
أو يتوفاه فيدخله الجنة».
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧٥ الى ٧٦]
وَما لَكُمْ لَا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (٧٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما لَكُمْ لَا تُقاتِلُونَ لَا تُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فِي طَاعَةِ اللَّهِ، يُعَاتِبُهُمْ عَلَى تَرْكِ الْجِهَادِ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ أَيْ: عَنِ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فِي سَبِيلِ الْمُسْتَضْعَفِينَ لِتَخْلِيصِهِمْ، [وَقِيلَ: فِي تَخْلِيصِ] [١] الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ بِمَكَّةَ جَمَاعَةٌ، مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ، يَلْقَوْنَ مِنَ المشركين أذى كثيرا، والَّذِينَ يدعون ويَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها، يَعْنِي: مَكَّةَ، الظَّالِمُ أَيِ: الْمُشْرِكُ، أَهْلُهَا يَعْنِي الْقَرْيَةَ الَّتِي مِنْ صِفَتِهَا أَنَّ أَهْلَهَا مُشْرِكُونَ، وَإِنَّمَا خَفَضَ الظَّالِمِ لِأَنَّهُ نعت للأهل، فلما أعاد الأهل على [٢] الْقَرْيَةِ صَارَ [كَأَنَّ] [٣] الْفِعْلَ لَهَا، كَمَا يُقَالُ:
مَرَرْتُ بِرَجُلٍ حُسْنِهِ عَيْنُهُ. وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، أَيْ: مَنْ يَلِي أَمْرَنَا لدنك، وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً، أَيْ: مَنْ يَمْنَعُ الْعَدُوَّ عَنَّا، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَهُمْ، فَلَمَّا فَتَحَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَلَّى عَلَيْهِمْ عِتَابُ بْنُ أُسَيْدٍ وَجَعَلَهُ اللَّهُ لَهُمْ نصيرا ينصف المؤمنين الْمَظْلُومِينَ مِنَ الظَّالِمِينَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَيْ: فِي [طَاعَةِ اللَّهِ] [٤]، وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ أَيْ: فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ، فَقاتِلُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ
أَيْ: حِزْبَهُ وَجُنُودَهُ [وَهُمُ] [٥] الْكُفَّارُ، إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ [أي:] [٦] مَكْرَهُ، كانَ ضَعِيفاً، كَمَا فَعَلَ يَوْمَ بَدْرٍ لَمَّا رَأَى الْمَلَائِكَةَ خَافَ أَنْ يَأْخُذُوهُ فَهَرَبَ وَخَذَلَهُمْ.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧٧ الى ٧٨]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧٧) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لَا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (٧٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ الآية:
ع «٦٦٦» قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيِّ، وَالْمِقْدَادِ بْنِ الْأُسُودِ الْكِنْدِيِّ، وَقُدَامَةَ بْنِ
(١) سقط من المخطوط.
(٢) في المطبوع «إلى».
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
(٤) في المطبوع «طاعته».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.

مَظْعُونٍ الْجُمَحِيِّ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ، وَجَمَاعَةٍ كَانُوا يَلْقُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ أَذًى كَثِيرًا قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرُوا، وَيَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لَنَا فِي قِتَالِهِمْ فَإِنَّهُمْ قَدْ آذَوْنَا، فَيَقُولُ لَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنِّي لَمْ أُؤْمَرْ بِقِتَالِهِمْ»، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ، فَلَمَّا هَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِمْ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَمَّا كُتِبَ فُرِضَ، عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ، يَعْنِي: يَخْشَوْنَ مُشْرِكِي مَكَّةَ، كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَيْ: كَخَشْيَتِهِمْ مِنَ الله، أَوْ أَشَدَّ أكبر، خَشْيَةً، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَأَشَدَّ خَشْيَةً، وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ، الجهاد، لَوْلا، هَلَّا، أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ، يَعْنِي: الْمَوْتَ، أَيْ: هَلَّا تَرَكْتَنَا حَتَّى نَمُوتَ بِآجَالِنَا؟ وَاخْتَلَفُوا فِي هؤلاء الذين قالوا ذلك، فقيل: قَالَهُ قَوْمٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ، لَا يَلِيقُ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَقِيلَ: قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَكُونُوا رَاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ قَالُوهُ خَوْفًا وَجُبْنًا لَا اعْتِقَادًا ثُمَّ تَابُوا، وَأَهْلُ الْإِيمَانِ يَتَفَاضَلُونَ فِي الْإِيمَانِ، وَقِيلَ: هُمْ قَوْمٌ كَانُوا مُؤْمِنِينَ فَلَمَّا فُرِضَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ نَافَقُوا مِنَ الْجُبْنِ وَتَخَلَّفُوا عَنِ الْجِهَادِ، قُلْ: يَا مُحَمَّدُ، مَتاعُ الدُّنْيا أَيْ: مَنْفَعَتُهَا وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ [أي وثواب والآخرة خير و] [١] أفضل، لِمَنِ اتَّقى، الشِّرْكَ وَمَعْصِيَةَ الرَّسُولِ، وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْيَاءِ وَالْبَاقُونَ تُظْلَمُونَ بِالتَّاءِ.
«٦٦٧» أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الصَّيْدَلَانِيُّ، أَخْبَرَنَا الْأَصَمُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، أَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ حَدَّثَنِي الْمُسْتَوْرِدُ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَهُ فِي اليم فلينظر بم ترجع».
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ أَيْ: يَنْزِلُ بِكُمُ الْمَوْتُ، نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ
٦٦٧- إسناده صحيح، محمد بن بشر العبدي فمن فوقه رجال البخاري ومسلم، ومن دونه توبعوا.
- وهو في «شرح السنة» (٣٩١٨) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٨٥٨ والترمذي ٢٣٢٣ وابن ماجه ٤١٠٨ وأحمد ٤/ ٢٢٨ و٢٢٩ وابن المبارك في «الزهد» (٤٩٦) وابن حبان ٤٣٣٠ والطبراني في «الكبير» (٢٠/ ٧١٣ و٧١٤ و٧١٦) والبغوي في «شرح السنة» (٣٩١٩) من طرق عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ به.
- وأخرجه الطبراني ١٠/ ٧٣١ والحاكم ٣/ ٥٩٢ من طريق عبد الله بن صالح، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ، عَنْ أبي إسحاق الهمداني، عن المستورد به.
(١) زيادة عن المخطوط وط.