
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿ألم تَرَ إِلَى الَّذين قيل لَهُم كفوا أَيْدِيكُم﴾ قيل: هَذَا فِي قوم أَسْلمُوا بِمَكَّة فآذاهم الْمُشْركُونَ؛ " فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، ائْذَنْ لنا نقاتلهم، فَقَالَ لَهُم: ﴿كفوا أَيْدِيكُم وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة﴾ ؛ فَإِنِّي لم أُؤمر بِالْقِتَالِ، ثمَّ لما هَاجر إِلَى الْمَدِينَة، فَأمر بِالْقِتَالِ، فكرهوا الْقِتَال " قيل: أُولَئِكَ الَّذين أَسْلمُوا وَقَالُوا ذَلِك، مِنْهُم: عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَسعد بن أبي وَقاص، وَقُدَامَة بن مَظْعُون، والمقداد بن الْأسود الْكِنْدِيّ، وَجَمَاعَة.
﴿فَلَمَّا كتب عَلَيْهِم الْقِتَال﴾ يعْنى: بعد الْهِجْرَة ﴿إِذا فريق مِنْهُم يَخْشونَ النَّاس كخشية الله أَو أَشد خشيَة﴾ أَي: يَخْشونَ النَّاس كخشيتهم من الله، أَو أَشد خشيَة، قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: مَا كَانُوا يَخْشونَ أَمر الله بِالْقِتَالِ، وَإِنَّمَا ذَلِك: خشيَة طبع البشرية.
﴿وَقَالُوا رَبنَا لم كتبت علينا الْقِتَال لَوْلَا أخرتنا إِلَى أجل قريب﴾ أَي: هلا أخرتنا إِلَى أجل قريب؛ فنموت بآجالنا، قيل: هَذَا قَول الْمُنَافِقين، وَقيل: كَانَ ذَلِك قَول بعض

﴿فَسَوف نؤتيه أجرا عَظِيما (٧٤) وَمَا لكم لَا تقاتلون فِي سَبِيل الله وَالْمُسْتَضْعَفِينَ من الرِّجَال وَالنِّسَاء والولدان الَّذين يَقُولُونَ رَبنَا أخرجنَا من هَذِه الْقرْيَة الظَّالِم أَهلهَا وَاجعَل لنا من لَدُنْك﴾ أَصْحَاب رَسُول الله: قَالُوا ذَلِك خوفًا و (جبنا) لَا اعتقادا. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ قَول طَلْحَة بن عبيد الله؛ قَالَ ذَلِك خوفًا ثمَّ تَابَ عَنهُ.
﴿قل مَتَاع الدُّنْيَا قَلِيل﴾ يعْنى: أَن مَا تستمتعون بِهِ من الدُّنْيَا فَهُوَ قَلِيل، وَفِي الْخَبَر الْمَعْرُوف: " مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا كَمَا يغمس أحدكُم الْمخيط فِي الْبَحْر، فَلْينْظر بِمَ يرجع؟ ! " ﴿وَالْآخِرَة خير لمن اتَّقى وَلَا تظْلمُونَ فتيلا﴾ أَي: لَا ينقص من أجرهم شئ، وَلَا مِقْدَار الفتيل.