(أم) منقطعة مفيدة للانتقال عن توبيخهم بأمر إلى توبيخهم بآخر أي بل (يحسدون الناس) يعني اليهود يحسدون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط فهو عام أريد به الخاص وأطلق عليه لفظ الناس لأنه جمع كل الخصال الحميدة التي تفرقت في الناس على حد قول القائل: أنت الناس كل الناس أيها الرجل.
| وليس على الله بمستنكر | أن يجمع العالم في واحد |
(على ما آتاهم الله من فضله) من النبوة والنصر وقهر الأعداء، وقيل حسدوه على ما أحل الله له من النساء، وكانت له يومئذ تسع نسوة والأول أولى.
(فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة) هذا إلزام لليهود بما يعترفون به ولا ينكرونه وهو مسلّم عندهم أي ليس ما آتينا محمداً وأصحابه من فضلنا بأبدع حتى تحسدهم اليهود على ذلك فهم يعلمون بما آتينا آل إبراهيم وهم أسلاف محمد - ﷺ - وأبناء أعمامه.
وفيه حسم لمادة حسدهم واستبعادهم المبنيّين على توهم عدم استحقاق الحسود ما أوتيه من الفضل ببيان استحقاقه له بطريق الوراثة كابراً عن كابر، صفحة رقم 149
وإجراء الكلام على سنن الكبرياء بطريق الالتفات لإظهار كمال العناية بالأمر، وقد تقدّم تفسير الكتاب والحكمة يعني التوراة والنبوة وقد حصل في آل إبراهيم جماعة كثيرة جمعوا بين الملك والنبوة مثل داود وسليمان.
(وآتيناهم ملكاً عظيماً) فلم يشغلهم ذلك عن أمر النبوة، ومن فسر الفضل بكثرة النساء قال: الملك العظيم في حق داود وسليمان بكثرة النساء، فإنه كان لداود مائة امرأة ولسليمان ألف امرأة ثلثمائة حرة وسبعمائة سرية، ولم يكن لرسول الله - ﷺ - يومئذ إلا تسع نسوة، وقيل هو ملك سليمان واختاره ابن جرير وهو الأولى (١).
_________
(١) قال ابن جرير ٨/ ٤٧٩: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب قول قتادة وابن جريج الذي ذكرناه قبل، أن معنى " الفصل " في هذا الموضع: النبوة التي فضل الله بها محمداً، وشرف بها العرب، إذ آتاها رجلاً منهم دون غيرهم، لما ذكرنا من أن دلالة ظاهر هذه الآية تدل على أنها تقريظ للنبي - ﷺ - وأصحابه، رحمة الله عليهم، على ما قد بينا قبل، وليس النكاح وتزويج النساء -وإن كان من فضل الله جل ثناؤه الذي آتاه عباده- بتقريظ لهم ومدح.