آيات من القرآن الكريم

وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ۖ فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ۖ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا
ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ

فمعنى ﴿تَهْدُوا﴾ على هذا تسموا (١) مهتدين وتجعلوهم مهتدين (.. (٢)..) وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٨٨] قال ابن عباس: "يريد دينا" (٣). وقال الزجاج والسدي: أي (....) (٤).
والمعنى أنه لا ينفعه هداية هاد له.
٨٩ - قوله تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا﴾
معنى هذه الآية صرف المؤمنين الذين كانوا يُحسنون الظنَّ بهم عما هم عليه، واخبار بما يوجب العداوة لهم والبراءة منهم.
وقوله تعالى: ﴿فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ رفع بالنسق على تكفرون، لأن المعنى: ودوا لو تكفرون وودوا لو تكونون، فالفاء عاطفة، ولم يقصد بها جواب التمني، ولو أراد أن تكون جوابًا، على تأويل إذا كفروا استووا، لكان نصبًا (٥).
ومثل هذا قوله: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم: ٩] (٦).
ولو قيل: فيدهنوا، على الجواب لكان صوابًا في العربية (٧)، ومثله قوله: ﴿وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً﴾ [النساء: ١٠٢] ونذكره في موضعه.

(١) هكذا في المخطوط ولعل الصواب: "تسموهم".
(٢) في المخطوط طمس يمثل كلمة أو كلمتين.
(٣) "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص ٩٢.
(٤) بياض في (ش) وعند الزجاج في "معانيه" ٢/ ٨٨: "أي طريقًا إلى الحجة".
(٥) "الكشف والبيان" ٤/ ٩٦ أبتصرف، وانظر: "التفسير الكبير" ١٠/ ٢٢١، و"البحر المحيط" ٣/ ٣١٤، و"الدر المصون" ٤/ ٦٢.
(٦) "الكشف والبيان" ٤/ ٩٦ أ.
(٧) انظر: "الكشاف" ١/ ٢٨٨، و"الدر المصون" ٤/ ٦٢، ٦٣.

صفحة رقم 30

ومعنى قوله: ﴿فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ أي في الكفر، والمراد: فتكونون وهم سواءً (١)، فاكتفى بذكر المخاطبين عن غيرهم؛ لوضوح المعنى بتقدم ذكرهم.
وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾. نهى عن مباطنة هؤلاء وموالاتهم، وهذا الحكم جارٍ في جميع المشركين، والمنافقين، والمستسرِّين الزندقة والإلحاد، لا يجوز نُسلِّم موالاة أحدٍ منهم.
وحكم المستسر بنوع من أنواع الكفر حكم المنافق، لا يُقتل ما دام يُظهر كلمة الشهادتين. ولو ثبت إلحاد أحد بإقراره ثم تاب قبلت توبته وحقن دمه بظاهر الشهادة، ولا سبيل إلى ما في قلبه، كما قال رسول الله - ﷺ - للمقداد: "هلا شققت عن قلبه" (٢).
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾.
ابن عباس والأكثرون قالوا: المراد بالهجرة ههنا الرجوع إلى المدينة ودار الهجرة ثانيًا، ومهاجرة دار الشرك (٣).

(١) انظر: الطبري ٥/ ١٩٦.
(٢) إنما قال الرسول - ﷺ - ذلك لأسامة بن زيد، حيث كان في سرية بعثه فيها رسول الله - ﷺ - يقول: "فأدركت رجلًا. فقال: لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك. فذكرته للنبي - ﷺ - فقال رسول الله - ﷺ -:- "أقال: لا إله إلا الله وقتلته؟! قال: قلت: يا رسول الله! إنما قالها خوفا من السلاح. قال: "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟! ". الحديث أخرجه مسلم (٩٦) كتاب "الإيمان"، باب: تحريم قتال الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله، ح ١١٥٨/ ٩٦. أما عن المقداد فقد ورد عن مسلم في هذا الباب بمعناه.
(٣) أخرج الأثر عن ابن عباس عن طريق العوفي عنه الطبري ٥/ ١٩٦، وانظر: "بحر العلوم" ١/ ٢٧٤، و"الكشف والبيان" ٤/ ٩٦ أ، و"زاد المسير" ٢/ ١٥٦، وابن كثير ١/ ٥٨٥.

صفحة رقم 31

ونحو ذلك قال الزجاج: حتى يرجعوا إلى النبي - ﷺ - (١). وهذا هو الظاهر. وقال قوم: معناه حتى يخرجوا في سبيل الله مع رسول الله - ﷺ - صابرًا محتسبًا، وهو هجرة المنافقين (٢).
والهجرة أنواع: فأعلاها وأفضلها هجرة المهاجرين دورهم ومساكنهم بمكة إلى المدينة، وهم الذين ذكرهم الله في قوله: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ﴾ [التوبة: ١٠٠]، وذكرهم في القرآن كثير (٣). وهجرة المنافقين ما ذكرنا.
وهجرتان ثابتتان إلى يوم القيامة (٤)، وهي هجرة من أسلم من الكفار في دار الكفر، يلزمه أن يهاجر إلى المسلمين، ولا يحل له المساكنة بين أظهرهم والاستسرار بالدين (٥)، لقوله - ﷺ -: "أنا بريء من كل مسلم مع مشرك" (٦). وهجرة المسلم عما نهى الله عنه (٧)، لقوله - ﷺ -:

(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٨٨، وانظر: "زاد المسير" ٢/ ١٥٥.
(٢) من "الكشف والبيان" ٤/ ٩٦ أ، ولم ينسبه الثعلبي لأحد، وانظر: البغوي ٢/ ٢٦٠، والقرطبي ٥/ ٣٠٨.
(٣) انظر: "الكشف والبيان" ٤/ ٩٦ أ، و"البغوي" ٢/ ٢٦٠، و"التفسير الكبير" ١٠/ ٢٢١، و"القرطبي" ٥/ ٣٠٨.
(٤) انظر: القرطبي ٥/ ٣٠٨.
(٥) انظر: "الطبري" ٥/ ١٩٦، و"البغوي" ٢/ ٢٦٠، و"التفسير الكبير" ١٠/ ٢٢١، والقرطبي ٥/ ٣٠٨.
(٦) أخرج أبو داود (٢٦٤٥) كتاب: الجهاد، باب: النهي عن قتل من اعتصم بالسجود، والنسائي واللفظله (٤٧٨٠) كتاب: القسامة، باب القود بغير حديدة، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" ٢/ ١٦.
(٧) "الكشف والبيان" ٤/ ٩٦ أ، وانظر: البغوي ٢/ ٢٦٠، و"التفسير الكبير" ١٠/ ٢٢١، والقرطبي ٥/ ٣٠٨.

صفحة رقم 32
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية