرتدّ، خلافا لأحمد. وقبول توبة الزنديق. وهذا قول عامة الأئمة.
وقال مالك: لا تقبل، لأن هذا عين مذهبهم أنهم يظهرون خلاف ما يبطنون.
قال الراضي بالله والإمام يحيى: إن أظهروا ما يعتادون إخفاءه قبلت توبتهم.
وإلا فلا. قال علي خليل: تقبل توبتهم، ولو عرفنا من باطنهم خلاف ما أظهروا. كما قبل النبيّ ﷺ من المنافقين، وقد أخبر الله تعالى بكفرهم.
وقال أبو مضر: تقبل ما لم يعرف كذبهم. وهذا الخلاف في الظاهر. وأما عند الله، إذا صدق، فهي مقبولة وفاقا. قال الحاكم: وتدل على أن التوصل بالسبب المحرم إلى المال لا يجوز. وقد ذكر العلماء صورا في التوصل إلى المباح بالمحظور، مختلفة. ذكرت في غير هذا الموضع. والحجة هنا من قوله تعالى تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا. لأن الذي قصد هنا أخذه، محظور. لأن إظهار الإسلام يحقن النفس والمال. فذلك توصل بمحظور إلى محظور. وقوله تعالى: لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً. قرئ (السلم) وهذه قراءة نافع وحمزة وابن عامر بغير ألف وهو الاستسلام. وقيل: إظهار الإسلام. وقرأ الباقون: (السلام) بألف وهو التحية. انتهى.
وقال أبو منصور في (التأويلات) : فيه الأمر بالتثبت عند الشبهة، والنهي عن الإقدام عندها. وهكذا الواجب على المؤمن الوقف عند اعتراض الشبهة في كل فعل وكل خبر. لأن الله تعالى أمر بالتثبت في الأعمال بقوله: فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً. وقال في الخبر: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: ٦]. أمر بالتثبت في الأخبار عند الشبهة، كما أمر في الأفعال لنبيه صلى الله عليه وسلم:
وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء: ٣٦]. وفي الآية دليل فساد قول المعتزلة.
لأنه نهاهم أن يقولوا (لمن قال: إني مسلم) لست مؤمنا. وهم يقولون: صاحب