آيات من القرآن الكريم

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ۖ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ۖ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ

بدخولهم الإِسلام، ويكُفوا أيديهم عنكم، فقد أُبيح لكم
قتلهم، وقد جعل الله لكم عليهم حجة بما بينه.
وقوله: (كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ) أي إذا ردوا إلى الكفر عادوا إليه فتنجّسوا به.
وقيل: إذا رُدّوا إلى الاختبار أي الإِسلام وجدوا يركسون
فيها، ويكون قوله: (أُرْكِسُوا) وجدوا كقولهم: أُحمدُوا
وأُذِمُّوأ، وقيل: الفتنة الاختبار إنما أريد به ما قصد بقوله:
(الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ).
ومعناه أنه إذا نالتهم محنة ارتدوا، كما قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ) الآية.
قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (٩٢)

صفحة رقم 1388

إن قيل: هل يجوز أن يقتل المؤمن خطأ حتى قال:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً)؟
قيل: إن قولك يجوز أو لا يجوز. إنما يقال في الأفعال الاختيارية المقصودة، فأما الخطأ فلا يقال فيه ذلك.
وقولك: ما كان لك أن تفعل كذا، وقولك: ما كنت لتفعل كذا متقاربان، وهما تعليلان بمعنى، وإن كان أكثر ما يقال للأول لما كان الإِحجام عنه من قبل نفسه، ويدلّ على أنه قد يقال: ما كان لك أن تفعل كذا - لمِا ذكرنا - قوله: (مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ)، لأن معناه: ما كان لله ليتخذ ولدا
في أنه لا نهي، وعلى هذا قوله: (مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا).

صفحة رقم 1389

فقوله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا) أي ما كان المؤمن ليقتل مؤمنا إلا خطأ، وهذا ظاهر، وهذا المعنى أراد من قال معناه: ما ينبغي للمؤمن أن يقتل مؤمنًا متعمدًا، ولكن يقع ذلك منه خطأ.
وكذا من قال: ليس في حكم الله أن يقتل المؤمن مؤمنا إلا خطأ.
وقال الأصم: معناه ليس القتل لمؤمنٍ بمتروك لا يقتص له إلا
أن يكون قتله خطأ، وهذا يرجع إلى الأول.
وقول بعض النحويين: إن هذا استثناء خارج فليس على التقدير الذي
ذكرناه، كذلك، بل هو واجب، وذكر على بن موسى القمّي

صفحة رقم 1390

أن معنى ذلك: ليس للمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا أن يراه في دار
الحرب، فيظنه كافرا فيقتله خطأ، فيكون الخطأ راجعًا إلى القاتل
في كونه غير عالٍم بحال المقتول، وأما من قال: معنى (إِلَّا خَطَأً) ولا خطأ، واستدلاله بقول الشاعر:
وكلّ أخ مفارقه أخوه... لعَمْرُ أبيك إلا الفَرْقَدانِ
أي: ولا الفرقدان، فذلك تشبيه فيه ما أرى أن محققي

صفحة رقم 1391

النحويين يوافقونه.
وقيل: الخطأ في الأصل على وجوه، منها:
أن يقع بلا قصد من القاتل إلى القتل، ولا إلى الإِتيان به بوجه.
كمن سقط من يده شيء فأصاب نفسه فقتله، ومنها أن يقصد
ْإصابة الشيء غير المقتول، فاتفق إصابته فقتله، كمن يرمي صيدًا
فأصاب إنسانًا فقتله، أو يقصده ولكن لا بسلاح يقتل مثله، أو
يقصده بسلاح لكن لا يريد قتله، أو يقصده بسلاح ويريد قتله
لكن لا يعلمه محظور القتل، كمن يرمي مسلمًا في صف المشركين.
أو يقصده بسلاح ويريد قتله لا في دار الحرب، لكن القاصد غير
مكلف كالصبي والمجنون، وكل ذلك يقال له: قتل الخطأ، لكن
لذلك تعارف في الشرع هو المُراعى، وقد وبيّن ذلك في كتب الفقه.
والرقبة المؤمنة: أن يكون مولودًا في دار الإِسلام صغيرًا كان أو

صفحة رقم 1392

كبيرًا، أو سباه من دار الحرب مسلم قبل البلوغ، أو أسلم بعد
البلوغ، وهذا الإِيمان هو الإِسلام، دون كمال الإِيمان المتقدّم
ذكره في غير هذا الموضع.
قال الحسن: ما في القرآن مؤمنة فلا يجزئ إلا من صام وصلى وحسن إسلامه، وما عدا ذلك فيجزئ فيه الصغير والكبير.
وقال إبراهيم: لا يجزئ في ذلك إلا البالغ.
وقدر الدية مختلف فيه والمفزع فيه إلى السنة.
وظاهر الآية يقتضي شيئًا مقدرًا.
والتتابع في صيام الشهرين مشروط، والظاهر

صفحة رقم 1393

أن ما لا يمكن الاحتراز منه لا يبطل التتابع كالحيض والمرض
الطارئ والإِغماء، وأما مصادفة الأيام التي حُظر فيها الصوم
كيوم العيد، وأيام التشريق، والإِفطار في السفر، أو الشهر الذي
يستحق صومه بالشرع كشهر رمضان، فإن ذلك يقطع التتابع.
ويوجب الاستئناف، وحكي عن مسروق أن (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ) عنى من لم يجد الدية والرقبة، وسائر أهل العلم بخلافه.
فالدية حق الآدميين، والكفارة حق

صفحة رقم 1394

الله، فلا تنوب إحداهما عن الأخرى.
وقال الأصمّ: ظاهر الكتاب يدل على أن الدية تلزم القاتل.
لأنه قال: (فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ) فعطفها على الكفارة.
ومعناه: عليه ذلك.
وإنما بيّن النبي - ﷺ - أن دية الخطأ تتحمل العاقلة عن
القاتل على سبيل المواساة، لا أنه نسخ الكتاب بالسنة.
وقوله: (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) أي: يعفوا عن الدية، فجعل العفو
عنها صدقة منهم، تنبيهًا على فضيلة العفو وحثا عليه، وأنه جار
مجرى الصدقة في استحقاق الثواب الآجل به دون طلب العوض

صفحة رقم 1395

العاجل، وهذا حكم من قُتل في دار الإِسلام خطأ.
وقوله:
(فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) أي من أهل
الحرب في الدار والمعركة، وفي فقد التمييز لا في معنى القرابة.
ولا فرق بين أن يكون مسلمًا دخل دار الحرب، أو أسلم هناك ولم
يهاجر.
وقيل: قد دخل في ذلك من أسلم في دار الإِسلام من
المشركين ولم يعلم القاتل به.
وخبر الحارث يدلّ على ذلك، لأنه قتل بالمدينة وقد كان أسلم.
وقيل: إنما أسقط الدية فيه إذا كان أولياؤه كفارًا وهو مؤمن.
فإن ديته راجعة إلى المؤمنين

صفحة رقم 1396

فلا معنى لإِلزامهم.
وقوله: (وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ)
أي كان المقتول خطأ من قوم كذلك.
واختلفوا هل الإِيمان شرط فيه؟
فقال الحسن ومالك: هو شرط، تقديره: إن كان المقتول خطأ مؤمنًا.
قال مالك: ولا كفارة في قتل الذمي.
ومنهم من قال: الآية واردة فيمن

صفحة رقم 1397

كان بينه وبين النبي - ﷺ - عهد فْاسلم.
ثم قتله مسلم من غير حرب، قالوا: وكان هذا في زمن الرسول
- ﷺ -، فأما بعد فقد أمروا بقتالهم.
ومنهم من قال: عنى بالميثاق الذمة إما بالعهد أو الاستئمان.
والظاهر أن كل قَتْل في عهد جائز بين المسلمين ففيه الدية والكفارة.
وتعلق هذه الآية بما قبلها هو أنه لما ذكر فيما قبلها حُكم من أسلم فمنعه عذر من مقابلة أعداء المسلمين، وحُكم من لم يسلم، وإنما يريد أن يَسْلَمَ على

صفحة رقم 1398
تفسير الراغب الأصفهاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى
تحقيق
هند بنت محمد سردار
الناشر
كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى
سنة النشر
1422
عدد الأجزاء
2
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية