آيات من القرآن الكريم

وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا
ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ

طاروا إليه زرافات ووحدانا (١)
ومثله قوله: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ [البقرة: ٢٣٩] أي على أي الحال كنتم فصلوا (٢).
٧٢ - قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾. قال المفسرون: نزلت الآية في عبد الله بن أبيّ (٣) المنافق، كان يتخلف عن رسول الله - ﷺ - إذا خرج لغزو (٤). والخطاب في هذه الآية للمؤمنين، ومعنى ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ﴾ والمعنى كان من المنافقين يحتمل وجهين:
أحدهما: أن هذا من باب حذف المضاف، والمراد: وإن من دخلائكم، أو من عدادكم، فحذف المضاف.
والثاني: أنه جعل المُبطِّئ منهم في الحال الظاهرة من حكم الشريعة

(١) عجز بيت صدره:
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم
وهو لقريط بن أنيف كما في "الحماسة" ١/ ٤، وانظر: "الصناعتين" ص ٢٨٥، و"خزانة الأدب" ٧/ ٤١٣، و"الخصائص" ٢/ ٢٧٠، و"بصائر ذوي التمييز"، وهو في "التفسير الكبير" ١٠/ ١٧٧، و"اللسان" ٨/ ٤٧٧٩ (وحد).
(٢) انظر: "التفسير الكبير" ١٠/ ١٧٧.
(٣) هو أبو الحباب عبد الله بن أبي بن مالك الخزرجي المشهور بابن سلول (وهي جدته، نسب إليها، رأس المنافقين، وكان سيد الخزرج في آخر جاهليتهم، توفي قبحه الله سنة ٩ هـ.
انظر: "جمهرة أنساب العرب" ص ٣٥٤، "الأعلام" ٤/ ٦٥.
(٤) أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان. انظر: "الدر المنثور" ٢/ ٣٢٧، وأورده الثعلبي ٤/ ٨٦ أ، والبغوي ٢/ ٢٤٨، وابن كثير ١/ ٥٧٥. والقول بأنها نازلة في المنافقين لعموم المفسرين. انظر: "تفسير الطبري" ١٦٥ - ١٦٦ "بحر العلوم" ١/ ٢٦٧، "الكشف والبيان" ٤/ ٨٦ أ، "معالم التنزيل" ٢/ ٢٤٨، "زاد المسير" ٢/ ١٣٠.

صفحة رقم 585

وهو حقن الدم والموارثة والمواكلة ونحو ذلك، وجعله منهم من حين الجنس والنسب (١).
وقال الزجاج: أي ممن أظهر الإيمان (٢). وقد ذكرنا مثل هذا في قوله: ﴿مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٦٦] (٣).
وقوله: ﴿لَمَن﴾ اللام فيه لام الابتداء، وإنما دخلت مكان إن، كما تقول: إن فيها لأخاك (٤).
قال الفراء: دخلت اللام في: ﴿لَيُبَطِّئَنَّ﴾ وهي صلة لمن على إضمار شبيه باليمين، كما تقول في الكلام: هذا الذي ليقومن، وأرى رجلاً ليفعلن ما يريد (٥). فتدخل اللام في صلة النكرة، كما تدخلها في صلة الموصول.
وقال الزجاج: (من) في هذه الآية موصولة بالجالب للقسم، كأن هذا لو كان كلامًا لقلت: إن منكم لمن أحلف والله ليبطئن (٦).
وهذا الذي قاله الزجاج معنى قول الفراء: وهي صلة لمن على إضمار شبيه باليمين.
قال (٧): والنحويون يُجمعون على أن: من وما والذي لا يوصلن

(١) انظر: "الوسيط" ٢/ ٦١٧، "المحرر الوجيز" ٤/ ١٢٩، "التفسير الكبير" ١٠/ ١٧٨.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٧٥.
(٣) انظر تفسير الآية.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٧٥، وانظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٤٥٠، الطبري ٥/ ١٦٦، "معاني الزجاج" ٢/ ٧٥، "الكشف والبيان" ٤/ ٨٦ ب.
(٥) "معاني القرآن" ١/ ٢٧٥.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٧٥، وانظر: "زاد المسير" ٢/ ١٣٠، "التفسير" ١٠/ ١٧٩، "الدر المصون" ٤/ ٢٩.
(٧) أي الزجاج.

صفحة رقم 586

بالأمر والنهي إلا بما يضمر معها من ذكر الخبر، وأن لام القسم إذا جاءت مع هذه الحروف فلفظ القسم وما أشبه لفظه مضمر معها (١). هذا كلام الزجاج.
وبيان هذا: أنه يجوز أن تقول: مررت بمن تضربه، ولا يجوز: مررت بمن أضربه؛ لأن الخبر يصح أن يكون صلة والأمر والنهي لا يكونان صلة لموصول، والفرق بينهما أن الخبر يوضح الموصول كما يوضح الموصوف في قولك: مررت برجل لتكرمنه؛ لأنه قد خصصه وقوع الإكرام به في المستقبل، وليس ذلك الأمر في قولك: مررت برجل اضربه؛ لأنه لا يتخصص بالضرب في الأمر كما يتخصص في الخبر، فلذلك جاز أن يعرف بالضرب في الخبر ولم يجز في الأمر.
وأما معنى التبطئة في اللغة فقال الفراء في كتاب المصادر: بطؤ بطأ مثل قبح قبحًا، وأبطأ بطأ وأبطأ فيه يبطئ إبطاء، بمعنى واحد.
وقال الليث: البطء الإبطاء (٢).
فأما التَّبطئة فأكثرهم على أنه يعني الإبطاء أيضًا (٣).
ومعناها التأخر، والتشديد فيه على تكرار الفعل منه (٤).
وحكى أهل اللغة أن العرب تقول: ما أبطأ بك يا فلان عنا (٥).

(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٧٥، ٧٦.
(٢) " العين" ٧/ ٤٦٢، "تهذيب اللغة" ١/ ٣٥٢.
(٣) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٧٥، و"التفسير الكبير" ١٠/ ١٧٨، والقرطبي ٥/ ٢٧٥.
(٤) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٧٥، و"بحر العلوم" ١/ ٣٦٧، و"التفسير الكبير" ١٠/ ١٧٨، والقرطبي ٥/ ٢٧٥.
(٥) "العين" ٧/ ٤٦٢، "تهذيب اللغة" ١/ ٣٥٢، "الصحاح" ١/ ٣٦ (بطؤ).

صفحة رقم 587

وإدخالهم الباء يدل على أنه مطاوع (١)، وأجاز بعضهم أن يكون التَّبطئة واقعًا (٢)، فتقول بطأت فلانًا عن كذا، أي أخرته عنه.
وكلام المفسرين يدل على الوجهين فيه، فإن جعلته مطاوعًا لم يقتض مفعولًا وإن جعلته واقعًا اقتضى مفعولًا، وهو محذوف، والتقدير فيه: ليُبطئن غيره، أو ليبطئن بغيره، إن كان المعنى أنه يحبس غيره عن القتال (٣).
وأكثر المفسرين على أن المراد أنه يحتبس بنفسه ويتأخر بقعوده عن الغزو (٤)، فقال مقاتل: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾ ليتخلفن عن الجهاد (٥).
وقال الكلبي: وإن منكم لمن يتثاقل (٦).
وقال قتادة: ﴿لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾ عن الجهاد والغزو في سبيل الله (٧).
وهذا يحتمل أن يكون معناه ليبطئن غيره عن الجهاد.

(١) أي: لازم لا يتعدى إلى مفعول، كما سيأتي من كلام المؤلف، وانظر: "التفسير الكبير" ١٠/ ١٧٩، "الدر المصون" ٤/ ٢٩.
(٢) أي: متعديًا إلى مفعول، كما سيأتي من كلام المؤلف، وانظر: "التفسير الكبير" ١٠/ ١٧٨، ١٧٩، "الدر المصون" ٤/ ٢٩.
(٣) انظر: الطبري ٥/ ١٦٥، "الكشف والبيان" ٤/ ٨٦ أ، "زاد المسير" ٢/ ١٣٠، "التفسير الكبير" ١٠/ ١٧٩، القرطبي ٥/ ٢٧٥، "الدر المصون" ٤/ ٢٩.
(٤) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٧٥، "بحر العلوم" ١/ ٣٦٧، "الكشف والبيان" ٤/ ٨٦/ أ، "معالم التنزيل" ٢/ ٢٤٨، "زاد المسير" ٢/ ١٣٠.
(٥) ابن حيان، وأخرج الأثر عنه ابن المنذر وابن أبي حاتم. انظر: "الدر المنثور" ٢/ ٣٢٧، وانظر: "الوسيط" ٢/ ٦١٧.
(٦) "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص (٨٩)، انظر: "الكشف والبيان" ٤/ ٨٦ أ، "معالم التنزيل" ٢/ ٢٤٨.
(٧) أخرجه الطبري ٥/ ١٦٦، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، انظر: "الدر المنثور" ٢/ ٣٢٧.

صفحة رقم 588

وجماعة من المفسرين فسروا التبطئة ههنا بالتثبيط، وذلك يدل على أنه واقع (١).
وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ﴾. قال ابن عباس: يريد من القتل (٢).
وقال مقاتل (٣): ﴿فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ﴾ من العدو، وجهد من العيش. وقال الكلبي: نكبة (٤).
وقوله تعالى: ﴿قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ﴾. أي قال هذا المبطئ قد أنعم الله علي بالقعود.
﴿إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا﴾ يريد: حيث لم أحضر فيصيبني ما أصابهم من البلاء والشدة. قال (٥) ابن عباس (٦) ومقاتل (٧).
وقال الزجاج: أي إذ لم أشركهم في مصيبتهم (٨).

(١) انظر: "التفسير الكبير" ١٠/ ١٧٩.
(٢) انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص ٨٩، وأخرج الطبري ٥/ ١٦٦ نحوه عن ابن جريج.
(٣) هو ابن حيان، وأخرج الأثر عنه ابن المنذر وابن أبي حاتم. انظر: "الدر المنثور" ٢/ ٣٢٧.
(٤) لم أقف عليه عن الكلبي، وأورده ابن الجوزي في "زاد المسير" ٢/ ١٣٠، عن ابن عباس.
(٥) هكذا، والصواب: "قاله". انظر: "الدر المنثور" ٢/ ٣٢٧.
(٦) انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص ٨٩.
(٧) هو ابن حيان، وأخرج الأثر عنه ابن المنذر وابن أبي حاتم. انظر: "الدر المنثور" ٢/ ٣٢٧.
(٨) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٧٦.

صفحة رقم 589
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية