آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا
ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ

وثانيهما أنها بمعنى المتصدقين. وقد رجح الطبري أن الكلمة من الصدق لا من الصدقة وأنها مبالغة بمعنى الذي يكثر تصديق قوله بفعله.
ونحن نرجح القول الأول. ومع هذا فإن هناك حديثا رواه الشيخان وأبو داود والترمذي عن عبد الله عن النبي ﷺ قال «عليكم بالصدق فإنّ الصدق يهدي إلى البرّ وإن البرّ يهدي إلى الجنّة. وما يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقا» «١». ومعلوم أن أبا بكر رضي الله عنه كان يلقب بالصديق. وقد علل ذلك بأنه كان شديد التصديق وسريع التصديق لكل ما كان يقوله النبي ويخبر به ويفعله. فيجوز أن تكون هذه المعاني واردة بالنسبة للكلمة. وأكثر المؤولين على أن الصالحين هم الذين صلحت سيرتهم أو سريرتهم وعلانيتهم. وهم على ما يستلهم من روح الآية وترتيب الصفات في مرتبة دون المراتب الثلاث السابقة.
والصفات وترتيبها مما هو متساوق مع طبيعة الأشياء من حيث تفاوت عباد الله في الفضل بحسب سيرتهم وفضل الله عليهم.
ولمفسري الشيعة تفسير يرويه الطبرسي عن أبي عبد الله جاء فيه «إن كلمتي الصدّيق والشهيد تعنيان الأئمة من آل محمد. وإن الصالحين ما عداهم من صالحي هذه الأمة» وفي هذا تعسف ظاهر وحجر لفضل الله كما هو المتبادر.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧١ الى ٧٦]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (٧١) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (٧٢) وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (٧٣) فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (٧٤) وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥)
الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (٧٦).

(١) التاج ج ٥ ص ٥٠.

صفحة رقم 165

(١) ثبات: جماعة بعد جماعة أو سرية بعد سرية.
(٢) ليبطئن: بمعنى التثبيط والتعويق عن القتال والتخويف منه.
(٣) يشرون: هنا بمعنى يبيعون على ما قاله المؤولون. وليس من مانع أن تكون في معناها اللغوي المعروف فيكون معنى الجملة (الذين يشترون الحياة الآخرة بالدنيا) ولقد كان الخوارج يسمون أنفسهم (الشراة) على هذا المعنى على الأرجح واقتباسا من الكلمة ومداها على كل حال.
(٤) والمستضعفين: الذين استضعفهم الكفار فتسلطوا عليهم أو ضعفوا عن نضالهم. والجملة معطوفة على سبيل الله أي وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله وفي سبيل إنقاذ المستضعفين ونصرتهم.
(٥) القرية الظالم أهلها: جمهور المفسرين على أن الجملة تعني مكة.
(٦- ٧) الطاغوت والشيطان: هنا مترادفان بمعنى الشيطان.
وفي هذه الآيات:
(١) نداء موجه للمسلمين يؤمرون فيه بالحذر والاستعداد للعدو والنفرة إلى الجهاد جماعة بعد جماعة أو جمعا واحدا.
(٢) وإشارة تنديدية إلى فريق منهم يثبط همم المسلمين عن الجهاد ويبطئهم فيه، ويظهر ارتياحه وغبطته إذا أصاب سرية من المجاهدين مصيبة وهزيمة لأنه لم يخرج فيها، ويعد ذلك من مظاهر نعمة الله عليه وعنايته به. ثم هو لا يخجل من حسد سرية يفتح الله عليها بنصر وغنيمة ولا يمنع نفسه من التمني أن لو كان فيها فيكون له نصيب فيما نالته كأنه لم يكن بينه وبين أفرادها مودة توجب عليه أن يفرح لما تناله من نصر وغنيمة ويحزن لما يصيبها من مصيبة وهزيمة.

صفحة رقم 166

(٣) وتحريض للمؤمنين المخلصين، فعلى الذين يفضلون الآخرة على الدنيا وما عند الله على ما في الحياة أن يقاتلوا في سبيل الله. ووعد لهم بعظيم الأجر عند الله سواء اقتلوا وماتوا شهداء أم انتصروا وفازوا على الأعداء.
(٤) وسؤال إنكاري فيه معنى التنديد والحثّ عن سبب قعود القاعدين من المسلمين عن الجهاد في سبيل الله وفي سبيل المستضعفين من المسلمين الذين تسلط عليهم الكفار في مكة وأرهقوهم بالأذى والظلم مما جعلهم يجأرون إلى الله مبتهلين أن يهيىء لهم أسباب النجاة من الظالمين وبلدهم وأن يقيض لهم نصيرا ينصرهم وينقذهم.
(٥) وبيان لحالة المسلمين والكفار من القتال على سبيل التحريض والحث أيضا. فالمؤمنون إذا قاتلوا فإنما يقاتلون في سبيل الله ولهم منه التأييد والأجر في حين أن الكفار إنما يقاتلون في سبيل الشيطان. فعلى المؤمنين أن لا يهابوا الكفار فإنما هم يقاتلون أولياء الشيطان وإن كيد الشيطان ضعيف لن يقف أمام تأييد الله ونصره.
تعليق على الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً وما بعدها لآخر الآية [٧٦]
والآيات فصل جديد أو بالأحرى جزء من فصل جديد لأن الآيات التالية لها استمرار لها موضوعا وسياقا. وليس بينها وبين السياق السابق وموضوعه صلة.
وإن كان يلمح شيء من التناسب بينها وبين سابقاتها من حيث إنها تحتوي تنديدا بفريق من المسلمين يقف موقفا غير مستحب من الجهاد في سبيل الله ودعوته والمجاهدين مشابها للتنديد الذي احتوته الآيات السابقة بفريق من المسلمين يقف موقفا غير مستحب من الاحتكام لرسول الله والتسليم بحكمه. ومن المحتمل أن تكون نزلت بعد الآيات السابقة فوضعت بعدها بسبب اتصال ظرف النزول أو تكون نزلت لحدتها في وقت آخر ووضعت بعد الفصل السابق بسبب ذلك التناسب.

صفحة رقم 167

ولم يرو المفسرون على ما اطلعنا عليه رواية خاصة في مناسبة نزول الآيات.
والذي يتبادر لنا ويلهمه مضمونها وروحها أنها نزلت في ظرف أخذ يصل فيه إلى النبي أخبار عن اشتداد الأذى والضغط على المسلمين المستضعفين الذين تسلط عليهم أقاربهم في مكة ومنعوهم من الالتحاق بالنبي، وقد ذكرت ذلك الروايات وذكرت أسماء بعضهم معا «١»، فأخذ النبي يستثير حمية المسلمين إلى الجهاد في سبيل الله وسبيل إنقاذهم وإزعاج الكفار في مكة من أجل ذلك. ويظهر- وهو ما يلهمه مضمون الآيات- أن فريقا من المسلمين والمرجح أنهم من المنافقين ومرضى القلوب كانوا يقفون من ذلك موقف المعارض المثبط. فكان ذلك كله سبب نزول الآيات داعية حاثة مهونة منددة. وفي كل هذا صور من صور السيرة النبوية في العهد المدني.
وليس في الآيات ما يساعد على تعيين الظروف التي نزلت فيها الآيات وإن كان من الممكن أن يلمح فيها وفي الآيات التالية لها قرينة على أنها نزلت في وقت مبكر.
ومع خصوصية الآيات الزمنية فإنها انطوت على تلقينات جليلة مستمرة وشاملة. وأوجبت على المسلمين واجبات دائمة واحتوت علاجا روحيا يمدهم بالقوة. فالجهاد ضد من يناصبهم العداء ويتربص بهم الدوائر واجب. والاستعداد له والحذر منه وعدم الاطمئنان بما يبدو منه أحيانا من سكون واجب. ومساعدة المسلمين لإخوانهم المستضعفين الذين توقعهم الظروف في أيدي الأعداء وتحكم البغاة والطغاة لتحريرهم منهم واجب. والتكاسل عن هذه الواجبات تقصير يسخط الله والتثبيط عنها إثم منكر عنده. والإقبال عليها عنوان على الإيمان والإخلاص والمقبلون عليها مؤيدون بنصر الله ونائلون للأجر العظيم عنده. وليس لأعدائهم قوة روحية تساعدهم على الصبر الدائم لأنهم يسيرون بوساوس الشيطان. وهذه

(١) مثل عياش بن ربيعة وسلمة بن هشام والوليد بن الوليد وأبو جندب بن سهيل. انظر تفسير الطبرسي لهذه الآيات وانظر تفسير ابن كثير للآيات [٩٧- ١٠٠] من هذه السورة.

صفحة رقم 168

القوة متوفرة للمسلمين لأنهم يجاهدون في سبيل الله. ولهم الفوز والأجر العظيم على كل حال سواء غلبوا أو غلبوا وقتلوا.
يضاف إلى هذا ما في الصورة التي رسمتها الآيات للمنافقين ومرضى القلوب والجبناء من تلقين مستمر لأنها من الصور التي تظهر في كل ظرف من ظروف الجهاد والنضال حيث تعمد هذه الفئات إلى التثبيط والتعويق والتخويف ولا تتورع عن إظهار الحسد والغيظ إذا كان فوز ونصر، والشماتة والفرح إذا كانت هزيمة ومصيبة. والجملة القرآنية تنطوي على تقبيح هذه الفئات والتشنيع عليهم والإهابة بالمسلمين إلى اجتناب أخلاقهم وحضهم على الوقوف منهم موقف الشدة والزراية.
والآية [٧٤] بخاصة جديرة بالتنويه والتنبيه من حيث انطواؤها على أمر رباني حاسم لكل مسلم بأن يقاتل في سبيل الله دون حساب للعاقبة والنتيجة في الدنيا ودون أن يكون قلة المقاتلين وكثرة الأعداء مانعتين لهم من القتال ودون مبالاة بالتثبيط والتبطيء اللذين يحاولهما مرضى القلوب إذا كان هذا القتال هو السبيل الوحيد للدفاع عن الإسلام والمسلمين ولمكافحة الظلم والظالمين. ولقد أورد الخازن في سياق هذه الآية حديثا ورد في صحيحي البخاري ومسلم بصيغة أوفى وهي «تضمّن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي وإيمانا بي وتصديقا برسلي فهو عليّ ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة. والذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة حين كلم لونه لون دم وريحه مسك. والذي نفس محمد بيده لولا أن يشقّ على المسلمين ما قعدت خلاف سريّة تغزو في سبيل الله أبدا ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة ويشقّ عليهم أن يتخلّفوا عنّي والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل. ولفظ البخاري لوددت أني أقتل في سبيل الله فأحيا ثم أقتل فأحيا ثم أقتل فأحيا ثم أقتل» «١» حيث ينطوي في الحديث تلقين متساوق مع التلقين القرآني من

(١) التاج ج ٤ ص ٣٢٧. [.....]

صفحة رقم 169
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية