آيات من القرآن الكريم

وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا
ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ

[سورة النساء (٤) : الآيات ٧٤ الى ٧٦]

فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (٧٤) وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (٧٦)
تفسير المفردات
سبيل الله: هى تأييد الحق والانتصار له، بإعلاء كلمة الدين ونشر دعوته، ودفاع الأعداء إذا هددوا أمتنا، أو أغاروا على أرضنا، أو نهبوا أموالنا، أو صدونا عن استعمال حقوقنا مع الناس، ويشرون: يبيعون كما جاء فى قوله «وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ» وقوله «وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ» وقوله «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ». والطاغوت: من الطغيان، وهو مجاوزة الحق والعدل والخير إلى الباطل والظلم والشر، والكيد: السعى فى الفساد على وجه الحيلة.
المعنى الجملي
بعد أن بين عز اسمه حال ضعفاء الإيمان الذين يبطئون عن القتال فى سبيله دلهم بهذه الآية على طريق تطهير نفوسهم من ذلك الذنب العظيم ذنب القعود عن القتال، وأمر به إيثارا لما عند الله من الأجر والثواب على ما فى الدنيا من نعيم زائل، وعرضي يفنى.

صفحة رقم 90

الإيضاح
(فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) أي فليقاتل فى سبيل الله من أراد أن يبيع الحياة الدنيا ويبذلها ويجعل الآخرة ثمنا لها وعوضا منها، لأنه يكون قد أعز دين الله وجعل كلمته هى العليا، وكلمة الذين كفروا هى السفلى، والله عزيز ذو انتقام.
ثم رغّب فى القتال بعد الأمر به بذكر الثواب عليه فقال:
(وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) أي ومن يقاتل فى سبيله فيظفر به عدوه أو يظفر هو بعدوه، فإن الله سيؤتيه أجرا عظيما من عنده خالدا أبدا فى دار الجزاء.
وفى الآية إيماء إلى شرف الجهاد، لأنه إنما كان فى سبيل الحق والعدل والخير لا فى سبيل الهوى والطمع، كما أن فيها إيماء إلى أنه ينبغى للمقاتل أن يوطن نفسه على أحد الأمرين: إما أن يقتله العدو ويكرم نفسه بالشهادة، وإما أن يظفر به فيعزّ كلمة الحق والدين، ولا يحدّث نفسه بالهرب بحال، لأنه إن فعل ذلك فما أسرع ما يقع فى ذلك الفخّ الذي نصبه لنفسه.
ثم زاد ترغيبا فيه فقال:
(وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أي وأىّ عذر لكم يمنعكم أن تقاتلوا فى سبيل الله لتقيموا التوحيد مقام الشرك، وتحلّوا الخير محل الشر، وتضعوا العدل والرحمة موضع الظلم والقسوة.
(وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) أي وفى سبيل المستضعفين إخوانكم فى الدين الذين استذلهم أهل مكة الأقوياء الجبابرة وآذوهم أشد الإيذاء، ليمنعوهم من الهجرة ويفتنوهم عن دينهم ويردوهم فى ملتهم.
وقد جعل الله هؤلاء سبيلا لإثارة النخوة وهزّ الأريحية، وإيقاظ شعور الرحمة والأنفة، فوصفهم بما يجعل نفس الحر تشتعل حماسة وغيرة على إنقاذهم والسعى فى رفع الظلم عنهم فقال:

صفحة رقم 91

(الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) أي إن هؤلاء المستضعفين فقدوا النصير والمعين، وتقطعت بهم أسباب الرجاء، فاستغاثوا بربهم ودعوه ليفرّج كربهم ويخرجهم من تلك القرية (مكة) لظلم أهلها لهم ويسخّر لهم بعنايته من يتولى أمرهم وينصرهم على من ظلمهم فيتمكنوا بذلك من الهجرة إليكم ويرتبطوا بكم بأقوى الروابط وهى رابطة الإيمان فهى أقوى من رابطة الأنساب والأوطان، وما كل أحد من المسلمين قدر على الهجرة، فقد كانوا يصدونهم عنها ويعذبون مريديها عذابا شديدا، وما شرع القتال إلا لعدم حرية الدين، وظلم المشركين للمسلمين، فالقتال قبيح ولا يجيزه العقل السليم إلا لإزالة قبيح أشد منه ضررا، والأمور بمقاصدها وغاياتها كما قال:
(الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ) أي إن المؤمنين إنما يقاتلون لأجل إعلاء كلمة الحق، والكافرين إنما يقاتلون اتباعا لوسوسة الشيطان وتزيينا للكفر، فلو ترك المؤمنون القتال لغلب الطغيان وعم الفساد «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ».
ثم حث مرة أخرى على القتال وبين لهم ضعف عدوهم فقال:
(فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) أي فقاتلوا أيها المؤمنون أولياء الرحمن- أولياء الشيطان الذين زين لهم الشيطان بوسوسته وخداعه أن فى الظلم وإهلاك الحرث والنسل شرفا لهم أيّما شرف.
وقد جرت سنة الله أن الحق يعلو والباطل يسفل، وأن الذي يبقى هو الأصلح والأمثل فالذين يقاتلون فى سبيل الله يطلبون ما تقتضيه سنة العمران، والذين يقاتلون فى سبيل الشيطان يطلبون الانتقام والاستعلاء فى الأرض بغير الحق، وتسخير الناس لأغراضهم وشهواتهم، وسنن العمران تأبى ذلك فلا يكون لذلك قوة ولا بقاء، إلا لنومة أهل الحق عن حقهم، فإذا هم أفاقوا من غفوتهم تغلب الحق على الباطل ورده خاسئا محسورا

صفحة رقم 92
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية